أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - غاية الإصلاح: إبدال نظمنا الكاملة بنظم ناقصة















المزيد.....

غاية الإصلاح: إبدال نظمنا الكاملة بنظم ناقصة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 865 - 2004 / 6 / 15 - 08:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحكم الصالح هو الحكم الذي يقبل الإصلاح, هو الحكم الذي يتوفر على آليات لتشخيص أعطابه ومناحي قصوره من جهة ولتداركها ومعالجتها من جهة أخرى. وهو, تالياً, الحكم الذي لا يمتنع عن المراجعة والتنقيح والتعديل والتحسين. أما الحكم الطالح فهو الذي يشهد لنفسه بالصلاح وينكر معاناته من أية مشكلات, ويفتقر من ثم إلى آليات للتعرف على اختلالاته وعيوبه وتداركها بالعلاج والتصليح. فمفهوم صلاح الحكم أو "طلاحه" مفهوم دينامي متحرك وليس حالا ساكنة, او قد نقول إنه ليس هناك انظمة صالحة وأخرى طالحة, بل هناك آليات إصلاح فعالة أو إن هذه الآليات معدومة.
وإذا قبلنا مفهوم الحكم الصالح هذا نتبين أن أسوأ نظم الحكم جميعا هي النظم الكاملة, التي يغنيها كمالها عن الحاجة إلى ترجيع النظر والتنقيح والإصلاح. فهي تفتقر إلى النقص الذي قد يحرض على التعديل والتحسين. بل إن ما هي عليه من كمال يجعل من التحسين تشويها لطبيعتها الأصيلة والمراجعة خدشا لعفافها والإضافة إشابة لمعدنها النقي. شأنها شأن الذهب الخالص الذي تشوبه الزيادة ولا تصفيه.
والكمال صفة تسبغها العقيدة الرسمية لنظم الحكم تلك. فهو شأن اعتقادي لا يقوم من غير عقيدة كاملة هي ذاتها, سواء كانت دينية كالإسلام أو دنيوية كالشيوعية والبعثية. ولتلك الصفة تجسداتها الجهازية المحتومة: منع النقد والعمل السياسي المستقل ووسائل الإعلام الحرة وانتخاب المسؤولين الحكوميين ومصادرة استقلال المشرعين والقضاء, وما إلى ذلك مما هو معروف في النظم السياسية - العقائدية. ومن ملامح الوجه المقابل لتلك التجسدات تعظيم النظام لأحواله وحكامه وعقيدته, وصولا في حالات عديدة إلى رفعهم فوق المرتبة البشرية وإضفاء القداسة عليهم. والرفع والتقديس يخرجان النقد العلني إلى مرتبة الكفر ويجعلان الاعتراض السياسي خيانة والتذمر الاجتماعي جحوداً. أما الضغوط الاجتماعية التي تأخذ شكل احتجاج صريح فتواجه قمعاً لا ضفاف لصراحته. باختصار تقديس السلطة لذاتها, بما في ذلك استنفار المقدس الديني وتسييجها به, منهج لتجريم الاعتراض عليها (وقد نتبين عند التروي في الأمر أن لا مقدس إلا برسم السلطة, اي أن المقدس لا يُستدعى لخدمة السلطة بل يُصنع عند الطلب).
لا حاجة إلى القول إن النظام الكامل نظام مغلق متصلب فاقد للمرونة والقدرة على التكيف, ويتناسب امتناعه على الإصلاح مع كماله وتصلبه. وهو على كل حال يطور نظام قيم يعلي من شأن الثبات والصلابة والصمود, ويصرف معانيها بما يناسبه, بقدر ما يخفض قيم التحول والمراجعة والتغيير والمرونة. والأمر المهم سياسيا أن محاولات إصلاح النظم الكاملة قد تفضي إلى الانهيار والتفتت والفوضى. وهو ما تمثل بالفعل في مصير شيوعية المعسكر السوفياتي السابق (كم تبدو السنوات الخمس عشرة التي انصرمت على زواله طويلة!), وما تجازف نظم حكم عربية عديدة في السير على هديه.
ولا ينفرد نظام الحكم في سورية عن غيره من نظم عربــية عديـــدة في شكــايته من درجة متقدمة من "الكمال" تغني عن الإصلاح وتنفيه. ورغم أن الواقع السوري متحرك خلال بضع السنوات الأخيرة على نحو يرجح أن يبعده عن مألوف استغنائه, إلا أن التجسدات الجهازية لعقيدة الكمال لا تزال "مـــستقرة مستمرة", معصومة عن التـــغير. ويبلغ من حصانة آلات عــقيدة الكمال الجهــــازية تلك أن مفردة الإصــــلاح التي شاعت في الـــشهور الأولى لحكم الرئيس بشار الأسد لم تلبث أن أقصيت من التداول لمصلحة شعار "التطوير والتحديث". فإصلاح الحال علاجا يتناسب مع الإقرار بفسادها تشخيصاً, فيما التطوير والتحديث كافيان لصون كمال قد تعتوره "سلبيات" لا يبرأ من مثلها نظام سياسي في مشارق الأرض ومغــــــاربها. ونسبة "الســـلبيات" إلى طبائع الأمور وعموم نظم الحكم مسعى لإحالة النقص المحتمل إلى القدر أو الخارج.
