|
من قال بأن الغول مات!
خيري حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 2866 - 2009 / 12 / 23 - 22:17
المحور:
الادب والفن
- يا ابني لا تذهب إلى التلّ، كلّ من تجرّأ للذهاب إلى هناك اختفى ولم يعد حتى يومنا هذا، هل تفهم ما أقوله لك! كانت فاطمة على وشك البكاء وهي ترجو ابنها بعدم المضيّ إلى الموت بمحض إرادته ودون أيّة ضرورة لذلك! لكن نبيل كان يطيل النظر إلى التلّ بنظرة متحدّية، كان مصرًّا على قهر الغول القاطن هناك حتى وإن كان يعني هذا موته لا محالة. - لا تقلقي يا أمّي لن أخاطر بحياتي أبدًّا. أنا لست مجنونًا! لن أذهب لمقارعة التلّ.
في صباح أحد الأيام لبس نبيل ملابس خفيفة ووضع على رأسه شاله المفضّل مخفيا معالم وجهه، وكان حدّ الخنجر الذي يضغط عليه بين أصابعه قادرًا على قصّ الحجر، أمّا عيناه فكانتا على وشك أن تقفزا من محجريهما توجّسًا من المجهول القابع ليس بعيدًا عن نواحي القرية. كان مصمّمًا على مقارعة الغول مهما حدث، وكان مؤمنًا بأن الوقت قد حان للانتصار على ذلك الوحش الذي روّع كبار القرية قبل صغارها.
انحنى خلف صخرة كانت تعتبر الحدّ الفاصل النفسي ما بين منطقة الخطر الشديد والتي كانت تعني الموت وما بين حدود القرية الآمنة. كان نبيل يتوقّع أن يفاجئه الغول ويهاجمه ويقضي عليه بضربة عاجلة، لكن الصمت كان يخيّم على المكان! تقدّم للأمام قليلاً وبدا أكثر جرأة من ذي قبل. تُرى، ما سرّ الصرخات والعويل الذي كان ينطلق من هذا المكان كلّما تجرّأ رجلٌ لاقتحامه؟ أخيرًا صرخ نبيل بملء صوته وهاجم المكان ملوّحًا بخنجره الحادّ يمينًا ويسارًا! ولكن، لا شيء .. مجرّد أرض جرداء وصخور متراكمة وأعشاب بالكاد تلامس الأرض. نظر نحو اليمين ونحو اليسار متعجّبًا، لا بدّ أنّ الغول قد اختفى في إحدى الزوايا! لا شيء سوى مغارة صغيرة بالكاد تتسع لكيانٍ متواضع الحجم. رفع نبيل خنجره عاليًا ودوّى صوته عاليًا مجلجلاً: - أبو الموت يا غول! كاد أن يدق خنجره في جسد راقد داخل المغارة، لكن الآخر صاح فزعًا: على مهلك يا مجنون! أنت دائمًا همجيّ وغريب الأطوار يا نبيل! - هل عرفتني يا غول؟ - أيّ غول يا أهبل! أنا أبو عدنان. - أبو عدنان اللحّام! قالوا بأن الغول خطفك وأكلك! ضحك أبو عدنان طويلاً ثمّ قال بمرح واضح: كانت هذه أفضل طريقة للهرب من أمّ عدنان. هذه المرأة أصابتني بالجنون، وجميع الذين حضروا إلى هنا عذروني وتركوني وشأني. - ولكن يا أبا عدنان لم يعد أحد منهم إلى القرية! - ثلاثة هم الذين اختفوا يا نبيل. ثلاثة فقط! الأول فضل الهرب من زوجته هو الآخر وغاب خلف التلال، خدمته الأسطورة، اقتنع أهل القرية بأنّ الغول غدر به وقضى عليه. الثاني كان يتمنى الانعتاق من هذا المجتمع يا ابني، فاختفى خلف التلال مهاجرًا. والثالث هو رفيقك سامي، حاول والده أن يجبره على الزواج من ابنة عمّه، فهرب وترك الغول يهتمّ بما تبقّى من الحكاية. كما ترى، الموت نعمة يا نبيل. فكّر نبيل مطوّلاً وسأل أبا عدنان: أنت قضيت سنوات طويلة في هذه المغارة، كما خدمتك الأسطورة للتوحّد والهرب من مخاوفك. أليس كذلك؟ - وللهرب من أم عدنان أيضًا. - أم عدنان ماتت قبل بضعة أشهر يا رجل، لم يعد هناك ما تخشاه، أعتقد بأنّ الوقت قد حان لإنهاء هذه الأسطورة يا أبا عدنان. - ماذا تقصد يا نبيل؟ - عليك التنفيذ إذا أردت أن تبقى على قيد الحياة. هل هذا واضح. نظر نبيل لأبي عدنان مهدّدًا لكنّ الأخير غضّ نظره خوفًا وانصاع لأوامر الفتى بعد أن اطمأن لموت المرأة التي قضّت مضجعه لسنين طويلة. عاد نبيل وأبو عدنان إلى القرية، وسرعان ما انتشرت الحكاية كالنار في الهشيم. نبيل قضى على الغول، عاجله بضربة من خنجره أردته قتيلاً في الحال. لمع نجم نبيل عاليًا، وأخذ يؤلف ويحيك القصص عن قتاله المحموم مع الغول، قال بأنّه تمكن من تحرير أبي عدنان بعد جهدٍ جهيد. وبدوره كان أبو عدنان يعيد ما يقوله ويدّعيه نبيل الذي أصبح خلال وقت قصير أسطورة على كلّ لسان. أخذ نبيل يتلقّى الهدايا وقصده الأمراء والنبلاء وعليّة القوم. وسرعان ما خطب نبيل ابنة الآمر وحصل على أراضٍ شاسعة وسميت أحياء باسمه. يبدو بأنّ الناس يطيب لهم أن يبقوا مخدّرين، لكي تبقى الأساطير حيّة في نفوسهم. تناقلت الأجيال أسطورة نبيل الإقطاعيّ الشجاع المقدام الحكيم المتنفذ والمقرّب من أصحاب القرار. ولكن الغريب في هذه الحكاية، أنّه لم يخطر ببال أحد أن يسأل نبيل يومًا ماذا فعل بجثة الغول أو كيف اختفت!
#خيري_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزنابق والأعناق المكسورة
-
أحلامٌ في مهبّ الريح
-
كلوشار
-
صفعات
-
الشاعر البلغاري بيتكو براتينوف
-
مائدة في رابعة الزمان
-
ليس من عادتي البكاء
-
رشاد أبو شاور – عاشق مسافر
-
الرحلة رقم (001) الحلقة الثانية
-
الرحلة رقم 001
-
العرب يحسنون الخسارة
-
ملك الغجر
-
لا شيء سوى الجنس!
-
جدوى خطّة سلام الدكتور أفنان القاسم
-
ما بعد الأبديّة بفرسخ
-
تلك المرأة
-
قلبٌ واحدٌ لا يكفي
-
علي والكفّ
-
الصحراءُ وأنتِ!
-
القلم المكسور
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|