أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيمون خوري - طرقت الباب ... ( حتى ) كل متني ..؟















المزيد.....

طرقت الباب ... ( حتى ) كل متني ..؟


سيمون خوري

الحوار المتمدن-العدد: 2852 - 2009 / 12 / 8 - 14:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لكل عصر لغته المعبرة عنه ، ولكل مهنة لغتها ، ولأن إستخدام الناس للغة يعكس طبيعة الأفكار المسيطرة . لذا غالباً ما تكون اللغة إما لغة واقعية تعكس هموم الحياة ، او لغة غيبية لا علاقة لها بالواقع . وهو الفرق بين كونها آداة إتصال بالواقع ، نتجت عن حركة إتصال مابين الواقع والفكر ، أو مجرد كلمات ليست ذات معنى واقعي . ربما شعري فنتازي . ورغم جمالية الشعر ، بيد أن هناك لغة أخرى أيضاً رمزية ، تحمل في طياتها عقلية المبالغة . وهي العقلية التي تكشف إنفصال اللغة عن عالمها المادي . وتعريها لتصبح لغة ليست ذات معنى . أو مجرد كلمات جوفاء . ربما تعكس في عقلية البعض معنى محدد ، بيد أنه معنى وهمي ، بالقياس الى الواقع .
فلو أنت قلت لمواطن بريطاني مثلاً أمة عربية خالدة ..؟ سيتوقف عند كلمة ( الخلود ) في البحث عن معناها . أو لقلت له إن النخوة تقتضي فعل كذا وكذا .. أيضاً سيصاب بالحيرة في تفسير معنى النخوة .. أو لو قلت أن إحدى الأيات المقدسة تبدأ بحرف ( ن ، والقلم وما يسطرون ) سيطالبك بتحديد معنى هذه ( ن ) . ورغم أنها لأصحابها غير معروفة . فكيف يمكن أن تكون مقبولة لمواطن ليست لغته . وربما في اللغات الأخرى هناك كلمات مشابهة مما لدينا . بيد أن ما لدينا يتميز عن الغير بصيغ المبالغة الفجاعية .
وقد نجد في الخطابات السياسية ، وفي تصريحات الحكام ووزارات الإعلام نماذج شتى لعبارات مكررة ، تصلح حتى لعصر الديناصور . ويمكن أن تقال في مناسبات العزاء كما هي في الأفراح . أو في عظات العقائد الدينية الكلاسيكية ، التي لم تتغير منذ العصور الحجرية . المقدمة معروفة كذلك الوسط ، والنهاية . حيث ستبدأ المباخر تفرز روائحها ، وفي مكان آخر تؤدى كافة التمارين الرياضية في الطقس الصلواتي .
وطالما أننا لازلنا في عقلية المبالغة ، ترى هل مطلوب محاكمة كلمة أو حرف الجر( حتى ) الذي جر معه كل العالم الشرق أوسطي وحوله الى جسد ميت في تابوت الدين . ربما ..؟
أكل السمكة ، حتى ذيلها .. شربت اللبن حتى إنتفخت ... ضربته .. حتى مسحت به الأرض .سمعنا قصصاً وبطولات ... حتى قرفنا . لعنا رب الإستعمار .. حتى قضينا عليه . صمت آذاننا الأدعية الدينية .. حتى كفرنا .
ومع ذلك حولنا كل هزائمنا الى إنتصارات خالدة في التاريخ . لن نعرج على القديم فقد ولى ، بل حتى الجديد كل الحكام ورجال الكهنوت كانوا ولا زالو نموذج ( لأحمد سعيد ) مذيع صوت العرب في الستينات . هزمنا إسرائيل في الوقت الذي هزمتنا .. هزمنا إسرائيل في الوقت الذي وقع فيه حزب الله إتفاقية إحترام وقف إطلاق النار . هزمنا إسرائيل في الوقت الذي إلتزمت فيه حماس بالمحافظة على الهدوء ومنع إطلاق الصواريخ . وقبل ذلك كان ( الصحاف ) صاحب العجول الذي تحول الى ضفدع .
ألم يقل مسيلمة بن حبي الذي إدعى النبوة وخاضت ضده قوات أبي بكر معارك عنيفة ( وحتى ) شرسة أسفرت عن مالايقل عن آلاف القتلى ، حسب مصادر التراث . ماذا قال مسيلمة :
ياضفادع كم تنقين ، أعلاك في الماء ، وأسفلك في الطين ، لا الماء تكدرين ، ولا الشارب تمنعين .
وعبد الناصر سنلقي اليهود في البحر ( حتى ) آخر يهودي ، وصدام ، سأقاتل حتى آخر عراقي حي ، و ... نماذج كثيرة من هذا القبيل . هناك أيضاً لغة المقابر ز فالمرء لا يلجأ الى الإله الإ عند الحاجة . ولأن الله يحب الأغنياء والفقراء يحبون الله ، فلا تجد في أماكن العبادة سوى الفقراء . فالغني والثروة ، رصيد شخصي ، والفقر منحة من السماء فهو مقسم الآرزاق . وجعلنا بعضكم فوق بعض طبقات . لذا من العبث النضال والكفاح لتحسين الحال , طالما أن هذه الحال من صنع المتسحال على المعرفة ، ولا تدركة الأبصار. وهو مكتوب فوق الجبين . ترى هل يمكن أن يقتنع مواطن أفريقي يعاني الجوع والمرض ، أن البلاء والمصيبة التي يعيشها هي من صنع إله غيبي ..؟ في الوقت الذي يوظف فيه الآخرون مليارات في أبنية إسمنتية قميئة لا علاقة لها بالطبيعة ، بل شوهت الطبيعة ؟، وأفقدتها جمالها . إنه مجتمع من الزهور الإصطناعية ، مجتمع قائم على زخرفة النص .
العالم الشرق أوسطي ، هو الأقرب والأكثر نموذجاً ووضوحاً في عقلية المبالغة التي أدت بهذا الشرق المسكين الى التضحية به كبش إسماعيل على مذبح كهنة العقائد الغيبية .
لنأخذ مثال ذلك في الشعر ، كقول الشاعر :
طرقت الباب حتى كل متني .. ولما كل متني .. كلمتني
