محمد الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2868 - 2009 / 12 / 25 - 03:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اختتم إعلاميّ شهير برنامجه في قناة فضائية عربية أشهر بخطأ مقصود على الأرجح؛ من أن سويسرا منعت بناء الجوامع. أكرر منعت بناء الجوامع. والأصح هو أنها منعت بناء المآذن كما هو معروف.
ليس من شيء أشد ضرراً للمسلمين المقيمين في أوربا من متلازمة التطرف في الخطاب، وتلك اللهجة التعبوية التي لا ترى في الغرب إلا عدواً. تصوروا أناساً آمنهم الغرب من بعد خوف، أو من بعد حاجة، ووفر لهم الإقامة ووسائل العيش، فيكون جزاءُه الحديثً، دون رمشة من حياء، عن أولاد القردة والخنازير فضلا عن نسف القطارات والأنفاق و... والأنكى أن عدداً لا يستهان به من مسلمي أوربا يعيش على صندوق الضمان الاجتماعي، أي أنهم يعيشون بالمعنى الحرفي "عالة" على دافع الضرائب. إن مجرد الحصول على الفيزا ودخول بلد أوربي، أو أي بلد على الإطلاق؛ هو بمثابة عقد وعهد. عقد بأنكَ قبلتَ الخضوع لقوانين البلد وعلى البلد المعني أن يحميك ويرعاك وفق قوانينه. فما هو التقييم الأخلاقي والقانوني لناكث العهد وناقض العقد يا ترى! على الإسلاميين أن يجيبوا.
يجب أن يكون واضحاً أننا عندما نتكلم عن الإسلاميين وخطاب الإسلاميين، لا نقصد الإسلام كدين. فالدين الإسلامي مثله مثل الأديان الأخرى، يمكن للمرء أن يجد فيه نصوصا ونصوصاً، هي في أكثرها نصوص محبة وتسامح وتدابير حياة. السلبي والمقصود هو خطاب الإسلاميين، أي مستخدمي الدين في السياسة، الذين لا يوفرون فرصة إلا ويحشرون الدين فيها. هؤلاء الذين يعلنون أنهم يريدون أسلمة أوربة باسم الهداية. هؤلاء الذين يستغلون الليبرالية والديمقراطية الأوربية فيعبرون عن أراء متطرفة لا تفيد إلا في تغذية اليمين الأوربي.
بالمناسبة للمرء، إذا ما نظر في برامج وتصريحات الساسة الأوربيين المنتمين لليمين، أن يكتشف بوضوح مدى التحالف الموضوعي والتناغم ولزوم الواحد لللآخر. نعني الإسلاميين واليمين الأوربي. إنهم "أعدقاء" الضرورة الذين يتنفسون من الهواء الفاسد ذاته، ويحملون ذات الصفات من نفاق وجوانية في الضعف، واستئساد وعنف متنوع عندما يستشعرون القوة. الاثنان يمتحان ردودهما من منطقة الغرائز في الدماغ الإنساني. يكفي أن ترى إسلامويا يخطب أو يعطي مقابلة في فضائية، لترى زبداً في زوايا الفم، وصوتا عاليا على الأرجح، وغضباً، وعنفاً خطابياً، والأدهى فواتاً عقلياً كما لو أن الدنيا توقفت عند السقيفة، أو عند الغدير، أو حتى عند حملة ريتشارد قلب الأسد. مثله تجد اليميني الأوربي على طريقته طبعاً، يخوّف من شبح إسلامي يتجول في أوربا، ويقتنص رمزاً إسلاميا مغايراً ليشبع الجمهور الآوربي بالخطر الداهم، حتى لو كانت المغايرة مجرد فتاة محجبة رغبتْ في دخول سلك الشرطة النرويجية، فانتبهي يا أوربا! يصرخ اليمنيّ. وانتبهو واصحوا يا مسلمين! يصرخ الإسلاميّ. هذا ما حدث هنا في "النرويج" فعلاً. وفي النرويج أيضا الملا "كريكار" لا فض فوه والذي رشّح مؤخراً وفي مقابلة في فضائية عربية أخرى أسامة بن لادن، أو الظواهري، أو حكمتيار لخلافة المسلمين.
