|
ملازم جمال ومضيق الموت في شاندري ! 1 من 2
مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 875 - 2004 / 6 / 25 - 05:37
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
كان شاباً في اواسط العشرين من العمر، اشقر الشعر ازرق العينين، من مجموعة " جوارقورنة" التي شاركت في تأسيس قاعدة الأنصار الأولى للحزب الشيوعي في " نوزنك "، مطلع عام 1979 . . في شعاب جبل "مامنده" الممتد في اطراف قلعة دزه، وكان يحمل مسدساً آنذاك . . وأثر حاجة الحركة الكردية في ايران الى كوادر سياسية وعسكرية عام 1980 ، بعد انتصار الثورة الأيرانية وانطلاقة القوميات الأيرانية ومنها الكردية ومواجهتها لأنواع الضغوط والمواجهات، اختير "ملازم جمال" لكفائته ضمن المجموعة التي شُكّلت لدعم نضال الشعب الكردي من اجل حقوقه القومية هناك، وشارك مشاركة فعّالة وساهم في عديد من المعارك هناك. ثم اصيب اصابة بالغة في الحوض والساق الأيمن، كادت تؤدي بحياته . لقد اُنقذت حياته، وساقه من البتر، في طبابة البيشمه ركة في كردستان ايران، في قرية " بي رم" الواقعة في الجبال المحيطة بمدينة "مهاباد" الجميلة . عاد الى نوزنك بعد ان قُصفت الطبابة هناك وتدمّرت، واشرف طبيب الأنصار هناك د. صادق على أستكمال جراحته وعلاجه واعادة تأهيله، الى ان اخذ يتدرّب على السير ليلاً اولاً، لخجله من العرج الصارخ، ثم ليلاً ونهاراً بعد ان تغلّب على تلك المشاعر. كان يتمرّن في مواقع الأنصار وحولها، رغم الثلوج التي تساقطت كثيفاً في ذلك الشتاء. ثم واصل التدريب على الركض، ثم الركض بالأحمال الى ان تمكن منه، ثم اُرسل بعد انفتاح الطرق لأستكمال العلاج والدراسة العسكرية، وتخرّج منها برتبة ملازم . ثم عاد لسريته " سرية بتوين" (1) في موقع " شاندري " ليكون معاون آمرها "علي حاجي نادر"، احد ابرز الوجوه الفلاحية لحركة الأنصارآنذاك. كانت سرية بتوين حين تركها ملازم جمال لأغراض العلاج والدراسة صيف عام 1981 ، من ابرز سرايا الأنصار التي كانت تدار من قاعدة نوزنك آنذاك، وكان انصارها يقطعون مسافات طويلة مليئة بالمخاطرالى ساحات نشاطهم العسكري وحيث قراهم واهاليهم، مصممين ككل الأنصار على عدم ترك مرابعهم. وقاموا في فترة غياب ملازم جمال، بعشرات العمليات الناجحة في منطقة بتوين ومناطق بحيرة دوكان واستطاعوا مع القوى الوطنية الأخرى، من فرض نفوذهم وتواجدهم في رانية وجوارقورنة، الأمر الذي واجهته الدكتاتورية بعد ان فشل عنفها اثر التفاف الأهالي حولها، باتباع اساليب الدس والوقيعة بين القوى الوطنية، ثم باشعال حرب اقتتال الأخوة آنذاك. وكان من ابرز عمليات السرية آنذاك، انها استطاعت ان تكمن لموكب عقيد الأستخبارات الركن اياد التكريتي، الذي كان قد تعيّن حديثاً كمشرف عسكري عام على كردستان العراق في ذلك الوقت ، وان ترديه قتيلاً، بعد ان تمزّق موكبه الذي كان يتحرّك على طريق هيزوب ـ رانية . كما وانها استطاعت في احدى المواجهات اسقاط طائرة مقاتلة سيخوي برصاص النصير" حمه رسول" عدد الدوشكا العائد لها، اثناء قصف مدمّر لمنطقة تواجدها . . وشوهدت الطائرة تترنّح ساقطة في مياه بحيرة دوكان، الأمر الذي يعتبر نادراً جداً في تلك المرحلة من حياة الأنصار . الاّ ان السرية وبعد معاركها الطاحنة مع قوات السلطة، ومواجهتها معارك اقتتال الأخوة التي اندلعت من جانب آخر، اضطرّت كبقية السرايا الى الأنسحاب نحو الجبال البعيدة مجدداً، لآعادة تنظيم نفسها ومعاودة النشاط في منطقتها، بعد ان فقدت عدد من خيرة مقاتليها وبعد التحاق جدد بها، وبعد ان تعب انصارها. فتوزعت الوحدات على منطقة جبلية واسعة ضمّت مدن وقرى مهجّرة، كانت تحرق دورياً كلّ صيف، تمتد من كافية الى بارزان وريزان ، الى شاندري