|
مابين الأمير .. والجلاد .. والضحية
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 875 - 2004 / 6 / 25 - 16:03
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
لم يخطر ببال أحد قبل خمسة وأربعين عاما ، أن دمشق عاصمة الإقليم الشمالي ، رغم قانون الطوارئ السائد وحملة الاعتقالات المستمرة منذ أشهر ، ستكون مسرحاً لحدث نوعي جرمي سياسي بشع .. حدث مفارق بين الحلم والواقع .. بين الوعد والحقيقة ,, ويضع تحت الضوء مابين الأمير والجلاد والضحية ، وأن هذا اليوم سيصبح لاحقاً يوماً ذا شأن هام في تاريخ النضال من أجل الحقيقة والحرية . ولم يكن الذين اشتركوا في صنع هذا الحدث يتصورون أن هذا اليوم سيسجل علامة بارزة غير مشرفة في تاريخ الحكم المباحثي ، الذي أدت سياساته القمعية إلى تشويه الحلم القومي لمائة مليون إنسان ، واستدعت الإنفصال ، ومن ثم الهزيمة المريرة المدمرة ولم يخطر لفرج الله الحلو ، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ، أن رفيقه - رفيق رضا - قد خانه وصار دليلاً للمباحث العامة للقبض عليه ،وأن هذا اليوم هو آخر يوم في حياته وبعد أن تقاطعت عناصر المشهد ، المباحث العامة والخائن الدليل و ( أبو فياض ) فرج الله الحلو ، في زمان ومكان الموعد القاتل ، بدأت عملية نقل أبو فياض من الحياة إلى الموت .. ومن الفناء الجسدي إلى ذاكرة التاريخ
2
كانت مفرزة مباحثية خاصة ، في حي الطلياني ، برآ سة النقيب عبد الوهاب الخطيب المعتمد لدى المسؤولين في المهام الأكثر دموية ، ومشاركة المساعد وجيه الأنطاكي المهووس بالفتك بالمعتقلين ، قد كلفت من قبل جهات عليا بتولي التحقيق ، حتى الموت إن تطلب الأمر ، مع أبي فياض . ومنذ أن ألقي بأبي فياض بين أيدي عبد الوهاب الخطيب ووجيه الأنطاكي وبقية الجلادين ، بدأت طقوس قتل الإرادة والكبرياء والكرامة لإنتزاع الاعتراف المستحيل . وبعد ساعات جحيمية طويلة تحول الجسد العاري إلى كيان مدمر تماماً . ولم يبق فيه سوى عينين ذابلتين تخترقان العصابة السوداء ، وتتصوران للمرة الأخيرة عالم الغد الذي حلم به طوال حياته .. غير لسان ظل على مدى عمره ينادي بالإستقلال وحقوق الفقراء وبعروبة فلسطين وبالوحدة الديمقراطية ، يطلب بدافع حب البقاء قليلاً من الماء إلا أن الجلادين الذين استباحوا حياته ، وأحبطهم صموده وكبرياؤه ، تركوه بتصميم واصرار أن يموت غضباً وألماً وعطشا
3
وبعد أن صحا مدمنو التعذيب والتصفيات الجسدية من سعار الهيستريا ، فكروا بمرحلة مابعد الجريمة . سألوا الكبار .. فأمروا أن يتخلصوا من الجثة . قالوا ندفنه في بستان عميل ليلاً وينتهي الأمر . ثم استدركوا .. ربما يحفر أحدهم المكان صدفة فيجد الجثة وتكون الفضيحة . وقالوا نذهب بالجثة إلى كهف في جبل قاسيون ونفجر الكهف وينتهي كل شئ . وحين تداولوا الرأي بالتفجير تراجعوا عن الفكرة لأن الصوت المدوي قد يلفت الأنظار .. وتطرح التساؤلات وينكشف الأمر . وأخيراً تفتق ذهن الأنطاكي عن الحل المعجزة .. وهو استخدام الأسيد . ونقلوا الجثمان إلى بيت قي الغوطة جوار دمشق . وبعد أن قطعوا الجثمان بالساطور والمنشار ، وضعوا الأشلاء في حوض حمام وغمروها بالأسيد . وانتظروا إلى اليوم الثاني ، حيث تحول كل ما كان يشكل الجسد من عظم ولحم إلى مادة هيولية مائعة . وتم تصريف مافي حوض الحمام في مجراه ، واعتبروا بغباء أن الستار قد أغلق على الجريمة إلى الأبد
