|
علم الاجتماع الأسري القروي
حيبور عادل
الحوار المتمدن-العدد: 2874 - 2009 / 12 / 31 - 00:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بعد أن أخذ علم الاجتماع مكانه على خريطة العالم كعلم يدرس في الجامعات، وأصبح له مقومات العلم ومتطلباته، واتسع ميدانه وتعددت مباحثه، كان من الطبيعي أن يولي علم الاجتماع اهتماما كبيرا بشؤون الأسرة وتحليل المقومات التي تركز عليها والتعرف على طبيعتها وطبيعة مشاكلها ومحاولة الإصلاح المعتل من شؤونها ذلك لأن الأسرة أدق جهاز في جسم المجتمع ولا يمكن أن تستقيم أمور المجتمع ومن ثم الدولة وتتلخص كل مظاهر الفوضى والانحلال إلا إذا استقر النظام الأسري. ومع بداية القرن 20 م اتسع نطاق المباحث التي تتناول شؤون الأسرة إلى درجة استوجبت أو أتاحت قيام على جزئي مستقل في نطاق علم الاجتماع العام، وهو علم الاجتماع الأسري « sociology of family ». لا ترجع أهمية دراسة الأسرة في ميدان علم الاجتماع إلى حقيقة كونها الخلية الأولى للحياة الاجتماعية فحسب ، بل أيضا لكونها مسرح التفاعل الاجتماعي الذي يتلقى فيه الكائن البشري أهم عملية اجتماعية ألا وهي عملية التطبيع أو التنشئة الاجتماعية وذلك من اللحظة الأولى التي تطأ فيها قدماه عالم الوجود الكوني. فالأسرة هي الوحدة الأساسية في أي تنظيم اجتماعي، ومن مجموع الأسر يتكون المجتمع البشري، وفي قوة البنية الأسرية قوة المجتمع، وفي ضعفها ووهنها يتحدد ضعف المجتمع، وتقدم المجتمع يرتبط أو يتوقف بدرجة كبيرة على مدى تقدم الأسر المختلفة المكونة للبناء الاجتماعي الكلي، وبهذا نتسائل كيف تطورت الأسرة الانسانية عبر التاريخ؟ وما طبيعة الأسرة القروية بالمغرب خاصة الأسرة التي توجد بإقليم القنيطرة وبالأخص سيدي علال التازي "دوار الشريبلات" ؟. إن بعض العلماء ممن اهتموا بوجه خاص بدراسة تاريخ النظم الاجتماعية وتطورها عبر التاريخ اضطروا إلى الالتجاء إلى الظن والتخمين وإلى افتراض بدايات نظرية المؤسسة الأسرة وذلك كما فعل عدد كبير من علماء القرن 19 م من أصحاب "النظرية التطورية". فقد ذهب هؤلاء العلماء إلى أن الأشكال العليا للتفكير والثقافة شأنها شأن الأشكال العليا للكائنات الحية فقد نشأت عن طريق التطور من أشكال الدنيا وخلال نمو الإنسان نشأت الأسرة منبثقة عن مرحلة من الفوضى أو الإباحية الإباحية الجنسية، تشبه إلى حد كبير الحالة التي كان يحيا عليها الحيوان. وقد تطورت هذه الحالة إلى مرحلة الزواج الجمعي..