حافظ سيف فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 865 - 2004 / 6 / 15 - 08:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يلحظ تقصير واضح في الكليات العسكرية اهمالها الجانب التثقيفي العام للفرد العسكري وعدم التعامل مع الثورة المعلوماتية والانترنت, بالاضافة انه لاينفي ان يكون هناك تقصير كبير من قبل الافراد العسكر انفسهم لعدم القبول على الكتاب والتعامل مع الثقافة بشكلها العام, فالعسكر ليسوا استثناء من العامة المدنيين, اذ ان القراءة والتعامل مع الكتاب والاقبال على العلوم يعد في نسبته الدنيا. فهي حالة سلبية عربية عامة موجهة ضد القراءة والكتاب والاطلاع.
ايضا يلحظ المواطن المحتك برجل الامن انعدام بعض اللياقة وخلوا المصطلحات اللفظية المهذبة من الاستخدام في التعامل مع المواطن, فالكلمات: (من فضلك).. (لو تسمح).. (سيدي) امر حسن لو حث رجال الامن على استخدامها كونها تشعر المواطن بحفظ كرامته وتعكس ود عام يعود على احترام القانون والدولة. ان فتح معهد السفيرة البريطانية فرانسيس جاي للغات وتقنيات المعلومات العسكرية يعتبر بادرة طيبة وخطوة في الاتجاه الصحيح, ويأتي ذلك في اطار اهتمام قيادة الامن المركزي في ادخال وتعليم افراد الامن المركزي القدرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة وتطوير قدرات الافراد في التعامل والتخاطب مع الزوار الاجانب والوافدين الى اليمن. نرى ايضا ان هناك حاجة ماسة لادخال المادة التعليمية التي تعني بحقوق الانسان واعتبارها جزء من الثقافة العامة تعدها وزارة حقوق الانسان بالتواصل والاستشارة مع جمعيات حقوق الانسان المدنية المحلية والدولية ومستمدة من مواثيق الامم المتحدة لتعمم في مناهج التعليم الاساسي لطلبة المدارس والجامعات والكليات العسكرية ليصبح مفهوم حقوق الانسان ثقافة المجتمع.
في لمحة بسيطة من شوارع اوروبا او مطاراتها, نجد ان رجل الامن المباشر المحتك مع الناس في الشارع, حسن الهندام والتصرف, في دورية امنية متلازمة مع العنصر النسائي الشرطي تسير راجلة ومنها راكبة في الاسواق والشوارع الرئيسية. يبادر رجل الامن في تلك المجتمعات المتحضرة الى اٍلقاء التحية على المواطن (المخالف) او المثير للشكوك او الشغب, وبأدب جم يطلب منه اوراقه الثبوتية, ويبين رجل القانون سبب ونوعية المخالفة وتدوين غرامة مالية يمكن ان تسدد فورا او لاحقا او قد يقدم على اتخاذ اجراء اخر مناسب بحسب النظام والقانون. ولايقل الامر شأنا في المطارات المستقبلة للزوار والتي تعتبر الواجهة وبوابة كل بلد, حيث يغلب على العاملين في المطارات بروز العنصر النسائي والزي المدني الموحد للعاملين والتي تكاد تخلو من المظاهر المسلحة والعسكرة للعيان, وتتجلى الابتسامة والترحيب على الوجوه فتتفتق سريرة الزائر من زهو ونظام المظهر وشخص المستقبل. ماذا احدث عن صنعاء ومطارها الدولي, لايزال (عاشقه السل والجرب) اضائته كئيبة خافتة, كدلالة من دلالات ضعف وانقطاع التيار الكهربائي المزمن في البلاد. بروز العاملين بالبزات العسكرية واسلحتهم الظاهرة للعيون دلالة على حالة الطوارئ المستفحلة, في حين يمكن لعاملي المطار ان يتميزوا بزي خاص موحد. لا ان يكون المستقبل ملازم او نقيب (مشنب) يمعن بنظرة ريبة في وجه الزائر او القادم وكأنه يرجو (نثرة) تحدث. ان شبه انعدام العنصر النسائي في مراكز الدولة الهامة مثل مطار صنعاء, وزارة الداخلية, المراكز الامنية, اقسام الشرطة, امر لايبعث على الطمأنينة كونه مخالف لتوجه القيادة وسياسة الدولة العامة في تمكين المرأة من العمل في كافة قطاع وشؤون الدولة من باب المساواة, وكذلك من باب اهمية وجود المرأة المؤهلة في كثير من هذه المواقع الهامة المباشرة مع المواطنين, فضلا من ان اقحام المرأة في هذه الاعمال يخفف الى حد كبير من الرشاوي والفساد المالي والاداري والذي اعتاد عليه الرجال بطبيعة ان (ابن هادي) رجل, وتعد اليمن في القائمة السفلى في استطلاع الشفافية ونظافة اليد والتي احتلت ليبيا اخر القائمة.
