|
في الشكل الشعري.. في الأنوثة والذكورة ...مناقشة لبعض آراء سهام عباوي
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 2870 - 2009 / 12 / 27 - 19:13
المحور:
الادب والفن
العزيزة سهام عباوي.. نظرا لكوني أعتز كثيرا بتجربتك الشعرية ومواقفك الشجاعة الصارمة وسلوكك الحضاري المميز وإصرارك المتواصل على تكوين ذاتك ثقافيا بما يتماشى والعصر .. نظرا لكل ذلك وغيره، أجد نفسي ملزما بمناقشة ما جاء في ردك على تعليقي على نصك الشعري ( وشم الحور) ، حيث كان ردك (لذا؛ فأنا ومنذ زمن أود أن يكون للشعر هذه السلطة.. أريد أن نؤسس لقصيدة تكتب نفسها.. قصيدة مجنونة بالوزن وغير الوزن كما هو ظاهر في الكثير مما أكتب.. أود لو تكون القصيدة جزء من حر ومن تفعيلة ومن نثري يمسك بالخيط الفضي ذاته.. فلتكتب كما أوحى لك الشعر.. بحسب الدفقة الشعرية .. إنه التزام اللا التزام .. هذا هو الشعر الحر كما أراه ... فهل يحقّ لي القول للأمانة فقط.. أنّي لم أكن أفكر بكل ما قلت ولم أكن أعاني من سلطة ذكورية لأنني أعلم من أكون.. هل يحق لي أن أقول لك أن القصيدة فلسفية إلى أبعد حد.. تناقش سرا بيني وبين امرأة أخرى تظهر لي أمام المرآة وتختفي.. من بين "عقدي" أنني أعتقد حد العقيدة أن داخل كل منا جنسه وغيره.. فالمرأة تضجّ فيها أخرى وربما كثيرات إضافة لرجل عميق المخبأ.. وقل الأمر ذاته بالنسبة للجنس الآخر.. وفقط.. هذا ما أردت التّعبير عنه.. وإن قصّرت.. فالقصيدة تستحق أن ترمى بعيدا عني..)1 وسأجمل مناقشتي في النقطتين الأساسيتين اللتين كانتا مدار اعتراضك وهما: 1- الشكل الشعري: هل الشكل الشعري وعاء فارغ بريء وحيادي يملأه الشاعر كما يريد وبما يريد كما بدا في ردك؟ شخصيا أعتقد ـ وربما جازما ـ أن الشكل الشعري بنية ذات حمولة نفسية وذهنية واجتماعية وسياسية وبيئية، وإيدولوجية حتى ( خاصة في راهن اليوم )..ولعل المتأمل في شعر هذا الراهن يدرك أن شعر الاستهلاك أكثر ارتباطا بالشعر العمودي ، حيث نجد الانحياز للثقافة الأصولية فكرا وسلوكا ، وحيث نجد مدح السلطان وخدمته.. وهو ما يجعلني أقول ـ وإن اعتبرت ذلك تطرفا مني ـ بأن هذا الشكل العمودي هو شكل مجتمع القطيع بامتاز.. فيما يتمثل شعر الانتهاك ( والاستهلاك والانتهاك من المصطلحات الأدونيسية) في الشعر النثري خاصة ، فيما يتراوح شعر التفعيلة بين بين، وأتحدث هنا عن التجارب الشعرية الصادقة لا تلك المتكلفة.. ولن أضيف جديدا إذا قلت بأن تواجد الأشكال الشعرية الثلاثة جنبا إلى جنب في هذا الحاضر العربي ماهو إلا انعكاس لبنيتنا الاجتماعة والثقافية والسياسية التي تتميز بالكثير من التداخل والفوضى ، حيث الارتباط الكثيف بالماضي وفي نفس الوقت التطلع الحلمي ( غير الفاعل) إلى ما عند الآخر/ الغرب أساسا ، وربما تشهيه ،لدى فئات اجتماعية كثيرة ، من جهة، والارتباط لدى فئات أخرى بذلك الآخر ، من جهة ثانية ، والتراوح بن الطرفين لدى فئات ثالثة تتميز بالتذبذب والعجز عن تبني موقف محدد لها ، من جهة ثالثة.. ولن أضيف جديدا أيضا إذا قلت بأن الشكل العمودي بكل أسسه ومكوناته لم يعد قادرا بالمرة على تجاوز تجربة الجواهري العراقي والبردوني اليمني ، وأن كل محاولات اليوم هي اجترار ممجوج لهما أكثر ، ليس إلا .. ولعل العودة المكثفة إلى العمودي في عقودنا الأخيرة لدى بعض شعرائنا العرب ، ولجوء الكثير من شعرائنا الجدد إليه ما هو إلا الدليل القاطع على انتكاس أحلام أمتنا بعد الهزيمة النكراء التي عرفتها حركاتنا التحررية الوطنية سياسيا واجتماعيا وثقافيا وحتى أخلاقيا،من جهة وهيمنة القوى الأصولية التي ملأت الفراغ الذي نتج عن الفشل الذريع لتلك الحركات التحررية ، من جهة أخرى ..والمتأمل في التجربة الشعرية العمودية في جزائرنا يعرف أن أبرز ممثليها هم عبد الله عيسى لحيلح وعز الدين ميهوبي ومصطفى محمد الغماري ( الغائب منذ زمن بعيد) ، ويعرف أيضا أين يتموقع هؤلاء الشعراء سياسيا وإيديولوجيا .. فيما يلاحظ الكثير من التطور في تجربة شعر النثر لدى أبرز كتابه الصادقين أمثال نزيه أبو عفش في سوريا وسيف الرحبي في سلطنة عمان وأمجد ناصر الأردني المقيم في لندن ، وغيرهم كثير في مشرقنا العربي.. وفي تجربة حكيم ميلود ونوارة لحرش وكنزة مباركي ، مثلا، وتجربتك أنت أيضا ( سهام عباوي) في الجزائر.. دون أن ننسى تلك الفتوحات الفنية والفكرية الإنسانية التي قامت بها تجربة قصيدة التفعيلة لدى أدونيس ومحمود درويش في قصائده الأخيرة قبل رحيله، وما تزال تقوم بها كما هو الحال لدى الشاعرين اللبنانيين الكبيرين محمد علي شمس الدين وشوقي بزيع وزميلهما الغائب منذ مدة طويلة أيضا حسن عبد الله ، وكما هو الحال أيضا لدى شاعرنا الكبير عثمان لوصيف في الجزائر.. 