وبعد هذه المرحلة التف الأبناء حول الأم، الأمر الذي أدى إلى ظهور النظام الأموي، ثم لم يلبث أن تطور نظام الأسرة من جديد وذلك بظهور النظام الأبوي، متخذا شكل نظام شكل نظام تعدد الزوجات وبينهما أخذ شكل العائلة المألوفة في الوقت الحاضر يظهر في نفس الوقت وبشكل تدريجي وفي هذا الشكل التزاوجي يقتصر زواج واحد هو ما يعرف اصطلاحا بوحدة الزواج في قواميس العلوم الاجتماعية" وما من شك في أن خطأ أصحاب التطورية في افتراضاتهم النظرية بخصوص أصول ونشأة الأسرة البشرية قد جاء نتيجة اعتمادهم على ما يعرف باسم التاريخ الظني او التاريخ التخميني. ولكن من جهة أخرى دلت الدراسات الأنتربولوجية والسوسيولوجية الميدانية على خطأ الافتراض القائل بل أن النظام الأسري قد تطور من مرحلة الإباحية الجنسية فمرحلة النظام الأموي ثم مرحلة النظام الأبوي فالعالم ألأمريكي روبرت لوي في كتابه الموسوم "المجتمع البدائي" يؤكد على أن العلاقات الجنسية الحرة التي يشير لها أصحاب النظرية التطورية، ما هي إلا صورة وهمية لا يلاحظ لها وجود في أي مجتمع من المجتمعات البشرية، وأنه ليس ثمة ما يثبت أن هذه الحالة قد وجدت في أية مرحلة من مراحل تطور الجنس البشري. وعلى أية حال، فنحن لا نعلم شيئا عن نطاق وحقيقة الأسرة في المجتمعات الانسانية الأولى، ولكن طائفة كبيرة من علماء الأنتربولوجية والاجتماع يعتقدون بأن الشعوب البدائية أو البسيطة كسكان الأهليون لقارتي أستراليا وأمريكا، يعتبرون ممثلين إلى حد ما كانت عليه الانسانية في بداية نشأتها، كما كانت هذه الشعوب لا تفرق بين مفهوم الأسرة والعشيرة بل كان كل فرد من أفراد العشيرة الواحد يرتبط بعضهم ببعض برابطة ليست قائمة على صلات الدم كما هو الشأن في ألمم الحديثة في الوقت الحاضر، ولكن الروابط كانت قائمة على اساس انتماء جميع الأفراد لطوطم واحد والطوطم كما يحدده قاموس علم الاجتماع هو عبارة عن حيوان أو نبات أو جماد كانت تتخذه القبائل والجماعات البشرية البدائية شعارا ورمزا لها ولوحدتها وذاتيتها. على أية حال لقد أخد مفهوم الأسرة الواسع أو المتسع يضيع شيئا فشيئا حتى وصل إلى حد أو الشكل الذي استقر عليه في اغلب أمم العالم في العصر فقد أصبحت الأسرة بمفهومها الضيف عند الأمم الحديثة لا تشتمل غلا على الزوج وزوجته وأطفالهما غير المتزوجين وقد اصطلح علماء الاجتماع على تسمية الأسرة ذات المفهوم الضيق بالأسرة الزيجية أو البسيطة أو النووية ، فإذا كانت الأسرة قد مرت بعدة مراحل تاريخية إلى أن تحولت في عصرنا الحالي إلى أسرة نووية أو زيجية تتخذ أربع وظائف أساسية لا غنى للحياة الانسانية عنها، وهذه الوظائف تتمثل في : أ ـ الوظيفة الجنسية ب ـ الوظيفة الاقتصادية ج ـ الوظيفة التناسلية د ـ الوظيفة التعليمية والتربوية. فما هو مشكل الأسرة القروية بالمغرب وخاصة بقرية سيدي علال التازي إقليم القنيطرة وبالأخص دوار الشريبلات؟. توجد قرية سيدي علال التازي شرق القنيطرة حوالي 40 كلم أما دوار الشريبلات فهو يوجد شرق قرية سيدي علال التازي ويبعد عنها بكيلومترين ونصف كيلومتر وعدد سكان هذا الدوار ، حسب الاحصاء الذي يعرفه النايب والمقدم الدوار يتراوح حوالي 1200 نسمة يغلب على سكانه طابع الشباب والفتوة كما يتراوح عدد السكان ما بين 100 و200 منزل لأن هذا المجتمع يعرف نزاية مستمر في بناء المساكن. أما عن