في الشوارع العامة والهامة للعاصمة صنعاء وغيرها من المدن الرئيسية في البلاد, هناك ضرورة اطلاق مجموعات شرطة (بوليس) راجلة يتخللها العنصر النسائي توزع على الشوارع الرئيسية بكامل عدتها المتطلبة, يعمد الى طمئنة العوائل السائرة للتنزه او التسوق بفضل تواجد هذا العنصر النسائي الشرطي, والتي يقتصر في وقتها الحالي على انتشارها في التظاهرات النسائية السياسية في ميدان السبعين.
ان رجل الجيش والشرطة والامن لابد وان يعكس الصورة الايجابية للدولة وهيبتها كمنفذ للقانون وحسن التصرف والهندام. يكثر في شوارعنا رؤية عسكر (من حق يالله طلبناك) لايلتزمون بالمظهر العسكري المتكامل يعتمرون الصمايط كبديل عن (البريه) المرهون على اغلب الظن عند مقوت!!.
كما لاحظنا بعض عساكر(متجولة) تترصد السيارات الفارهة الواقفة ليستجدوا اصحابها مال (شحاذة), او ضابط يعرض خدمات وهمية ويطلب سلفة مالية تكاد تكون اقرب الى القسرية, ظواهر كهذه لم نكن نجدها قبل فترة زمنية سادها قليل من الرخاء عندما كان سعر الدولار (خمسة ريال ونصف) وسقى الله ايام زمان, ظواهر مثل هذه اصبحت تتكرر, وروى حدوثها اكثر من شخص مع كل الاسف!!.
اغلب الدول العربية تعيش قانون حالات الطوارئ, وقد طالب المثقفون في مصر على سبيل المثال الغاء حالة الطوارئ السائدة في البلاد, وتعمل القيادة السياسية في مصر على رفع الحالة تدريجيا وتعمد الى خطوات اصلاحية قد تكون بطيئة الا انها تسير قدما ويتوجب المزيد في هذا الشأن.