ومنطقة مضيقه التي شكّلت نقطة مرور اجبارية لكل مجموعة انصار تريد التحرّك (النزول) الى مناطقها السهلية . تكلّف ملازم جمال بشؤون الأستطلاع في منطقة مضيق شاندري، حيث كان موقع السرية. فكان ينظّم ويقود عمليات الأستطلاع في ذلك الموقع الحسّاس، الذي شكّل عنق الزجاجة الأجباري الحرج لأي مفرزة كانت تريد النزول من منطقة قيادة القاطع الجبلية الوعرة، الى مناطق اربيل آنذاك. وكانت حساسية وخطورة الموقع تنبع من كونه كان يتكوّن من قرى معروفة احداثياتها العسكرية جيداً (2) للسلطة، لأنها هوجمت واحرقت ودمّرت مراراً عديدة، اضافة لمحاذاتها لمنشآت سد " بيخمة" الذي كان قد بدأ العمل فيه منذ مشروع الأعمار الملكي عام 1957 ولم ينته العمل فيه حتى ذلك الزمان (بل والى الآن). وكان المضيق والموقع محاطاً بعدد كبير من ربايا السلطة الفاشية المزوّدة باحدث اجهزة الأتصال والأتصال الجوي لدعوة الطيران الحربي وتوجيهه، اضافة الىالرشاشات والمدفعية والمدفعية الصاروخية. واضافة الى واجباتها اليومية، كانت وحدات الربايا تقوم بعمليات تمشيط وابادة كلّ كائن يتحرّك في منطقة المضيق والموقع، وفق الأوامر العليا او وفق معطيات مفارز مراقبتها، وتسببت بمقتل مئات المدنيين العزّل بمن فيهم النساء والأطفال . ووفق تلك الظروف كانت سرية بتوين والوحدات الأخرى المتواجدة، تقيم في تضاريس الموقع بشكل متحرّك، مستفيدة من كثرة خرائب واطلال البيوت المهجّرة المهدّمة المنتشرة على مساحة واسعة، للوقاية من المطر والثلج وللمحافظة على الذخائر. وقد اقام ملازم جمال من خلال مهمته الشاقة الهادفة الى ديمومة سلامة الموقع لنزول مفارز القاطع المنتشر بعمق كان يتجاوز 20 كم ، واختيار الأوقات المناسبة للمرور، واختيار النياسم (3)الأمينة التي كانت تتغيّر ايضاً تبعاً للأوضاع العسكرية، رغم عدم امتلاك أجهزة اتصال !. . . اقام علاقات متنوعة برجال العشائر والجاش (4) من اهالي قرى المنطقة المحيطة المهجّرة، كان يساعده في ذلك النصير " رسول فقي" ابن قريته، الذي لم تساعده ظروف عائلته على الدراسة واقبل مبكراً على الفلاحة والرعي ثم على مهنة صيد الأسماك من بحيرة "دوكان"، وكان يحمل هوية نقابتها. كانا يقومان بمهام الأستطلاع ومعهم نصير ثالث على اساس انهم جاش ذاهبين للصيد، او انهم مكلّفون بمنع الصيادين . . الذين كانوا يأتون الى المنطقة لصيد الخنازير البرية الكثيفة التواجد، وكانوا ينقلون لحومها بسيارات الـ "بيك آب" التي كانت تمرّ بأنواع السيطرات العسكرية في زمن الحرب العراقية الأيرانية، وكانوا يرْشوها (يدفعون لها) في العادة بمبالغ مغرية من المدخول الكبير الذي يؤمنه لحم الخنزير الطري المحرّم في البلاد الأسلامية، والذي كانوا يبيعوه للأجانب العاملين في مشاريع الشركات متعددة الجنسية سواءاً في كردستان او عموم العراق . وكانت المنطقة غنيّة باشجار "حبة الخضرة"(5) الثمينة ، واشجار الجوز واللوز والفستق من الأنواع الجيدة اضافة الى تواجد الغزال الجبلي (كيوي) والماعز الجبلي، والطيور، والسيخور(6) اللذيذ الطعم ، اضافة الى الأسماك الكبيرة من نوع "البز" التي كانت تعيش تحت الصخور العملاقة في الأنهار السريعة الجريان كنهر الزاب في المنطقة . . الأمر الذي جعل الصيد وجني الأثمار غطاءاً لتسلل عصابات السلطة بكثافة وقيامها بأعمال تخريب متنوعة ضد قوات الأنصار(البيشمه ركة) . في صباح ربيعي من عام 1985 وبينما كان "ملازم جمال" يقود مجموعة استطلاع في منطقة "شاندري"، ابتعد صحبة "رسول فقي" ونصير آخر، عن باقي المجموعة، نحو الطريق الموصل الى مدينة " دينارته"، شاهد ورفيقاه رجلاً بدا من ملابسه انه جاش، كان الرجل مسلّحا وبدا مشغولاً بالبحث عن شيء ما في الأرض، بحركات كانت تبدو حذرة