مدينة القنيطرة وقرية سيدي علال التازي ودوار الشريبلات، أي أن هذه الأماكن لا تعيش العزلة، حيث يربطها طريق واحد وهو الطريق الوطنية الرئيسية الرقم ، كما يربطها نهر سبو وبالتالي فهي تعيش نفس الخصائص المناخية، وبهذا قد عرفنا الجوانب الجغرافية والديمغرافية التي يعرفها التي يعرفها مجتمع دوار الشريبلات أما الآن سنركز على الأسرة في بعدها التاريخي والاجتماعي والديني والاقتصادي والبيئي والسياسي والتفاعلي بين أفراد الأسرة في هذا المجتمع القروي. العامل التاريخي أو المراحل التي مرت بها الأسرة وهي : أن هذه الأسرة كانت تعيش على شكل أسرة كبيرة تتكون من جد وأب وأبناء ومتزوجين لهم أطفال وبهذا يكون لهما جدان وكانت تتواجد هذه الأسرة بشكل أدق ما بين 1920 و1930 حسب ما روي لي من طرف جدتي وبعض شيوخ الدواوير إلى حدود 1970 عرفت هذه ألأسرة نوع من التغيير خاصة مع احتدامها مع الأحداث التي يعرفها المغرب مع الاستعمار الذي قلبه مفاهيم الحياة والعادات التي كان يعرفها المجتمع المغربي مع الاستعمار الذي قلبه مفاهيم الحياة والعادات التي كان يعرفها المجتمع المغربي بشقيه الحضاري والقروي، المهم هو أن هذه الأسرة ستعرف نوع من استقلال بعض أفرادها في نمط العيش أي أن الجيل الرابع سيبني منزله ويتكون أسرته بعيدا عن سلطة الأسرة الكبيرة ومن هنا سنبدأ الإرهاصات الأولى لظهور الأسرة النووية الصغيرة التي تتكون من أب وأم وأطفال غير متزوجين ولكن ما بين 1980 إلى حدود 2006 ظهرت هذه الظاهرة أي تمرد الأبناء الأسرة الكبيرة على سلطتها وإعلانهم عن الأسرة النووية الصغيرة ولكن هذا التمرد يواجه بعنف رمزي وحتى عنف مادي في بعض الحالات وهذا التمرد أو الاستقلال كما يسميه الجد أو ألب أو الأم بمصطلحهم "الفراق" وكانت الأسرة الكبيرة تعرف نوع التضامن الاجتماعي مع الأسرة الأخرى داخل الدوار وكان يمثلون شكل عشيرة وغالبيتها يربطها رابطة الدم وأرض الجموع أو الجماعة رابطة العقيدة والدين وخاصة تظهر هذه الرابطة في الجامع أو المسجد حيث أن جميع هذه الأسر تخضع لشخص واحد يمثل سلطة في الدوار وهو الشيخ الذي كان يهابه الجميع والملاحظ أن هذه الأسرة هيمنت على فكر الفرد أو أن الجماعة تهيمن على الفرد وتوجهه حسب قيمتها أي بشكل أدق هناك تنشئة قمعية يعيشها الفرد داخل أسرته وعشيرته. حيث يجب على الابن أن يتحمل سلطة والده وعلى الوالد أن يتحمل سلطة والده على الجد أن يتحمل سلطة "النايب" و" شيخ " وبالتالي فالفرد هنا يدوب في الجماعة ويعيش تحت رحمتها وقبضتها وتوجهاتها. ولكن عند حلول 2000 بدأت الأسرة الكبيرة تتفكك بشكل كبير لأنها تخلصت من هيمنة الشيخ والعشيرة وفكرة أولاد الدوار أو "اجماعة" هنا اختل الميزان حيث ستتلاش هيمنة الجماعة والأسرة الكبيرة وسيظهر الفردانية والأنانية وتتلاش بذبك كل مظاهر التضامن والتعاون وسيحل محل هذه ال ظواهر الخوف من الآخر والكراهية للآخر. وستصبح