أو قول المتنبي الخيل والبيداء تعرفني .. والقلم والقرطاس.....
في الحياة العامة غالباً ما نستخدم تعابير المبالغة والمفاضلة ، حتى في الشعارات السياسية
دائماً ندبج الأفكار الإستراتيجية الكبيرة ، في الوقت الذي تتضاءل فيه قدرتنا على صنع الأهداف الصغيرة. وعندما لا يتحقق الهدف الإستراتيجي ، تصاب الناس بحالة الإحباط والشعور بالعجز والوهن . بل وباليأس معاً ، ويستعاض عن الواقع بحالة إشباعية بديلة ، مفترضه في الخيال الفردي الذي جرى تغذيته بغذاء الوهم الديني . كنوع من التعويض عن عن بؤس الواقع المعاش . وتصبح العقيدة هي الملجأ ، واللجوء الى الخالق هو طوق النجاة من عالم غير قابل على التفاعل معه .
هنا تلعب المبالغة في الشعور الفردي والجمعي معاً . هنا يصبح المخيال طريق الهرب من المسؤلية في الأنخراط في الحياة ، ومواجهة الواقع بكل ما فيه .
في الستينات من القرن الماضي طرح الرئيس بورقيبة المتوفي ، فكرة حل الدولتين للمشكلة الفلسطينية . وحصد المسكين أوسمة ( العار ) من منظري الشعارات الإستراتيجية . قدم بورقيبة خطاباً سياسياً جديداً ، بلغة واقعية تقرأ المستقبل وليس الماضي .
في العام 1973 طرحت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين برنامج ( النقاط العشر ) قامت الدنيا و( حتى ) الأن لم تقعد . كان بدوره خطاباً سياسياً جديداً ، يفصل مابين الأماني وما يمكن تحقيقة . لأن المشكلة ليس في ما تريد ، بل في ما تستطيع فعله أو تحقيقة على الأرض . وبما أن السياسة تفرق بين التكتيك والإستراتجية فقد خلطنا الحابل بالنابل . على قاعدة المبالغة في طلب وطرح ما نريد . ربما أنستنا أن ( حتى ) هي المشكلة ربما هي الوجه المقابل لسيادة كلمة ( لو ) لو أننا قبلنا بعرض القرار 242 الدولي .. لكان الأن الوضع أفضل .. لكن الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي تبنى الفكرة تعرض بدورة لإطنان من جمل التخوين والأنهزامي ...الخ . أو مثل تلك التعبيرات التي لازالت سائدة ( منبطح ) ..؟
هناك عقلية لا تستمد أفكارها من الواقع بل من الماضي ، وهي عقلية التباهي والتفاخر الكاذبة ، عقلية الهروب الى الأمام . عقلية المبالغة في كل مناحي الحياة .
التخلص من أخطاء الماضي المتراكمة ، أو حسب تعبير ( فرنسيس بيكون ) أوثان العقل ، تتطلب إكتساب معرفة جديدة ، بأدوات جديدة تراعي العصر وحقائقه . وتجاوز هذه الحقائق أو القفز عنها ، عملياً يؤدي الى خفض مستوى المعرفة . عندها تسود صناعة العطف ، والتمنى ، والتعلق بأرجل الطير الأبابيل وطيور الجنة التي لبست الكوفية وهبطت لنجدة المؤمنين .
لنعود الى موضوع اللغة ، رغم أننا لم نخرج عن السياق العام ، و( حتى ) و ( لو ) قالوا خرجنا فنحن خير أمة أخرجت الى الناس ( حتى ) يقضي الله أمراً كان مفعولاً . وكان بالسر عليم .
اللغة ليست لمجرد التعبير ، عن أفكار تشكلت ، بل هي جزء لا يتجزأ من عملية التفكير . وتطوير مختلف مناحي الحياة يتطلب تطوير اللغة المستخدمة . فمن الصعب تطوير أفكار الناس دون تطوير لغتهم ، وطريقة إستخدامها . فالمعرفة تحتاج الى لغة ، واللغة تحتاج الى عقل ، والعقل بحاجة الى غذاء . فإذا كان غذاء العقل هو الوهم وعلم الغيب فإن الناتج هو وهماً غيبياً . لا يصنع ( إبرة وابور الكاز ) القديم . ( مستورد من بلاد بره ) فكيف بالتقنيات الحديثة . وليس موالاً لمخترع ( الهيييي ) شعبان عبد السواح . وياله من إختراع في عالم النهيق . مجرد رنين أجوف مثل كلمات الخلود ، والتضحية .. والإقدام ، وأم المعارك . هل يعرف أصحاب كلمة ( الخلود ) ما هو جذرها اللغوي وما تعني ..؟
والمشكلة تزداد سوءاً عندما تتسيد المجتمع الأفكار الدينية . عندها تصبح لغة القطيع هي السائدة بدل لغة الواقع والحياة اليومية المتجددة والمعاصرة .
أحياناً يخيل لي أننا أشبه بالغجر ، مع إحترامي لهم كبشر ، فقط من حيث كونهم إستبدلوا الحمار بالعربة الميكانيكية ( السيارة ) بيد انه ماذا يعني جماهير الغجر لهذا العالم ..؟ وجودهم وغيابهم لا يؤخر ولا يقدم في حركة التاريخ . ترى هل أصبحت أمة ( حتى ) من جماهير الغجر ، حتى و ( لو ) فنحن صانعي مآسي هذا العالم منذ ( أمين – موس ) الى يومنا هذا .
الى المطالبين بتجديد الخطاب السياسي الراهن والخطاب الديني ، المشكلة ليست في المطالبة بالتجديد ، فهو غاية ، لكن المشكلة تتطلب تغيير العقلية التي بإمكانها تحديث الخطاب النهوضي الجديد بلغة جديدة تعبر عن فكر العصر الراهن والمستقبل .
لكي لا نبقى نرواح في مكاننا ، نقرأ رواية خيالية كيف غزا الأقزام الشمس بدون مركبة فضاء . هنا المعضلة ليس في أن تقرأ بل فيما تقرأ ، فالجاهل عدو نفسه أولاً .





