عبد الخالق سماها
الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 01:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يلعب التلفزيون دورا مهم في التنشئة الاجتماعية للطفل لاسيما في السنوات الأولى من ولادته،إلا أن الكثير من الآباء والمربين أصبحوا يتخوفون من التأثير السلبي للتلفزيون على الأطفال لكون هدا الأخير أصبح يزاحمهم في تأثيرهم على الأطفال,خاصة بعد النتيجة المرعبة التي أكدتها الدراسة الميدانية في هدا المجال.
فهل يترك التلفزيون آثارا على الأسرة، ويضعف من سلطة الأبوين ومن إمكانيات الحوار داخل الأسرة ؟أم انه يخلف رغبات استهلاكية قد لا يستطيعون إشباعها إلا بالخروج عن القيم الأخلاقية والاجتماعية ؟أم انه يتيح للأطفال خاصة ما يقدمه من مشاهد العنف والأجرام فرصة تقليد هده المشاهد في الواقع المعاش,وبالتالي يدفعهم الى الانحراف والأجرام .؟
توصلت من خلال الدراسة الميدانية التي أجريتها في منطقتين مختلفتين (حضرية وقروية) حول وسائل الإعلام وعلاقتها بانحراف الأحداث,حيث تبين من خلال البحث المتعلق بالأحداث الجانحين أن 15شخصا من أصل 20 شخصا أي بنسبة %75 يؤمنون بالأحداث التي يشاهدونها عبر وسائل الإعلام لاسيما التلفزيون والانترنت , هدا فيما يخص المنطقة الحضرية.
إلا أن النتيجة كانت عكسية في المنطقة القروية على الرغم من أن نفس السؤال وجه الى نفس العينة,حيث أجاب 18 من بين 20اي نسبة %90 لا يؤمنون بالأحداث التي يشاهدونها عبر وسائل الأعلام خاصة التلفزيون.
ويفسر هدا التباين والتفاوت في النتائج المحصل عليها بان الأسرة القروية لازالت القناة الرئيسية والوسيلة الإعلامية التي يتم من خلالها تمثل الفرد للقيم الاجتماعية والأخلاقية ,
كما أن الأسرة القروية لن تعرف تطورا ملحوظا في وسائل الإعلام خاصة الانترنت والأقمار الاصطناعية فالأغلبية تكتفي بالمشاهدة عبر قناة 1و2 .
في حين الأسرة الحضرية وصلت الى مرحلة متطورة في وسائل الإعلام خاصة الانترنت فالأقمار الاصطناعية.
ولعل اخطر ما تواجهه الأسرة المغربية هو مشكل الحداثة لهدا يجب عليها أن تقوم بالامتثال والانفتاح عليها,لكن نفس الوقت يجب عليها عدم التخلي عن القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تضمن استمرارها وتماسكها.
ومهما يكن من أمر فان غزو التلفزيون للأسرة بالشكل الذي نراه الآن من شانه إضعاف السلطة التي يمارسها الآباء على أبنائهم، وخاصة أن الأبوين تتمحور حولها مجموعة من القيم الأخلاقية والروحية والاجتماعية وان ضعف سلطة الأبوين من شانها أن تؤدي إلى إضعاف تلك المجموعة من القيم الأخلاقية والروحية.
بالإضافة إلى كل هدا الجهاز يؤدي الى إضعاف الحوار داخل الأسرة ويدعو الى الصمت ويتضح دلك من خلال اللحظة التي يكون فيها المشاهد يتتبع ما يبثه التلفزيون خصوصا إذا كان البرنامج أو الفيلم أو...ما...يثير إعجاب المتلقي. وبذلك يكون هدا الجهاز قد انتزع دلك الوقت الذي كانت تقضيه الأسرة في تبادل الحديث والكلام وتناول مواضيع حية يواجهونها في حياتهم اليومية كما كان الحال قبل ظهوره خاصة وان عدد من الأسر أصبحت اليوم تتوفر على أكثر من جهاز تلفزيوني داخل البيت الهدف من ذلك هو إتاحة الفرصة أمام كل أفراد الأسرة لمتابعة البرامج التي تناسب معهم. وهذا في حد ذاته خطر كبير على الأطفال لأن مثل هذه الطريقة تمكنهم من تتبع البرامج التي لا تتناسب مع مبادئنا وهويتنا الإسلامية، حيث من الأفضل أن يكون جهاز واحد، ويجب على الأسرة أن تقوم بالتركيز على البرامج ذات البعد الاجتماعي التي تدعو إلى احترام القوانين والتقاليد والأخلاق...لأن ذلك من شأنه أ يخفف من الآثار السلبية لهذا الجهاز وتحصن أفرادها من التأثر السلبي لما يشاهدونه في هذه الوسيلة الإعلامية المؤثرة، خاصة وأن الأطفال يظلون صامدون أمام هذا الجهاز لساعات طويلة وهم يشاهدون في أجواء تجعلهم يتأثرون بالمشاهد التي يشاهدونها، خاصة وأن وسائل الإعلام في المغرب اليوم تتحدث عن حالات من الانحراف والإجرام يبدو أن مرتكبيها تأثروا بمشاهد العنف والجريمة التي تبثها وسائل الإعلام لا سيما السينما والتلفزيون على الرغم من أنها تلعب دورا مهما تنبه المشاهد بأن الجريمة لا تفيد وأن المجرم لا بد وأن يتم القبض عليه في آخر المطاف، وهذا ما نشاهده في أغلب الأفلام، لأن مشاهدة أشكال مختلفة من الأفلام التي تبث عبر التلفزيون تجعل المشاهدين، خاصة الأطفال ضعيفي الصلة بالواقع ويعيشون في عالم خيالي مليء بالمغامرة والانحراف.
فإذا كان المجال لا يسمح لمناقشة هذه النظريات بالتفصيل فيجب التقليل من هذه المشاهد وتوظيفه في إطار تربوي ينفر الأفراد من اللجوء إلى العنف وبالتالي ضعف احتمالات ارتكابهم لأفعال منحرفة. كما يجب توفير مناخ داخل الأسرة يتيح لهم فرصة التواصل والحوار لأنه ضروري بين الآباء والأبناء حتى لا يصعب الأمر ويجدون أنفسهم بعيدين عن التأثير في أبنائهم. وكثيرا ما يكون انحراف الأطفال نتيجة لانعدام التواصل بين الآباء وأبنائهم، مما يجعلهم عرضة للخضوع لتأثيرات سلبية.
خلاصة القول في نظري هو أن مواجهة سلبيات التلفزيون في مجتمعنا لم تصل مرحلة تدعو إلى القلق، فلازال بإمكان الأسرة ألن تحد من خطورة التأثير السلبي للتلفزيون وتوجه الأبناء وتحسن تربيتهم وضبطهم.
إننا في حاجة ماسة إلى التفكير في أسلوب جديد في ما يخص جهاز التلفاز وللدور الذي يلعبه في حياة أطفالنا وأسرنا حتى لا ينفلت الأمر من بين أيدينا ونصل إلى ما وصلت إليه كثير من الدول الغربية التي وجدت نفسها غير قادرة على وقف التأثير السلبي للتلفزيون على أبنائها.
بقلم: الطالب عبد الخالق سماها.
#عبد_الخالق_سماها (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