جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2849 - 2009 / 12 / 5 - 14:17
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
أنا لا أنكرُ خطورة ما أقوله على نفسي وعلى الأمة التي سوف تتفاجأ من حقيقة الأنظمة العربية إذا ما فكروا قليلاً بفائدة الاستعمار الذي لو بقي في الدول العربية لأصبحنا دولاً أوروبية .
تخيلوا معي حقيقة المناضلين والمجاهدين الذين كانوا يجاهدون ويناضلون الاستعمار ماذا كانوا ؟
كانوا عبارة عن معارضين للحريات العامة وللديمقراطية ولحقوق الإنسان , وهي مؤسسات كان الاستعمار يحاول نشرها وكان المقاومون يعيقون حركة تقدمها , لإعتقادهم أنهم يحسنون صنعا , غير أنهم كانوا عبارة عن موظفي لدى أجهزة بيرقراط وحكم ثيوقروطي فاسد ضد الحرية والتنمية الشاملة .
ولكي أثبت صحة ما أقول أنظروا إلى الدول العرية ومستواها الرياضي والثقافي والفني والعلمي فبعد أن نالوا الاستقلال ماذا فعلوا ؟ لا مصانع , ولا صحافة حرة , ولا ثقافة , ولا رياضة , ولا ما يحزنون .
إن حياة المثقف العربي في الدول العربية ما زالت تشبه الاستعمار الذي يطارده المناضلون , فالمثقف الحقيقي مطارد من قبل أجهزة المخابرات العربية .
أنا لا أخون وطني حين أدعو إلى التنمية الشاملة , ولكنني أخون وطني حين ألاحق المثقفين والمبدعين وحين أحاصرهم في أعمالهم ومصادر رزقهم , وهذه الأمور لم يفعلها الاستعمار بالدول العربية , إنما تفعلها بعض أجهزة المخابرات في بعض الدول العربية , فأجهزة المخابرات هي امتداد طبيعي للذين قاوموا الاستعمار الغربي من أجل اقامة حكم عربي بالحديد وبالنار ومن أجل أن يجلس على المقاعد الرئاسية أنظمة حكم فردية مستبدة غير ديمو قراطية وتقاوم الحرية والتنمية الشاملة .
أي أحد منا يتطلع إلى تاريخ النهضة العربية في مصر سيجد أن سعد زغلول وحزب الوفد وعبد الله نديم وغيرهم من مقاومي الإستعمار كانوا عبارة عن لعبة بيد الخيديوي , الذي كان يرى أن تطور المجتمع المصري يهدد بقاءه ووجوده , وبعبارة أخرى كان الخيديوي يقاوم الاستعمار عبردعمه للقوى التحررية المصرية , كان بدافع بقاءه على السلطة وليس بدافع أن الاستعمار كان ضد التنمية الشاملة , على العكس كان الاستعمار يبني صحافة حرة ويدعم الكتاب والمثقفين المتنورين , وكان حزب الوفد أو جماعة حزب الوفد قبل تئسيسه في (1919م) كانوا كلهم مقاومون جدد للنهضة العربية: سعد زغلول , فتحي زغلول , محمد محمود, عبد الله نديم,وبالمناسبة أفرج الخيديوي عن النديم بتوجيه علني من قاسم أمين , وصحيح أن قاسم أمين كان مع تحرير المرأة ولكنه عملياً كان يناهض تحرير المرأة لأنه كان مقاوماً للاستعمار ومن جماعة الخيديوي ,وسعد زغلول وفتحي زغلول وقاسم أمين ومحمد عبده أشاروا على الخيديوي بأن يعفوا عن النيدم شريطة أن يقف ليخطب في الناس ضد الاستعمار الانكليزي ومن أجل جلاء الانكليز عن أرض مصر , ومن المعروف أن النديم كان خطيباً بارعاً مثله مثل سعد زغلول ...إلخ.
وقد تخلى فتحي زغلول عن مقاومة الاستعمار وشارك في قضية دنشواي ومحاكمة المصريين فيها , ووقع قاسم أمين ضحية أو لعبة بيد الذين ادعوا أنهم المتنورون من جماعة سعد زغلول ..إلخ.
