حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 875 - 2004 / 6 / 25 - 05:20
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
وحيد منصور شاب مراهق لم يتجاوز عمره سبعة عشر عاما اعتقلته الشرطة ربما في مظاهرة وارسل الى سجن الكوت سنة ١٩٥٣. فكان هذا الشاب احد ضحايا مجزرة الكوت التي اقترفتها الحكومة العراقية عن سبق اصرار.
ففي هذه السنة حدثت مجزرتان في سجون العراق. اولهما في سجن بغداد المركزي حيث قتل وجرح عدد كبير من السجناء العزل. واقترفت الحكومة مجزرة ثانية في سجن الكوت مستفيدة من تجربة المجزرة الاولى للزيادة في القتل والتنكيل والتعذيب فيها. فقد بدأت هذه المجزرة الثانية بمجيء المحكمة العرفية بكاملها مع مدير السجون العام وخبير جزاري السجون عبد الجبار ايوب لمحاكمة جميع السجناء واضافة احكام الى احكامهم لانهم وقعوا على رسالة احتجاج الى الحكومة على مجزرة سجن بغداد. وبعد انتهاء المحاكمات التي دامت حوالى اسبوع لان المحكمة حاكمت كل سجين على انفراد بدأت اجراءات المجزرة. فقطعت الادارة الماء والطعام عن السجن بعد ان اخلته من السجناء غير السياسيين. وفي جو عراقي مثل آب لم يكن بامكان السجناء ان يعيشوا بدون الماء اكثر من يومين. ولكنهم اضطروا الى حفر بئر في وسط السجن فوجدوا ماء مليئا بالاملاح ولكن هذا الماء هو الذي حافظ على حياتهم طوال شهر لم تدخل السجن فيه قطرة ماء او لقمة خبز.
وفي يوم ١٤/ ٨/ ١٩٥٣ اطلقت الشرطة النار فجأة من فوق اسوار السجن لاول مرة خلال ذلك الشهر. فكانت حصيلة ذلك اليوم شهيدين هما صبيح مئير الذي كان واقفا في باب زنزانته فاصابته رصاصة في راسه فانتثر دماغه وسقط صريعا. واصابت رصاصة اخرى صدر وحيد منصور فاخترقت رئتيه.
كنت في ذلك الوقت مسؤولا عن صحة السجناء اساعدهم قدر استطاعتي في ظروف مثل ظروف السجن. لذا كان من الطبيعي ان اكون الى جنب وحيد منصور عند اصابته. كان هذا الشاب الذي لم يعرف بعد معنى الشيوعية والاشتراكية عجيبا في موقفه. كان يشعر بانه يقترب كل دقيقة من الموت ولكن الموت لم يرعبه. فقد بقي رابط الجأش باسما يتجاذب الحديث معي وكانه لم يصب باذى. لم يكن قي استطاعتي ان اقدم اي شيء لاسعافه في مثل هذه الحال. والشيء الوحيد الذي استطعنا ان نفعله هو نداؤنا للادارة بوجود جريح ما زال على قيد الحياة طالبين منهم نقله الى المستشفى لمحاولة علاجه. ولم تستجب الادارة لندائنا الا بعد ساعة كان وضع وحيد فيه يتردى كل دقيقة. فوافقت الادارة على نقله بين بابي السجن على سجادة فادخلناه هناك. ولكن الشاب المسكين بقي طريحا في مكانه ساعات الى ان توفي فنقل ميتا الى المستشفى. لقد مات وحيد بطلا حقا.
رأيت ان اكتب عن استشهاد وحيد اولا لانه كان احد شهداء مجزرة الكوت الاجرامية الفظيعة التي تشكل وصمة عار في جبين الحكومة العراقي انذاك. وثانيا لان قصص الاستشهاد قد تتناول شخصيات معروفة شهيرة ولكن قلما تتناول قصص الاستشهاد شابا بسيطا مات موتة بطل لا يقل في ذلك عن بطولة غيره من الشهداء.
حسقيل قوجمان
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