نضال الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 2863 - 2009 / 12 / 20 - 19:35
المحور:
الادب والفن
صباح الخير يا أمي، صباح الخير يا حاجة،
بالأمس حللت عقدة البقجة وفتحتها أبحث فيها عن الذكريات، فوجدت نفسي طفلا صغيرا جالسا على عتبة شرفة بيتنا وأنت تجلسين بجانبي، وتحكي لي حكاية " يا حاجة ويا باجة ويا قرصا من العجة" وتكركريني وأنا أضحك ضحكة السرور الطفولي والبهجة، وسمعت صوت والدي وهو يغني في الحمام فترتج لصوته الجدران ويجاريه في الغناء بعض من أهل الجيران.
بالأمس يا أمي فتحت صندوق الأحلام، أبحث فيه عن أخبار سالف الأيام، فوجدت نفسي طفلا صغيرا في سريري وأنت ترشين الغفا في عيوني وتذبحين لي زوجا من الحمام وتقولين: " يا حمامة لا تخافيش، أنا بكذب على عيون إبني حتى تنام". وأغمض العينين وأحلم بسروال جديد وحذاء وحزام وبحصان له جنحان يحملني بعيدا إلى عالم يعمه الحب والسلام.
ومرت الأيام يا أمي ورحلت أبحث عن حلمي في العالم الأشقر، حاملا في حقائبي ذكريات الشاي بالنعناع والخبز المغمس بالزيت والزعتر، ورائحة الليمون والياسمين والعنبر، وصوت الأذان في الصباح ينادي " الله أكبر". أخذت معي صور لك ولوالدي وأخوتي وأخواتي ومفاتيح البيت الثلاثة للبيت والحديقة والمعبر.
ومرت الأيام يا أمي وكبرت، حتى صرت شيخا هرما أشيب الشعر، مثقل بالهموم محني الظهر، أبحث عن حلم سرق مني في غفوة ظهر. بحثت عنه فما وجدته فسمعت صوتك يناديني:" عد يا بني فلقد هدني الشوق إليك وما عدت بقادرة على الصبر".
بحثت عن الطريق إليك فلم أجدها، بحثت عن جسر العودة أو معبر، فوجدتها مغلقة في وجهي، مهجورة حتى ضاع فيها الأثر، فترقرق الدمع في عيناي حزنا وبقيت عالقا على عتبات الحلم لا أدري أين المفر، وصرخت عاليا آه يا أمي! آه يا أحبابي، لمذا تركتموني وما عاد منكم أحد يطرق بابي أو يبعث لي أي خبر.
رأيت من خلف الدموع أبنائي شامخين مثل جذوع الشجر، تظللني أوراقها، ومن بينها يشع على روحي نور القمر، وسمعت أحفادي ينادونني:" فق من حلمك يا جدنا فنحن هنا، نحضنك برموش عيوننا".
أفقت من حلمي وأغلقت صندوق الأحلام ووقفت أرقب ذرات المطر وهي تسقط على الأرض لتنبت الأزهار من أجل ربيع منتظر.
#نضال_الصالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