إن لعبة مقاومة الاستعمار كانت لعبة رخيصة بيد الزعماء العرب الذين دعموها وكانت لعبة موت وحياة بالنسبة للأبطال الذين قادوها وهم متوهمون أنهم قادة فكر ومناضلون سياسيون يستحقون أن ننصب لهم تماثيل ونصب تذكارية .
غير أن العكس هو الصحيح فلو بقيت الدول العربية تحت وطأة الاستعمار لكانت مصر اليوم دولة أوروبية مثلها مثل الأندلس ولكانت المدن المصرية مثل المدن الاسبانية مثل : برشلونه ومدريد , ولكانت الثقافة المصرية مثلها مثل الثقافة الأوروبية بل وأفضل من الأوروبية .
إن قصة كفاح ونضال الشعوب العربية من أجل الاستقلال كانت عبارة عن توظيف قيادات عربية ما زالت إلى اليوم تفعل ما كان يفعله المقاومون للاستعمار .
فأجهزة المخابرات في معظم الدول العربية هي عبارة عن حزب سياسي يحكم بالحديد وبالنار ويقاوم حركات التنمية والاصلاح وهي نفسها الحركات التي كان يقاومها المناضلون , لقد كان المناضلون من أجل الاستقلال هم الابطال الذين يقاومون تحرير المرأة وحرية التعبير وتمدين المجتمعات العربية وإخراجها من جهالات القرون الوسطى , وعلى فكرة كان أقباط مصر هم الوحيدون الذين يتفهمون هذه القضية وما زال أقباط مصر متابعون وملاحقون بسبب تمدنهم وخروجهم وشقهم لعصا الطاعة على التخف والجهل والضلالة .
معظم المقاومين للاستعمار الغربي للدول العربية يَعتبرون أنفسهم أنهم أبطال ومناضلون وماتوا على ذلك وهم متوهمون أنهم أبطال ومناضلون ولكن نتيجة مقاومة الأستعمار كانت سيئة بدليل واقعنا المُر الذي نعيشه تحت وطأة الجهل والتخلف وفساد بعض أجهزة المخابرات في بعض الدول العربية .
فالذين قاوموا الاستعمار ليسوا أبطالاً بل جبناء وخون خانوا قضية النهضة العربية واتهموا المتعاونين مع الاستعمار بأنهم هم الخونة غير أن العكس هو الصحيح , فلو أطلق المناضلون الدجاجلة يد الاستعمار في الدول العربية لأصبح لدينا نهضة عربية عريقة , إن نتائج الأستقلال وتعريب القيادات العربية للجيش وللمراكز الحكومية ساهمت إلى حد ٍ كبير في تخلف المجتمعات العربية , لقد مضى زهاء قرن على استقلال بعض الدول العربية وما هي النتيجة؟
لم تحقق المصالح الوطنية أي فائدة بل على العكس الجهل والتخلف ينتشران في الدول العربية والبطالة تزداد وأعداد السكان تنفجر والتنمية تتراجع ومراكز الاصلاح والتأهيل معدومة , والتعليم في تراجع مستمر والبحث العلمي مستواه متدني جداً والتنمية الشاملة غير موجودة وأجهزة المخابرات تطارد المثقفين .
إن غالبية الزعماء الذين قاوموا الاستعمار كانوا مدعومين من الحكام العرب الذين كانوا يروا أن بقاء الانكليز يعلم المواطن على الحرية والديموقراطية وهذه الأمور تهدد بقائهم لأنهم يحكمون بالوراثة وبالكذب وبتضليل الشعوب , فجهل الشعوب العربية يعني بقاء الحكام العرب على مواقعهم , وتطور الشعوب العربية كان وما زال يعني أنه زوالٌ للمعسكرات القديمة الاستبدادية .
وهذه وجهات نظر خاطئة جداً , فبإمكان الأنظمة العربية الوراثية أن تبقى على مقاعدها وأن تتطور شعوبها , فهذه التجربة الإنكليزية مازالت شاهداً على ما أقول , فما زال الحكم الملكي فيها رغم أن بريطانيا دولة حرية وديموقراطية , بعكس نظام الحكم الملكي الفرنسي الذي قاوم الحرية والديموقراطية فأدت مقاومته لزواله نهائياً.
ولقطع رأس الإمبراطور .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