|
طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 865 - 2004 / 6 / 15 - 07:46
المحور:
الادب والفن
الكاتب المجيد طانيوس أفندي عبده (1869-1926) أديب وصحفي وروائي ومترجم لبناني ، من رعيل مثقفي التنوير الأوائل الذين حرثوا التربة لظهور الثقافة المصرية الحديثة ، أنشأ في الإسكندرية صحيفة " فصل الخطاب " ، وأصدر سلسلة الروايات القصصية فظهر منها أربعون عددا ، وأصدر جريدة الشرق اليومية ومجلة الراوي الأسبوعية ، وله مجموعة كبيرة من الروايات المؤلفة والمترجمة ، والكاتب المجيد طانيوس أفندي عبده علاوة على كل ما سبق هو أيضا أحد الذين ألفوا نهايات مغايرة للنهايات التي وضعها شكسبير لمسرحياته . لفت نظري إلي كل ذلك الصديق الأستاذ سامح فكري في بحث له بعنوان ترجمة مآسي شكسبير . وجاءتني مع نسخة من البحث الذي طلبته صورة لغلاف الطبعة الأولى عام 1902 من ترجمة هملت التي قام بها طانيوس عبده ، وهي صورة لغلاف مدهش إلي حد كبير يلقي الضوء على الزمن وتحولاته . ففي أعلى الغلاف كتبت كلمة " رواية " وتحتها بمسافة كلمة " هملت " ، وبعد ذلك عبارة : تمثيلية ذات خمسة فصول ، تأليف شكسبير الشاعر الانكليزي الشهير. ثم : تعريب الكاتب المجيد طانيوس أفندى عبده صاحب جريدة الشرق الغراء . وحرص الكاتب أو المطبعة على تشكيل كلمة رواية بوضع الضمة في آخر الكلمة ، ووضعها فوق تاء اسم هملت ، مما يبين مدى اهتمام الناس حينذاك باللغة . يلفت النظر أيضا التخبط في تسمية مسرحية شكسبير ، فهي في أول الغلاف " رواية " ، ولكنها في منتصفه " تمثيلية " . ويستوقف المرء أيضا تقدير المعرب طانيوس أفندي عبده لدوره ، وتشجيعه لنفسه بنفسه بوضعه صفة " الكاتب المجيد " قبل اسمه ؟ هل كانوا يقدرون الكتاب والمترجمين إلي هذه الدرجة منذ أكثر من قرن ؟ أم على العكس أن الثقافة التي لم تكن تلقى احتراما بحيث أنها كانت مضطرة لتعويض ذلك النقص بالتضخيم من ذاتها أمام القراء وإسباغ الألقاب الفخمة على المشتغلين بها؟ على أية حال فإن الترجمة التي قام بها في حينه طانيوس أفندي عبده قد أثارت مشكلة هامة ، تتعلق بصلب دور الترجمة . أعني : ارتباط الترجمة على نحو مباشر باحتياجات المجتمع الثقافية والاجتماعية ، بل وضرورة تطويعها لتلك الاحتياجات . وقد تناول سامح فكري في بحثه تلك المشكلة ، حين أشار إلي أن طانيوس عبده قام بترجمة مسرحية هملت عام 1897 لتقديمها على المسرح ، وطبعها عام 1902 . ولكنه كان مضطرا عند عرض المسرحية على تعديل نهايتها بحيث يواصل هاملت حياته ليرتقي العرش ، لكي تصون المسرحية للجمهور مفهومه عن العدالة التي ينبغي أن تنزل عقابها بالمجرم وتنصف المظلوم ! وهكذا يمكن القول باطمئنان أن طانيوس أفندي عبده وضع وبعبارة أدق ألف نهاية مغايرة تماما لما كتبه شكسبير . ووصف د . محمد يوسف نجم هذه الترجمة بأنها تشويه، ومسخ للعمل ، كما نفى عنها الكثيرون صفة الترجمة واعتبروا أن التأريخ لترجمة هاملت لا يبدأ إلا بعد ذلك ، من عند خليل مطران ، هناك حيث تتطابق الترجمة مع النص . وإذا تجاوزنا مؤقتا عن التعديل ، والتصرف ، الذي قام به طانيوس عبده ، فإن السؤال الحقيقي الذي تطرحه تلك القصة هو : هل ينبغي لنا أن نحترم النص بحد ذاته ؟ أم احتياجات المجتمع ؟ . بهذا الصدد يطرح سامح فكري منهج القراءة الاجتماعية الثقافية للترجمة ، أي الموازنة – كما يقول سامح فكري - بين النص الأصلي بوصفه نتاجا لعملية اجتماعية ثقافية محددة من جهة ، وبوصفه نتاجا لتفاعل المترجم مع نسق التصورات والاستعدادات المحيطة بالمترجم من جهة أخرى . وهكذا يتجاوز سامح فكري موضوع الانطلاق من مطابقة الترجمة للنص الأصلي إلي قراءة أخرى للترجمة باعتبارها تلك العملية التي تتفاعل مع ظروف محددة ، في زمان ومكان معين ، لتؤدي دورا محددا . وإذن ليست هناك ترجمة بشكل مطلق . هناك فقط الترجمة التي يحتاجها المجتمع في لحظة معينة ، ولهذا السبب كان طانيوس أفندي عبده مضطرا لمراعاة درجة التقدم الاجتماعي عند ترجمة هاملت ، وكان مضطرا لتأليف النهاية التي يقبل بها الجمهور . لهذا السبب أيضا كانت ترجمة رفاعة رافع الطهطاوي للدستور الفرنسي في حينه تمثل ضربة لفكرة الاستبداد الفردي وتأكيدا لفصل السلطات الثلاث ، أما الآن فلم يعد لمثل تلك الترجمة من قيمة ، بعد أن تجاوزتها الأحداث وحركة التطور . قضية الكاتب المجيد طانيوس أفندي عبده ، تلقي الضوء على جذر مشكلة الترجمة كلها في مصر . فالأساس في كل أعمال الترجمة هو النظر إلي احتياجات المجتمع ، ودرجة تطوره ، وما يناسبه الآن . هل نحن مجتمع يسعى إلي التصنيع والعلوم والقبض على ناصية التكنولوجيا ؟ ومن ثم نكون في أمس الحاجة للترجمات العلمية ؟ هل نحن مجتمع يسعى إلي الديمقراطية فنكون في أمس الحاجة إلي ترجمات الكتب السياسية ؟ هل نحن مجتمع يسعى إلي تطوير التعليم في مختلف مراحله فنكون بحاجة إلي ترجمة مختلف الكتب المبسطة للأولاد ؟ هل نحن مجتمع يسعى لمكافحة السلفية والخرافة والنظرة الرجعية للمرأة فنكون بحاجة إلي كتب كثيرة في هذا المجال ؟ . وباختصار شديد فإن الترجمة – رغم أنها تتسع للكثير – إلا أنها ينبغي أن تصبح مرتبطة بسؤال آخر رئيسي : من نحن ؟ ما الذي نريده ؟ كيف نتصور مجتمعنا اليوم ، وغدا ؟ وكيف نريد له أن يصبح ؟ . الترجمة باختصار شديد مرتبطة في خطوطها العامة بمشروع للنهضة ، ومن دون ذلك المشروع تصبح الترجمة مطابقة للنص ، وممتازة ، من غير أن تسد حاجات المجتمع في تكوينه الأعم ، أو أنها تغدو في أفضل الأحوال مثل جداول الماء الصغيرة المتفرقة التي لا تصب في نهر واحد كبير . وما من أحد يكره جداول الماء لمجرد أنها صغيرة ، لكن لا يسع أحد القول بأن تلك الجداول تروى عطش المجتمع .
*** أحمد الخميسي . كاتب مصري
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بط أبيض صغير
-
أدب سياسي
-
مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
-
ترجمة الروح
-
فاطمة زكي ونساء الثورة
-
كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
-
وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا
-
الشيخ أحمد يـاسـيـن ما الذي اغتالوه .. ؟
-
القاهرة تهتف للعراق
-
راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة
-
الدكتور أبو الغار وكتابه إهدار استقلال الجامعات
-
الصحافة المصرية لحظـات مضيـئـــة
-
الرد على العملية الأخيرة في العراق
-
محمد صدقي .. وداعا
-
البيان الختامي للملتقى الأول للجان الشعبية المصرية لدعم الان
...
-
ليس من جدار واحد ينشع دم الفلسطيني
-
مضارب الأهواء عمل جديد لإدوار الخراط
-
صورة الإسرائيلي في مصر
-
ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة
-
زراعة الكارثة في مصر
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|