4
بقي المسؤولون في ذلك العهد عاماً كاملاً يراوغون وينكرون اعتقالهم فرج الله الحلو ، إلى أن كشفت الجريمة الفضيحة ، وأصبح يوم الخامس والعشرين من حزيران يوماً يكرس كل عام لإحياء ذكرى الشهيد .. ، ولشجب الجريمة السياسية والتعذيب والقمع ومنذئذ صار عندما يذكر فرج الله الحلو .. يذكر التعذيب القاتل الذي تعرض له ، والطريقة الفظيعة في محاولة التخلص من أي أثر له ومن تبعات المسؤولية السياسية والأخلاقية والجنائية التي تتحملها السلطات التي أمرت باعتقاله وقتله والتمثيل البشع بجثمانه ومحو آثاره المادية . وتذكر الديكتاتوريات التي أ سست على عظام قوافل الشهداء الطويلة وفوق أقبية التعذيب والسجون السياسية أنظمتها القميئة ، التي دمرت الأوطان وكرست وجذرت التخلف وسببت العجز ونشرت الفساد واستدعت الهزائم والإحتلال . ويذكر بإجلال واحترام شهداء الحرية عى اختلاف ألوان الطيف السياسي في مختلف العهود والأنظمة . وفي مقدمتهم يوسف سليمان فهد وسلام عادل وعلي الغضبان وعبد الخالق محجوب والمهدي بن بركة وشهدي عطية ونورالدين الأتاسي وعبد الله أقرع . وكل الذين عذبوا واستشهدوا في سجون الوطن العربي ، من الصخيرات وتامازارت في المغرب ..إلى أبي زعبل وطرة والواحات في مصر ..إلى قبور الأحياء في الجزيرة العربية ..إلىتدمر والمزة وصيدنايا في سورية .. إلى أبي غريب ومطاري بغداد وكركوك في العراق ..والسجون الأخرى التي تنتشر بقعاً سوداء نتنة تفوح منها روائح الدم والموت ، وتشوه ربوع أرضنا الخضراء الأبية ، وتقف شواهد عار على بقائنا نراوح في أرذل وأبشع مراحل الإنحطاط والضعف
5
الجانب الأهم في الذكرى الخامسة والأربعين لاستشهاد القائد الشيوعي فرج الحلو ، وشهداء الحرية ، والاشتراكية ، بعد أن عانينا ومازلنا نعاني قرابة نصف قرن من أنظمة القمع والقهر ، هو التركيز على مسألة انتزاع الحرية وحقوق الإنسان ، وإحياء المجتمع المدني ، وبناء عقد اجتماعي على أسس المواطنة والديمقراطية والعدالة ، والتركيز على اعتماد ميثاق شرف تتقاطع حوله كل القوى والأحزاب السياسية .. ميثاق ينهي إلى الأبد طروحات وسياسات معاضة للديمقراطية وحقوق الإنسان بالوطنية والقومية أو بالشرعية الثورية أو الاشتراكية ، أوغيرها من البدائل الإديولوجية التي تتعارض مع حق الشعب في تقرير مصيره واختيار حكامه وصنع مستقبله يلح على ذلك ويؤكده ، أن ليس كل ما خسرناه على الجبهات العسكرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية خلال نصف القرن الماضي قد تم فقط بفعل التآمر الخارجي والعدوان الخارجي ، وإنما بفعل الاستبداد المستشري في النظام العربي الرسمي أيضاً أساساً ، وغير الرسمي بشكل أو بآخر ، الذي أودى بنا إلى التقصير والعجز والتخلف والفقر ، ثم جاء العدو الخارجي واستثمر كل ذلك ليوقع بنا الإنكسارات والهزائم
إن وقفة الوفاء لأبي فياض وجميع شهداء الحرية ، والاشتراكية ، تتطلب تشديد النضال لإسقاط الاستبداد وجميع مؤسساته القمعية والشمولية ، وبناء العالم الحر العادل الذي أعطاه شهداؤنا حياتهم بسخاء وشرف
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإصلاح في سورية .. والخيارات المفتوحـة
-
نحو نهوض كفاحي ضد عالم الاستغلال والقهر
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|