إذن لماذا الاحتجاج على منع بناء المآذن وهي طارئة على العمارة الإسلامية في طورها الأول، في الحين الذي يُعاق فيه بناءُ الكنائس في أكبر البلاد الإسلامية، وتمنع في غير بلد منعاً باتاً؟ لماذا هذا الفصام؟ كي لا نقول شيئاً عن بناء كنيست يهودي! أليست الحجة عند إسلاميينا هي حرية الأديان؟هنا نطالب بالديمقراطية وحرية الأديان. وهو حق لا مراء فيه. ونسكت عن هناك، عندنا! أليس هذا هو النفاق والكذب. ولو أن المحتجين ينتبهون لمضمون خطابهم لأدركوا أنهم يقرون بأن أوربا تنعم بحرية أديان، ويقرون أيضاً أن لا حرية أديان عندنا هناك في بلاد المسلمين السعيدة. نريد القول أن أنجح نقد وأنجح احتجاج هو الذي يبدأ في تمحيص ونقد ما أنتمي إليه أنا ومن ثم الذهاب إلى ما ينتمي إليه الآخرون، طبعاً عندما نتناول الموضوع ذاته، أي عندما نتناول موضوعاً عاماً أو مشتركاً كحرية الأديان والاعتقاد.
الاثنان اليميني الأوربي والإسلامي يحتاجان بعضهما، إنهما يتغذيان من بعضهما. تصوروا معي المشهد الواقعي التالي: شاطئ اسكندنافي في تموز. الناس في ملابس السباحة، بلا مبالغة من ابن السنة ونصف إلى ابن أو ابنة التسعين. أُعُيد: التسعين. رجالاً ونساء. ولا من يبصبص أو يتلصص. هي نظرة واحدة، وخلاص. بين الجمْع هذا تظهر عائلتان مسلمتان. المرأتان محجبتان. إحداهما منقّبة. حتى العينان لا تظهران. البنات الصغيرات محجبات. إحداهن لا تزيد عن الثلاث سنوات. الذكور من الأولاد والرجلان نزلا الماء بلباس بحر عادي. ثم نزلت المرأتان إلى الماء بكامل لباسهما دون تخفف. فما كان من الناس إلا أن أفسحوا لا إرادياً لهما كما لو أنهم يبتعدون عن خطر ما. ولْنتخيل ما ذا سيكون فيما بعد حديث العائلتين، وبالأخص الرجلين، عن هذه الرحلة وعن فساد وعهر المجتمع الأوربي. وما الذي سيكونه حديث اليميني الأوربي الذي أشرق وجهه كما لو أنه فاز في الانتخابات، حيث راح يسألنا بتلذذ نحن الشرقيين الآخرين عن رأينا فيما نراه.
صحيح تماماً أن هناك صراعاً ومشاكل عويصة ومتصلة بين الغرب والعالم الإسلامي، كثيراً ما كان الغرب فيها في موقع القوي الظالم. حل هذه المشاكل لن يتم بمثل ما يجري الآن. ولا ينبغي أن يحمّل المسلم الأوربي عبء خيانة البلد الذي يعيش فيه من أجل أحلام الإسلاميين في الخلافة والحجاب، ولا بالطبع ذوبانه النهائي في المجتمع من أجل إرضاء اليمين الأوربي والظهور بمظهر المتأورب دون أصالة شخصية.
بالتأكيد ما يحتاجه المسلم الأوربي هو العمل، والعلم، والتأهيل، وإيجاد حد أدنى للتفاهم في العمل والشارع والحي، أي ما يشكل القاسم المشترك بينه وبين أصحاب البلاد الأصليين. وليس أبداً الخطاب الذي لا ينتهي عن الحجاب وعن عهر الأوربيات، وعن الشريعة وتطبيقها، وعن من هو المسلم الصحيح.... إنه قلب للمسألة. وما يساعد على قلب المفاهيم هذا أن تحرض فضائيات عربية المواطنين المسلمين الأوربيين على كره أوطانهم الجديدة، وعلى أن يتعلموا النفاق والكذب والغش والعنف. لأنهم بكرههم أوطانهم الجديدة هذه يقعون تحت خطأ أخلاقي وقانوني، يضطرون إلى إخفائه وإظهار عكسه، وإلا حُوسبوا. إنه تعليم وتعليب الكذب والتدليس ولا اسمَ آخر.
#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