مريبة . صاح به ملازم جمال، طالباً منه الوقوف والتقدم اليهم فيما انتشر رفيقيه الى الجانبين . اجاب الرجل و بشكل غير متوقع ابداً، بأن استدار نحوهم وكمن ارضاً بشكل خاطف ، واخذ يطلق عليهم ، ثم اطلق ساقيه للريح ملتفتاً ومطلقا عليهم بمهارة، في تلك الأحراش الصخرية الوعرة . الأمر الذي شكّل تحدياًّ ـ كما كان يبدو ـ جعل "ملازم جمال" ثم رفيقيه يركضون خلفه مطلقين عليه، وهم غير مدركين انه كان يجرّهم الى كمين غير مسبوق قبلاً في المنطقة . . حتى اجهز عليهم عدد كبير يقدّر بالمئات من الجاش والقوات الخاصة ومن جهات متعددة، ثم تصاعد اطلاق النار و انفجار القنابل اليدوية . لم يستسلم الأنصار بل قاوموا حتى الرمق الأخير بعد ان اوقعوا خسائر جسيمة بالمهاجمين (كما اوردت الأخبار فيما سيأتي). اما باقي المجموعة وكانا نصيرين فقط، فقد كمنا بعد سماعهما اصوات زخات الرصاص، بينها اصوات صليات رشاشات BKC المتوسطة وقناصات، فقدّرا انه اصطدام بقوات كبيرة، امّا مع من ؟ لم يكن واضحاً لهما . اقتربا من موقع الأشتباك متحصنين بالصخور، وشاهدا اعدادا هائلة من افراد القوات الخاصة والآليات العسكرية . وشاهدا ان الأشتباك كان يجري على ارض شبه مستوية، نجح الجاش في استدراج ملازم جمال ورفيقيه اليها . . كان يستحيل عليهما التقدم اكثر في العراء، في مناطق الجاش وفي وضح النهار وبوجود القوات العسكرية ومخاطر الطيران السمتي والحربي، وفق التعليمات المشددة للموقع، فقررا الأختفاء اولاً ثم الأنسحاب تدريجيا في ذلك النهار الذي اكملت شمسه ارتفاعها فيه ، والرجوع الى الموقع لأخباره بسرعة . (يتبع)
23 / 6 / 2004 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــ (1) سميت بعدئذ باسم "سرية ملازم جمال" . (2) تدعى كمصطلح "ساقطة عسكرياً" . (3) نياسم، جمع نيسم، الممر الجبلي . (4) الجاش، قوات مرتزقة السلطة من الكورد . (5) حبة خضرة : احد انواع الكرزات بقشرة خضراء لامعة، وهي هنا من النوع الكبير الغالي الثمن، تتميّز الشجرة باهمية في الصناعة ، حيث يشكّل لحائها المادة الأساسية في صناعات المشروبات الكحولية وانواع العلك ويسمى ، "مستكي" . (6) سيخور، بالعربيه دعلج، و كان يتم اصطياده عادة بالحفر امام جحره وبوضع صفيحة معدنية فيها، وعند خروجه ليلاً كان يسقط في العلبة، ولايستطيع الخروج منها مهما حاول لأنزلاقه، فيمسك به عند ذاك ويُسلخ ويهيأ للطبخ .
#مهند_البراك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رغد، الرئاسة، مصير القرارات المتخذة والآفاق؟! 2 من 2
-
رغد، الرئاسة، مصير القرارات المتخذة والآفاق؟! 1 من 2
-
محاكمة صدام خطوة حاسمة نحو تحقيق الأمن!
-
من أجل درء خطر الدكتاتورية والحرب الأهلية ! 2 من 2
-
من أجل درء خطر الدكتاتورية والحرب الأهلية ! 1 من 2
-
حول الخصخصة في الحروب 2 من 2
-
حول الخصخصة في الحروب 1 من 2
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 3
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 2
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 1
-
الديمقراطية . . ونزيف الدم ؟
-
كي لايكون العراق غنياً للعالم، فقيراً لأبنائه !
-
لمناسبة عامه السبعين سلامٌ حزب الكادحين !
-
لم ينلْ (الكيمياوي) من شعلة النوروز !
-
المصالحة الوطنية كبديل للدكتاتورية
-
حازم جواد لايتذكّر 2 من 2 الزعامة مهما كان الثمن ؟!
-
في 8 آذار-الدفاع عن المرأة ودورها شرط اساس لتقدّم المجتمع
-
المجد لشهداء عاشوراء ماهي خطة صدام بعد السقوط ؟
-
حازم جواد لايتذكر ـ 1 من 2 محاولة عقيمة لتجميل الماضي
-
نصفنا الآخر ـ 2 حقوق المرأة والصراع الأجتماعي الطائفي
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|