عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2851 - 2009 / 12 / 7 - 18:50
المحور:
الادب والفن
خواطر من كرستال /
شاعر عراقي تحت المطر
مغسولا بالريح وبالبلل ، اغطـّي رأسي بصحيفة يحرّرها شعراء ٌ يكتبون " قصائد " رديئة بإسم النثر . يسيلُ حِبرُ المطبعة على شَعري ثم يسقط ُ ، قطرة بعد اخرى ، مكوّنا بقعا كبيرة سوداء ، تسبحُ نحوها الكلماتُ أفواجا ، مثل قوارب انقاذ مثقوبة في بحر عاصف .
رعدٌ خاطفُ يقرعُ ، فجأة ، طبل َالكون ، فتترددُ استغاثات ، أسماء ، و حشرجات مجاميع شعرية طافية فوق المياه : متى تنتهي حفلات تحضير الارواح ، فالشِعر لم يمتْ ، ولن يموت ، وإلا لماذا يهطلُ المطرُ ؟!
متى يتلطّفُ الشاعرُ بهذا الرنين البعيد ؟ بصمت الكهوف ؟ بالموسيقى الخالية من أية نغمة ، تعزفها الروحُ إذ تنصتُ الى حركاتها ، ساعة تلقي الغيومُ العابرة ُ تحيتها ، على الحقول ، بهيئة برق ؟
اُشعلُ سيجارتي بصعوبة ، ثم أمضي مدخنا ، فيختلط الدخان بالرذاذ المتساقط من حنفية السماء الى صحن هذه المدينة المكتظة بالفقر، بالموت ، وبالجَمال . انني افكرُ بكتابة شيء عن هذا الذي لا أفهمه إلا بطريقة غامضة ، ومامن سبيل سوى الانسياب مع زمن المطر في ساعة نفسي ، فلستُ من طين أو من تراب ، رغم أنني عريق الاصول بالماء : ليس الدم هو ما يجري في عروقي ، انما هي دموع إله معجونة بخواطر من كرستال : هذا ما يجعلني أتخيلُ الطوفان والعالم طافيا فوقه ، أنظرُ الى العالم يتفتتُ ، ذرة بعد ذرة ، في العاصفة ، ثم أرسمُ العاصفة بتجلياتها الألف :
اور التي أكلها الغبارُ .
بابل التي هدمتْ نفسها بنفسها .
آشور وهي تبتلعُ الحجارة ،
و كيف أن جسورا من الكتب قد بُنيتْ ليمشي التأريخ ، بحذائه العسكري ، فوق مياه دجلة .
آه ، يبدو لي أن هذه البلاد مثل جبل المغناطيس ، في كتاب الف ليلة وليلة : رماحُ البرابرة تعرفُ كيف تجد الطريق الى قلبها .
أنفضُ بقايا حِبر المطبعة عن شَعري ، وأمشي : أتأملُ ، وأنا أجتازُ دورية مسلحة ، كيف أن سنابلَ ذهبية نبتتْ في لحيتي ، يومَ نشرتْ المجاعة ُ ثيابها على حبل غسيل الجفاف ، وكيف أن ينابيع صافية انبجستْ ، ذات صيف ، من شقوق عطشي ، لكن .. صوت انفجارهائل يصلُ مسرعا من مكان ما ، يخترقني مثل نصل ، ثم يختفي مثلما جاء ، فألوي عائدا الى البيت ..
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