وكذلك رفع الكُتاب والمحامون السوريون بعريضة تطالب الحكومة برفع قانون حالة الطوارئ في البلاد والقائم منذ 8 (مارس) 1963. ونحن في اليمن من حقنا ان نتسائل هل اليمن لايزال يُحكم بقانون حالة الطوارئ!؟ بالرغم من دخولنا زمن الوحدة اليمنية. وسبب هذا التسائل انه لايمكن ان يستقيم الامر ان تطرح الدولة النهج الديموقراطي وحرية التعبير كخيار لارجعة عنه من جهة.. ومن جهة اخرى تبقى حالات التفتيش الليلية اليومية لسيارات المواطنين في جولات المدن العامة والنقاط المرورية بين المناطق وكأن المواطن يسافر من دولة الى أخرى, ويبقى جواز السفر ملازما للاجنبي الزائر استعدادا لابرازه عند كل جولة وكل نقطة!!. والحقيقة انه لعمل يستحق الاشادة ان تقوم وزارة الداخلية مؤخرا بالغاء النقاط التفتيشية بين المدن وترفع الضيم والكرب عن المواطن المسافر من عناء التفتيشات الدائمة وجباية الضرائب ودفع (الرزق المقسوم). ويمكن بهذا الصدد الاكتفاء بدوريات امنية عابرة على طول الخطوط تقسم حسب خطة معينة. ظاهرة اخرى من ظواهر قانون الطوارئ وجود المعسكرات داخل المدن, حيث ان كل دول الدنيا المتحضرة تقام معسكراتها خارج مدنها ولايجوز للعسكري ان يغادر معسكره ودخول المدينة الا (بمأذونية) ويكون حينها مجرد من السلاح. فوجود المظاهر المسلحة داخل المدن لايشجع على فرص الحد من انتشار حمل السلاح. فيظل الخوف والجو الغير آمن عالق في ذهنية المواطن ومدعاة للتوتر وعدم الارتياح. مسألة الحد من انتشار السلاح لاتكون الا من خلال استراتيجية عامة سياسية وامنية واجتماعية واعلامية تتظافر معها جهود وزارات الدولة المعنية وادراج ميزانية تعتمد لشراء السلاح من المواطن وكذلك تعاون دولي لتزويد القوات المسلحة والامن بالتكنولوجيا القادرة على رصد منافذ التهريب وتدريب الكوادر الفعالة لهذا الغرض. وفق خطة مدروسة ومحكمة لها سقف زمني محدد. ان التفتيش المسائي او الليلي في جولات العاصمة صنعاء وغيرها من المدن ماهو الا استفزاز ولايفي بغرض الامن ومصادرة الاسلحة المرجو ويتسبب في الكثير من الازعاج للمواطن والتي يصاحبها التدخل في شؤون المدنيين الشخصية والتي غالبا ماينشب جراء ذلك خلاف حاد بين المواطن ورجال الشرطة او الامن في الجولة والنقطة ولهذا شواهد كثيرة وصلت الى حد اطلاق نار في عدة اماكن. نرجو ان تبادر القيادة السياسية الى اجراء تغيير في هذا المفهوم وتعديل في الخطط الامنية بشكل حضاري بما لايلمسه المواطن او يستشعره بهذا الشكل الصارخ.
سافرنا ذات مرة من داخل الاراضي الاردنية متوجهين من عمان الى بيروت مرورا بدمشق لم نصطدم الا بموقع شرطة الحدود من اجل تأشيرة الدخول بين الاراضي الاردنية والسورية وكذلك بين السورية واللبنانية ولم نجد براميل او نقاط تفتيش في طريقنا كما لم نلحظ مظاهر مسلحة او جولات مسائية مكتظة بالعسكر بالرغم ان هذه الدول تحكم ايضا بقانون الطوارئ!!. ولاادري مالفرق بين طوارئنا وطوارئهم!؟.
لماذا لايزال يعتقد القائمون على هذا النوع من الاجراءات الامنية في البلاد, بأن هذا الاسلوب التفتيشي هو في صالح المواطن وامن البلد في حين انه ليس كذلك بل كرس اجواء الخوف وكسر سير الحياة الطبيعية الهادئة وان مسألة التفتيش القسري لخانة او شنطة السيارة الخلفية من قبل رجل الامن لم تحد البتة من ظاهرة حمل السلاح بل تفشت الظاهرة وان مؤشر التدهور الامني في صعود ملحوظ واصبح حقيقة مقلقة. ممايوجب تغيير الخطة الامنية بمجملها واعادة صياغتها وفق رؤية اليمن الجديد يمن الديموقراطية واحترام حقوق الانسان مع اعادة صياغة الثقافة العسكرية.
ـــــــــــــــــ
* باحث اكاديمي
#حافظ_سيف_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