الأسرة مختصرة على أسرة نووية صغيرة لها ثقافة خاصة ونظرة خاصة وفكر خاص عن الأسر داخل الدوار وتتنافس بثقافاتها ثقافة الأسرة الأخرى ولكن حقيقة الأمر أن هذه الأسر كلها أصبحت لها ثقافة واحدة وهي ثقافة المادة والعشق للمادة لأنهم يرون فيها من الحياة وهي قيمة الفرد والأسرة. أما عن الأسرة الحالية فإنها أسرة مفككة حيث أن أفرادها يعيشون أزمة نفسية حادة تجعلهم يحسون بالدونية والتهميش والحرمان العاطفي والفراغ الروحي والاعتقادي "اعتقاد موروث جد عن أب" ويظهر هذا التفكك من خلال فصل مجتمع الآباء عن مجتمع الأبناء وربما لهذا الفصل تولدت عنها تلك المظاهر ولكن تحدد هذه الظواهر وبشكل أدق يجب معرفة نوعية التربية والتنشئة التي يتلقاها الابن داخل هذه الأسرة فهي تربية قمعية وتهميشية وفي نفس الوقت تنشيئية. حيث أن الابن منذ طفولته تحمل مسؤولية العمل ، سواء رعي الغنم أو رعى الأبقار أو العمل في الحقول أو أعمال أخرى، أما عن الالتحاق بالمدرسة فهو يتأتى له ذلك ولكن يشجع لكي يواكب مراحلها ولا من يوجهه أو يعينه في فهم دروسه لأن أب الأسرة وأفرادها أميين أو عدم مساعدته من اجله، وبالتالي تصبح المدرسة في نظره هي مضيعة للوقت أو لأنها تظهر له ككائن عملاق يصعب فهم ملامحه أو أن يحس بالدونية والتهميش داخلها، ولهذا أغلب أثناء هذه الأسر ينفصلون نهائيا من التمدرس عن سن مبكرة وخاصة في الابتدائي والإعدادي، ولكي لا نذهب بعيدا نعود إلى التربية والتنشئة التي يتلقاه الطفل داخل أسرته حيث هذه التنشئة تعوده إلا على المسائل المادية المحضة وكذا تمنهجه على التفاعل معها، أما عن الجانب الروحي والعاطفي فهي لم تحرك بداخله أو تحسسه انه كائن بشري له عقل وقلب وروح، وهو أن والده حوله إلى آلة يستخدمها كيف يساء له ذلك أي أن هذا ألابن عندما كبر ونضج أدرك أن ما يجمعه مع أسرته غلا المائدة والمنزل والعمل فقط وهذه العوامل ولدت للابن كراهية مكبوتة اتجاه والده بحيث يحمله كل النتائج التي وصلها وعاشوها الابن ويتهم والده بأن جعله وسيلة من اجل أن يحصل على المادة والمال. ولم يراع لإنسانيته أي عامله كأنه رأسمال أما الأب فهو يتهم أبناءه بأنهم "مساخيط" أو عقوق الوالدين حيث يتصور انهم خدلوه وبأنهم جعلوه عرضه للسخرية الأسر الأخرى والمجتمع وبالتالي فالابن أصبح له تصور واحد هو انه ضحية وآله وسجين وأمي الاحساس بالدونية والبعد عن الحياة ومستجداتها ونلخص هذا كله في كلمة واحدة هي أنه يقول غني عاجز لا اعرف فعل أي شيء سوى استعمال جسمي من اجل خمول على النفوذ أما عن الأب فهو يطبق نفس التربية والتنشئة التي تلقاها عندما كان طفل فهو الآن يطبقها على ابنائه وعليهم أن يخضعوا لسلطته وأن يمشوا بإرادته أما عن الأم فهي تلعب دور الوسيط بين الابن والأب سواء في متطلبات وحاجاته كل من الأب والابن وخاصة الابن فالأم هنا تحاول ما أمكن الحفاظ على زوجته وفي نفس الوقت الحفاظ على سلطته