لا يطمح هذا التعليق أن يكون تحليلا لبنية النظام السياسي في سورية. إنه مجرد محاولة لإضاءة مفهوم الحكم الصالح عبر الإحالة إلى المثال السوري, وإضاءة جوانب من الواقع السوري بالإفادة من مفهوم الحكم الصالح. الواقع أكثر تعقيداً وتشابكاً بالطبع. وفي واقعه لا يكاد نظامنا السياسي الحالي ينكر معاناته المشكلات والاختلالات كالفساد والبطالة وضعف النمو (يفضل قصرها على الدائرة الاقتصادية). ما ينكره بالأحرى هو الاعتراض العلني والجماعي على صيغ التعامل القائمة مع هذه المشكلات وانماط الحلول المعتمدة لها, بل حتى الجهود الجماعية المستقلة عنه للتعرف على هذه المشكلات ومحاولة معالجتها. فوفاء لمبدأ الكمال يعتبر النظام أن تلبية مطالب الجمهور العام والاستجابة للضغوط الاجتماعية, بل مجرد تعبيرها العلني عن ذاتها, نقيصة وآية ضعف. والكمال ذاته يملي أن اي فعل احتجاجي محلي لا يمكن إلا أن يكـــون محرضا بقوى خارجية معادية (هنا أصل البارانويا العـــيانية التي تعاني منها الطبقة السياسية الحاكمة وتتعهدها بالرعاية والتعـــميم عبر التربية والإعلام والرقابة على الاتصالات...).
وبينما من الطبيعي أن يضرب عمال في بريطانيا, مثلا, وأن تورد وسائــل الإعلام السورية أخبار إضرابــهم, فإنه مناف للطبيعة ان يعتصم طلاب جامعيون سوريون. الاعتصام هو المشكلة وليس بطــالة أو "تبطيل" الخريجين. ومن الطبيعي أن يتعرض رئيس أميركي لمساءلة قانونية, ومن الشهي أن تروى سيرة فضائحه الجنسية, لكن الطبيعي غرب الأطــلسي شاذ شرق المتوسط. بيد ان منع المجتمع من الاحتجاج والاعتراض وممارسة الضغوط السلمية يفقد النظام السياسي المبدأ العقلاني والحيوي الوحيد للتطور في النظم السياسية الحديثة. ليس هناك مبدأ آخر للحفاظ على المطابقة الاجتماعية السياسية, أي للتكييف أو "التعيير" المتبادل والمتــقابل للدولة والمجتمع. فعبر هـــــذه الضـــغوط تصير الدولة اجتماعية او دولة المجتمع ويغدو المجتمع سياسيا أو مدنيا.
وبالعكس, تتراكم عناصر الانفصام واللاعقلانية في النظام الكتيم على الاحتـــجاج الاجتماعي, ويمـــسي الحل الراجح للمشكلات العامة هو تحلل العام الاجتماعي والوطني ذاته. وليست الانتخابات الحرة الدورية غير اعتراف ممأسس بحق الناخبين في الاحتجاج على الحـــاكمين ورفض التجديد لهم, ولا يصدر ضمان حق الإضراب والتظاهر والاحتجاج المنظم وتشكيل الأحزاب والمنظمات, فضلا عن حرية الإعلام والنقد والتعبير عن اعتبار مناقض. في المقابل لا يصدر "تجديد البيعة" التلقائي للحاكم, فرداً أو اسرة أو حزباً, عن غير افتراض القصور في المحكــومين (بل فرضه عليهم) ونــــسبة الكمال والعــصمة إلى الحاكمين.
يتفرع عن هذا الموقف العدائي حيال الاعتراض والضـــغط الاجــــتماعي امتناع نظامنا عن تطوير آليات مســــتقرة ومعــــترف بها للتعرف على المــــشكلات ولمعالجتها. وغياب مثل هذه الآليات يهدد بأن تفيض مياه الاحتجاج الاجتماعي, حيثما ضعف الضغط القمعي, خارج الأقـــنية غير الموجودة لجريانها المنظم. ولا يعرف الاجتماع السياسي الحديث آلية تعرّف على مشكلاته غير حرية الرأي والاعتقاد والإعلام والوصول المتكافئ للمعلومات..., أي حرية التعبير كحق وكتمكين مؤسسي من ممارسة هذا الحق. كما لا نعرف آلية لمعالجة المشكلات غير تفويض بالعمل (يتضمن احتكار العنف الشرعي) يناله شاغلو الموقع العمومي بنتيجة انتخابات عامة تتنافس فيها قوى اجتماعية وسياسية معترف بها, ومتكافئة الحق في الوصول إلى الرأي العام وتمثيله.
مهما اختلفت الوسائل وتعرجت الدروب السياسية, فإن المبتغى النهائي للإصلاح السوري هو "نظام ناقص", منفتح بفضل نقصه على الجهود البشرية العادية, الناقصة بطبعيتها, للتصليح والتحسين. والأمر يتطلب جهدا منسقا على جبهتي السياسة والثقافة السياسية معاً.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوربا تخطئ بإضعاف سوريا
- حزيران 1967 وما بعده تفاعلات الحرب والسلطة
- أخطاء تطبيق في الماضي وانتخابات حرة في ...المستقبل
- اضمن طريق للديمقراطية في العالم العربي -تغيير النظام- في ... ...
- عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في س ...
- زمن المقالة وأزمة الثقافة
- ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا
- أسامة بن لادن، هيغل، وما بعد الحداثة
- اعتقال طلاب الجامعة سياسة العزل السياسي والجيلي
- بين عهدين: قضايا تحليل الانتقال السوري
- -العقد الاجتماعي- البعثي وتناقضاته
- نظام الاستثناء الشرق أوسطي
- ثلاثة برامج قتل وفكرة عزلاء
- اضطرابات الجزيرة ضرورة تجديد التفاهم الوطني السوري
- سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟
- اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني
- طبائع العمران وصناعة الواقع في الدولة الحزبية
- في السنة الحادية والأربعين فصل حزب البعث عن الدولة ضمانة له ...
- صـــراخ فـي لـيــل عــراقــي
- سوريون ضد حالة الطوارئ!


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - غاية الإصلاح: إبدال نظمنا الكاملة بنظم ناقصة