أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - تعقيب ملون بغربة لا تخطر على بال














المزيد.....

تعقيب ملون بغربة لا تخطر على بال


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 871 - 2004 / 6 / 21 - 08:42
المحور: الادب والفن
    


تعقيب على قصّة: "شعرت أنَّ الثلج يسقط"، للقاصّ السوري الحميم صبري رسول، المقيم في جدة

القاصّ العزيز الصديق الحميم صبري رسول، نصّكَ القصصي الرائع، يحمل يفاعة السرد ورحيق الأدب بعينه، سقط الثلج فوق روحينا وقلبينا، تنتظر الأم غربتنا وبيدها كمشة زبيب، كمشة حزن لا تفارق عينيها، دموع ساخنة تنزلق على وجنة الأحبّة، جوع متفاقم للعناق عناقنا، ونحن نتوه في بيادر العمر غير منتبهين إلى تراكمات أوجاع الحنين، حنين الأم وحنين المسافات وحنين الأخوّة وبكاء الآزقة، ثمة معادلات مجنونة تسربلني، تقمّطني بثياب غربة لا تخطر على بال، موتنا المعلّق فوق خشبة بوّابات المدائن، غريبة عنّي هذه الوجوه وهذه الطرقات والبحار وأرصفة القطارات، كم من الحنين حتّى هاجت البحار، تتقاطع خميلة سردكَ مع عوالم فرحي وشوقي وبكائي ودمعتي لأنّكَ ترعرعتَ في أزقتي وترعرعتُ في أزقتكَ ، أزقّتنا تبكي من شدة التشظّي، تشظّي أرواحنا على رصيف الغربة، ثمة إشتعالات حارقة لا يعادلها إشتعال، هي هذه الغربة المتفاقمة في نخاعنا، غرباء نحن في أوطاننا في إغترابنا، في سماء الكون، غرباء عن كينونتنا، عن نمونا، عن طفولتنا، أين أنتِ يا طفولتي المسربلة بأعشاب الحقول وأين هي باقات النرجس البرّي كي أنثرها فوق ضريح عمرنا، موتنا المؤجّل الذي نحمله فوق ضجرنا ومساحات شوقنا إلى صدر الأم الحنون، نموت ولا نحضن صدر أمهاتنا، نعبر دكنة الليل ونحن مقمّطين بتابوت يغلي بالدموع، تزلزلني صباحات غربتي بأشواك لا تطاق لكنّي مع هذا أواجه رعونة غربتي فأنا محاصر بكل أنواع الغربة، فلا وطني ولا أوطان الكون تستطيع ان تخفّف من سماكات غربتي المتفاقمة فوق ينابيع الروح، نحن موتى من طراز خاص، من طراز هذا الزمن الأرعن، هل صادفت في حياتكَ دمعة عشق تخرُّ على وجنة الروح، دمعة شوق تستوطن فوق قبة القلب، غصة حنان قُبيل ليلة العيد، وهل للأعياد نكهة أيام زمان؟ آهٍ يا صديقي لو تعلم كم من الحنين حتى تجمّدت شرايين الروح على أرصفة القطارات وبوّابات المدائن؟ أين أنتَ يا صديقي كي أعانقكَ عناقاً مفتوحاً مثل أنشودة الحياة ـ أنشودتي المفتوحة على جبهة الحلم؟ أنا يا صديقي دمعة حبٍّ مفتوحة على وجنة القمر، هل تعلم أنّني أحياناً كثيرة أنظر إلى نفسي في المرآة فأرى وجه أمّي، وجهي يتحوّل إلى وجه أمّي ، أريد أن أصبح أمّي كي أستطيع أن أعانقها رغم أنف البحار، رغم أنف إنشراخات مفاصل الروح كيف سنجد توازناً بين تجاعيد الحنين وإشتعالاتنا المندلعة في خميلة أحلام الأهل؟ هل أهلنا ما يزالون أهلنا أم أنّهم مرهونين أن يكونوا دموعا فائرة على قارعة الإنتظار، فلا يجدوا أمامهم سوى تساقط الثلج وإندلاع الدموع فوق قبّة الصباح؟ ثمّة تساؤلات حارقة تسطع على جبهة الحلم ولا إجابات شافية لإهتياجات ضراوة الحنين، أين سأخبّئ أوجاعي المتهاطلة على إيقاعات رذاذات الثلج؟ يقمِّطني الثلج، أنا المشلوح في قطب الشمال، يقمِّطني بعنف لكنّي لا أشعر بالبرودة ولا بالدفء ولا بنكهة الفصول، حاولتُ بمرارة معشوشبة بالحنظل أن أخرجَ خارج الزمان، خارج المكان، خارج البهجة ، خارج دكنة الليل، هل أنا شهقة حزنٍ متناثرة على جدار إشتعالات العشق، وهل للعشق مساحات في محطات كينونتنا؟ يغيظني أنني لا أحضن أحبتي في صباحات الربيع ومساءات الصيف الشفيفة وأين سأخبّيء ليالي الشتاء الطويلة ونحن ململمين حول دفء المدافئ، نسيم ديريك والقامشلي والشمال اللذيذ يعبر ليلي ويبدِّد شطراً من كآبتي، ماذا قلتُ: كآبتي! لقد فضحتُ نفسي بنفسي، ماذا سيقول عنّي طلابي وطالباتي؟! هذا الصابر الشفيف غائص في عوالم الكآبات؟ هل تصدِّق يا صديقي، أنني لا أشعر بالكآبة ولا بالحزن ولا بالشوق ولا بأية نكهة فرحٍ لأنني وضعت كينونتي فوق شهقة الحرف، فانا مشروع بكاء على قارعة هذا الزمان، لا أملك سوى قلمي وقلمي دائماً يوبِّخني، لا أنجو حتى من توبيخات قلمي، يشهر مشاكساته في وجهي فارتعش من شدّة الغيظ، غيظ القلم فأتصالح مع دمعتي ثم أهدّئ من روع إنشراخات القلم فلا أجد أبهى من أزقّتي تقمِّطني رغم ضجر المسافات وتلاطمات أمواج البحار، قصة عبورنا أنا وأنتَ في سماء الغربة، ألا تطرح مشكلة أعمق من كل أنواع البكاء، وأكثر موتاً من الموت، كم مرّة متنا، وكم مرّة حضر أهلنا جنازات خشونة الشوق؟ كيف سنجد توازناً بين مفاصل رعونة الرعد المتفاقم في بؤرة العنق وتعاريج لهفة الصباح، هل أنا مشروع كاتب أم أنني تفاصيل أوجاعٍ مترجرجة على هلالات الروح، كم من الدموع حتى تكاثف سديم البحار؟ يراودني أنَّ أسماكِ البحر أكثر سعادة منّاً فهي على الأقل تغوص في أعماق البحار ونحن نغوص في أعماق الغربة، غربة الإنسان مع أخيه الإنسان جريمة مفرزات العصر، زمنٌ معفّر بالإسفلت، بالقير، زمنٌ تائه خلف السراب، تضمحلُّ مساحات وميض الفرح بين شهقات الكون ويتناسل فساد مخيف على وجنة الكثير من البشر، لماذا تتراخى أخلاقيات قرون من الزمان؟ أيها الإنسان: الى أين؟ إعوجاجٌ حتى النخاع، حتى أعماق الضجر، ثمة إنشراخ في رؤية الكثير من البشر تتوجه نحو ديمومة الغبار، كيف سنجلي كل سماكات الغبار من فوق جلد الصباح؟ أريد أن اتوحّد من وهج النجوم مع ضياء الشفق، لماذا لا يتعلّم الإنسان أنشودة المحبّة من تغريد البلابل، غريبٌ أنتَ أيها الإنسان على وجه الأرض؟ هل تعلم يا صديقي أنني لا أخشى موتي، فانا ميتٌ منذ أن ولدت، منذ أن شقَّ زعيقي خيوط الشفق، منذ عبوري تجاعيد صدر الكون، لا تقلق يا صديقي فالإنسان يبدو أمامي مشروعاً فاشلاً فوق هضاب الكون، إنه يحتاج ألف قرنٍ وقرنٍ كي يصل إلى إيقاعات هديل الحمام!
قبلتان!
على وجنة الروح قبلة
وعلى شواطئ الروح أخرى!



صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 389 ـ 390
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 387 ـ 388
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 385 ـ 386
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 383 ـ 384
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 381 ـ 382
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 379 ـ 380
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 377 ـ 378
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 375 ـ 376
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 373 ـ 374
- أنشودة الحياة 4 ص 371 ـ 372
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 369 ـ 370
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 367 ـ 368
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 365 ـ 366
- تساؤلات مفتوحة للأديب المبدع سليم بركات
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 363 ـ 364
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 361 ـ 362
- تعقيب على نصّ -عشيقي- للشاعرة اللبنانيّة جمانة حدّاد
- تعليق حــول قصّة: - غسيل الروح - لـ السيد حافظ
- رسالة مفتوحة إلى سوسنة منبعثة من وهج الإشتعال
- أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 359 ـ 360


المزيد.....




- من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم ...
- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - تعقيب ملون بغربة لا تخطر على بال