هذا من جهة أما من جهة أخرى فهي تحاول ما أمكن أن تحفظ على تواجد فلدة كبدها فهي متأقد نطقها بصفة المنافقة وبالتالي ما ينتج عن هذه الأسرة لا النفاق والرياء حيث يظهر الابن أمام والده صورة الاحترام والخضوع وفي نفس الوقت فهو يكن له كراهية مكبوتة وتمرد. أما على المستوى الاقتصادي لهذه الأسر فهو يتمثل في الفلاحة بالدرجة الأولى وتربية المواشي، ولكن الفلاحة لهذا الدوار هي فلاحة تقليدية مدخولها ليس بكبير، حيث يعتمدون على زراعة (القمح والذرة وقصب السكر والشمندر والربيع، "كالفصة" للمواشي) وبالتالي فالأسر هنا تمتلك سوى ثلاثة هكتارات ونصف هكتار للأسرة التي ينتمي ربها للجماعة، أي ما نريد أن نعنيه هو أن هذه الأسرة لا تعرف استغلال الأرض، حيث يزرعون قصب السكر والشمندر بكثرة ولكن المعامل تستغلهم وتفرض عليهم ضرائب والديون تفوق مداخيلهم، وهذه الضرائب تتمثل في ضريبة قنوات الري والبدور والعلف، ولكن هذه الأسر تعرف أنها تستغل باستمرار، ومع ذلك تستمر في الزراعة (زراعة القصب والشمندر). أما عن الدخل الإجمالي السنوي لهذه الأسر يتراوح ما بين 10000 و 30000 درهم، ولكن هذه المداخيل ليس لكل السر، بل للأسرة التي كان محصولها السنوي جيد، أما داخل الأسر فإن الصراع الذي رأيناه بين الإبن والأب في تفاعلهما النفسي، سيتخذ شكلا آخر على المستوى الاقتصادي، حيث أن الأب هو الذي هو الذي يملك زمام الأمور والرأسمال، ولا يريد أبدا أن تتحسن أبدا وضعية ابنه المالية لأنه يخاف من ذلك، مخافة أن يستقل عنه أو يطلب (الفراق) أو يذهب إلى مكان آخر مثل المدينة، ولهذا يفكر في حل مضمون النتيجة، ألا وهو الحصار الاقتصادي الذي به يشل به حركة وإرادة ابنه ويصبح في يده ولا يتحرك إلا بإرادته وهنا نلمس السياسة التي يستعملها الأب، تتخذ شكل الآمر والمأمور أو الحاكم والمحكوم. أما عن الابن فهو دائما يجد نفسه في ضعف، وبان هناك يدا تحركه كما تشاء ولهذا يستغل كل الثغرات أو الغفلات التي تأتي من الأب، لكي يستغلها مثل سرقة أكياس الحبوب أو رأس من رؤوس الأغنام، أو سرقة المال نقدا أو بيع شيء صالح للبيع وذلك لكي يحس بقيمتها ولكي يظهرها على أقرانه بأنه يملك شيئا ماديا. أما الأم فهي تلعب نفس الدور السابق (الوسيط) ولن هنا تلعبه بشكل كبير، حيث إن الابن عندما يريد نقودا فهو يستعمل أمه كويسلة لجلب النقود من والده، لأنه يدرك أنها هي الوحيدة التي يمكن أن تهزم جبروت وبخل والده بطريقتها الخاصة التي تعتمد على المراوغة واللطف والتهديد بالتمنع عن زوجها بطريقة ضمنية وغير مباشرة ولا معلن عنها، أما متطلبات الأب التي في بعض الحالات لا يريد الإبن تنفيذها، فإنه يستعمل زوجته (الأم) كوسيلة لتكسير مقاومة الإبن، بطريقتها الخاصة والمغايرة عن الطريقة التي استعملتها مع زوجها، حيث أنها تتودد على ابنه- وابنها محتاج إلى هذا التودد والحنان- وتخبره بأن الحياة لن تكرمه إلا برضاء والده