#سيمون_خوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (7)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن و تجديد الخطاب العقلي
- الله .. المزوج .. وجبريل الشاهد ..؟
- إختراع صيني جديد ... خروف برأسين ..؟
- لا حضارة بدون نساء.. ولا ديمقراطية بلا تعددية/ ولا ثقافة بلا ...
- عندما يحمل( النبي ) سيفاً .. يحمل أتباعه سيوفاً
- ينتحر العقل عندما يتوقف النقد
- تحرير العقل من سطوة النص المقدس
- رداً عل مقال شاكر النابلسي / الإنقلابات والثورات والأحزاب ال ...
- وجهة نظر في الرأي المخالف / من قريط الى شامل ومن طلعت الى تا ...
- على المحامي هيثم المالح تغيير إسمه الى هيثم الحلو
- الحضارة الإغريقية/ مجلس للآلهه وفصل الدين عن الدولة .
- اليونان / من رئيس للوزراء الى مواطن عادي
- في الحضارة السومرية .. حتى الألهه كانت تعلن الإضراب عن العمل ...
- الحوار التفاعلي الديمقراطي في الحوار المتمدن
- هل كان موسى ( نبياً ) حقاً ؟ وهل إنتحلت شخصية أخرى شخصية ( م ...
- نظرية الصدمة في الفكرة الدينية الإنقلابية
- أخناتون قائد أول إنقلاب في التاريخ على الديمقراطية
- من مادوف حزب الله الى السعد والريان
- 170 فنان تشكيلي من 36 بلداً يعلنون تضامنهم مع الشعب العراقي ...
- ماراثون الإنتخابات البرلمانية المبكرة في اليونان


المزيد.....




- فرنسا: قتيل وثلاثة مصابين في عملية طعن نفذها تلميذ بمدرسته
- لحظات عصيبة خلال زلزال تركيا
- الرئيس الفلسطيني يهاجم حماس بألفاظ نابية ويصف نفسه بـ -زعلطي ...
- ترامب يحض بوتين على وقف الهجمات الروسية على كييف، وزيلينسكي ...
- قريباً... شرطيات محجبات في شوارع برلين؟
- شم النسيم لا يكتمل بدونها لماذا يعشق المصريون الرنجة؟
- اجتماعات عسكرية وسياسية في إسرائيل تبحث سبل التعامل مع غزة
- عشرات الشهداء في مجزرتين بجباليا البلد واليرموك
- باكستان تضع خطا أحمر للهند وتعتبر تجاوزه إعلانا للحرب
- نصف الآباء قلقون من الشاشات.. لكن 58% يعتمدون عليها لإبقاء أ ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيمون خوري - طرقت الباب ... ( حتى ) كل متني ..؟