2- الذكورة والأنوثة: عنوان نصك ( وشم الحور) ، الوشم بصيغة المفرد النكرة المعرف بالإضافة ، والحور بصيغة الجمع .. ماذا يعني ذلك؟ تحيل كلمة الوشم عادة إلى ذلك الرسم المنقوش الذي يكون على وجه المرأة ( هويتها الخاصة) أو على زندها ( فاعليتها) ، وهو الرسم الذي تبقى آثاره بارزة في معظم الحالات حتى لو تم محوه.. وهو ما يفرض السؤال: ما هو هذا الوشم الذي تعنيه القصيدة؟..و.. بالرجوع إلى القصيدة وتأمل مناخاتها يمكن القول بأنه حالة اجتماعية ونفسية ترسبت بشكل تراكمي جعل النساء تعانين من تبعاتها كثيرا.. كثيرا.. أقول النساء لأن الكلمة الأخرى من العنوان ( الحور) تحيل إلى ذلك .. ومن هنا طرح السؤال الآخر: ما الحور؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال نقول بأن الكلمة بقدر ما تحيل إلى النساء ( نساء دنيانا طبعا) تحيل إلى حوريات الجنة ، وإلا كان العنوان وشم النساء .. وإذا كنا نعرف أن حوريات الجنة خاصات بالرجال الذين يدخلونها ( الجنة) ، فإن السؤال الذي يفرض نفسه: وما نصيب النساء اللواتي يدخلنها؟ وطبعا تعرفين السؤال الآخر الذي لن أطرحه هنا لأسباب تعرفينها ، والذي يرتبط بسؤال آخر محتواه: لماذا يتمنى الناس في واقعنا حوريات الجنة فيما هم يتعاملون مع المرأة في هذا الواقع الدنيوي بالكثير من التحامل عليها إلى الحد الذي يجعلها في موقف المتهم دوما ، بل وينظرون إليها في معظم الحالات ككائن جنسي في الأساس ، لا ككائن إنساني يستحق الاحترام قبل كل شيء ( لا أعمم طبعا) ، ويحمِّلونها في الغالب وحدها مسؤولية ما تتعرض له من أذى، ويعملون من ثمة على الضغط عليها أكثر بوسائل مختلفة أبرزها فرض تشابه القطيع ، خاصة وأن شارعنا الاجتماعي قد تأوصل ( من الأصولية) بشكل مفرط فكرا وسلوكا وتصورات ومواقف في سنواته الأخيرة .. ومن هنا أقول بأن قراءتي السابقة التي كانت تعليقا على نصك لا تعني بالمرة امرأة محددة ، بل هي تعني وضعا اجتماعيا وحالة نفسية تعيشهما المرأة في عالمنا العربي .. وأعتقد أن تعبيرك حتى وإن كان منطلقا من تخيلك امرأة أخرى تخاطبينها ، فإن تلك المرأة المتخيلة هي في النهاية أنت والأخريات معك في هذا الواقع الذي أتحدث عنه .. ومن هنا أيضا أقول بأن حديثك ذاك يعكس بشكل أو بآخر شجاعتك قبل كل شيء .. وهي ميزة تحسب لك لا عليك .. وشخصيا أعرف مدى شجاعتك ،وقد رأيت هذا أكثر من مرة في تدخلاتك في مختلف الندوات والأمسيات التي حضرناها معا .. ختاما أقول: ليس العيب في أن نعاني من هذا الواقع المتردي الذي يعمل على جرنا كأفراد إلى حالة القطيع، بل أكاد أجزم أن تلك المعاناة هي الدليل الحي على أننا ما نزال أحياء.. إنما العيب الحقيقي هو أن نستكين نفسيا ونخضع ذهنيا ونندمج أكثر في عالم القطيع ذاك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- نشر نص الشاعرة وشم الحور في موقع أصوات الشمال
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليس في القبو سواه
-
كيف نسي الكرز؟
-
ردا على مختار ملساوي.. نعم، السلطة تتحمل المسؤولية أكثر..
-
إضعاف مستوى التعليم في الجزائر..كيف تم؟ ولصالح من؟
-
ما صار.. ما سيصير
-
إسلام الواقع تحدده المصالح
-
شبر الخفارين
-
الشجاع الأقرع في انتظاركم يا تاركي الصلاة
-
شهوات
-
رسالة مفتوحة إلى مسؤولي التربيةب (أُذُن مكاننا)
-
ناقة قديشة
-
المنتظمات الديكتاتورية أفقدتنا تذوق طعم الحياة
-
أكواخ وولائم
-
عبيد وجوارٍ
-
مقابر عربية
-
غيم لأعشاب الجفاف
-
لماذا لا يهدي الله المسلمين الطريق المستقيم؟
-
متى تصير القراءة ركنا إسلاميا..؟
-
نفس الطريق أيضا ..؟
-
تمرّين ..وهذا دمي
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|