عليه كما تخبره بأن ابن فلان يطيع والده وابن فلان يفعل كذا، وابن فلان جلب لوالده كذا، ولهذا يجب ألا تجعلنا يا بني عرضة لضحك الناس وسخريتهم. ولكن عندما يصر على مقاومته تهدده بحرمانه من المأوى والطعام بشكل غير مصرح به، ولكن الإبن يحسه... وبهذا نستنتج إن هذه الأسرة شحيحة عاطفيا وروحيا وأخلاقيا وعاطفيا في تداولها أو الإحساس بها بغية التفاعل معها، فهي ذكية في حدود نشأتها وطبيعة تربيتها وطبيعة البيئة التي تعيش فيها وهي تعيش لشيء واحد ألا وهو المادة ولهذا سيطرت عليها ثقافة المادة، ولكن هذه الثقافة لم تولد إلا الصراع بين أفراد الأسرة والأنانية والفردانية وحب السلطة والهيمنة وكذلك حب التخلص من السلطة والهيمنة، وكان الاستعمار الذي عاشه المغرب أقصم خبثه في نفوس الآباء والأسر بثوراته جيلا بعد جيل، فالخطير من كل هذا هو أن الشباب أو الشباب الذي يمثل لنا عماد الدولة تراه في هذا الدوار كعين الشباب المغربي عاجز أو بالأحرى يرغمونه على تحمل العجز والخضوع !!! وكأن قوة تتآمر على الشباب ومن بينها الأسرة وتجعله يمرغ في وحل حرمانه وعجزه من جهة، وتدفعه إلى الاستهتار بالقيم والمبادئ ولجوئه إلى ثقافة المادة المجردة من كل قيمة تحرك فيه فكره وإرادته وطموحاته من أجل التغيير التي لا تناسب حياته وتحط من إنسانيته ،كجعله عبدا للمادة متلهفا للحصول عليها متناسيا في نفس الوقت هم الأمة من أجل إشباع حرمانه بالمادة. أي ما خلصنا إليه هو أن هذا الشاب يجب عليه أن يبقى دائما عاجزا أمام سيطرة والده، وعليه ألا يحاول المقاومة. أما العامل السياسي: فإن هذه الأسرة أي الأسرة بدوار "شريبلات" ليس لها وعي بالسياسة، ولكن ما تعرفه هو أن السياسة وسيلة من أجل تحسين العيش، أي يرى فيها سوى أنها ثروة كبيرة ونفوذ يطمح إليه كل شخص مدني، كما ترى فيه فيها خداع واستغلال ومع ذلك فهي تعشق من يستغلها وتحب دائما مساندة الأشخاص المرشحون في حملاتهم الانتخابية، وترى في المرشح الأمل في تحسين عيشهم. ولكن في السنوات الأخيرة، وخاصة الانتخابات البرلمانية لسنة 2007، كان هنا عزوف الانتخابات بحوالي 70%، ولكن في الانتخابات الجماعية الأمر مغاير تماما عن الانتخابات البرلمانية، حيث تصبح الأسرة مفككة ومنقسمة إلى شطرين، قسم من أنصار المرشح "فلان" وقسم من أنصار المرشح "فلان" وحتى الدوار يطاله هذا التقسيم وتسود المراوغات والدسائس والعداوات والترهيب والترغيب والمشاذات الكلامية، وحتى الجسدية، في بعض الأحيان، والرشاوي والترجي.. وفي الحقيقة تظهر رابطة الدم وكل واحد أو فريق يتجه إلى من يقربه دما بالرغم من أن المرشحين عندما ينجح أحدهم لا يفعل لمصلحة الدوار أي شيء، ودوره غائب تماما كرئيس جماعة، والغريب في هذا ما لاحظته في الانتخابات الأخيرة 2009 م، حيث رأيت أن واحدا من المرشحين استقطب إليه 50% من الشباب بطريقة ماكرة وخبيثة، لكي يصوتوا عليه ألا وهي شراؤه لهم الخمر من نوع الوسكي الرخيص الذي يشربه سوى الفئة الرديئة الذي لا يتجاوز ثمنه 30درهما وجميع الشباب الذين اشتراهم بقنينة خمر كانوا سعداء وعاشوا مع المرشح الذي شاركهم بدوره الخمر ليلة العمر وبسعادتهم أزعجوا الدوار ببلبلتهم وعربدتهم ومن تم وعدهم عن نجاحه سيحصلون على نفس الهدية ألا وهي الخمر، وكذا جلبه كما يسمى بالدارجة "الفراجة" أي جوق من الموسيقى الشعبية الذي تعرف في المغرب بهذا الإسم. والأغرب كذلك هو أن هذا المرشح نجح في الانتخابات، أما المرشح الآخر فإنه خاض انتخابات نزيهة ولم ينجح !!!. أما الأسرة فهي في هذه المناسبة تقسم أصواتها لكلا المرشحين أو تدعم مرشحا واحدا. وبهذا نستنتج أن السياسة بوجودها العام لا تريد الأسرة الخوض فيها، لأنها تعتقد إن خاضت فيها ستسحق أو بسجن أفرادها، وأنها قوة قهرية لا ترحم من يقول لها ماذا تفعلين. والشيء الذي ترى فيه جمرة تحرق يجب ألا يقترب أفراد الأسرة منها أو تفادي الأسباب التي تقود إليها وهو الدرك الملكي الذي يوجد مركزه في سيدي علال التازي، حيث يرون فيه السجن و"الهراوة" أو العنف والرشوة، أي امتصاص نفوذها عن طريق نزاع ما يقود بها إلى آخر المطاف إلى هذا المركز الذي تكره كل أسرة في هذا الدوار أن تقع فيه. أما عن العامل البيئي فإنني ألاحظ أن الأسر، أي المجتمع بشكل عام، يوجد في مجال بيئي يتوفر على هواء وأكسجين هائل ولكن المشكل هو أن هذه الأسر تلوث بيئتها بإلقاء فضلات المواشي أمم المنازل أو في الساحة الفارغة التي توجد أمام مدخل الدوار، وهذا يتسبب في تلويث الهواء وتذميم جمالية الدوار. عموما فعلم اجتماع الأسرة أو علم الاجتماع الأسري قد مر بمراحل مختلفة ومتباينة عبر التاريخ، فهي تارة أسرة بدائية لا تعي وجودها ولا وجود أفرادها مجتمعين كنظام واحد. كما جاء في النظرية التطورية التي اعتمدت الظن التاريخي والتخميني لمراحل الأسرة، التي جاءت أو تكونت عبر أشواط مختلفة إلى أن استقر بها الحال إلى الأسرة النووية في عصرنا الحالي، ولكنها اليوم تعرف عدة مشاكل وإكراهات وتعقيدات، تساهم في تغييب دورها كمؤسسة فاعلة في تربية وتنشئة الأجيال الصالحة والقادرة على الأخذ بزمام الأمور. والأسرة في المغرب تعيش هذا الإكراه كما رأينا من خلال دراستنا للأسرة القروية التي تجد بـ "دوار الشريبلات" التي قد نعدها عينة من الأسر القروية التي تعيش في المغرب، حيث لمسنا في هذه الأسر تفككا وصراعا ولامبالاة والعبث والضياع والحرمان والضعف والعجز والنفاق والهيمنة والخضوع، وتشييئ إنسانية الإنسان، والفردانية والأنانية والتعجرف والتكبر وبيع القيم والمبادئ والأعراض والكرامة بقنينة خمر، والتلاعب بمسؤولية التمثيل الجماعي في الانتخابات، وهذه دراسة متواضعة عن واقع الأسرة التي تعيش بجهة الغرب اشراردة بني احسن.
بقلم: الطالب حيبور عادل مسلك علم الاجتماع
#حيبور_عادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|