أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير زعبيه - الأشجار لا تموت دائما واقفة














المزيد.....

الأشجار لا تموت دائما واقفة


بشير زعبيه

الحوار المتمدن-العدد: 2842 - 2009 / 11 / 28 - 15:03
المحور: الادب والفن
    


في وقت ليس كهذا كان يمكن اعتبار أن ما حدث أمامي صباح هذا اليوم شيء استثنائي وربما محزن أو في حد أدنى هو مدعاة للتشاؤم , وفي كل الأحوال لم يكن هذا الصباح ككل صباح، على الأقل بالنسبة لي : كنت مارا في الطريق الرئيس نفسه , حركة الناس نفسها ونفسها البلادة المسطحة على الوجوه , ثمة على بعد أمتار أمامي شيء من الزحام وبعض الضجيج وحين اقتربت كان واضحا أن شجرة قد تنحت من على الرصيف ليسقط القسم الأكبر منها على الاسفلت .. سألت بفضول لماذا سقطت الشجرة ؟ تطوع أحدهم مجيبا : قالوا : لوحدها ! سألت العجوز المتكيء على الحائط القريب اذ كنت ألحظ وجوده دائما قرب الشجرة ولا شك أنه من أهل المكان : ياحاج بالله كم عمرها ؟ نظر الي ثم التفت الي صبية مرت من أمامنا يسبقها عطرها ووقع خطواتها على ما تبقى من بلاط الرصيف وسأل بنبرة قريبة من الاستنكار:
- من هي ؟!
- قلت على الفور : الشجرة طبعا .
لم يجب وهو يتجه ليأخذ مكانه المعتاد ملتصقا بالحائط في مواجهة الطريق العام .. أدرت ظهري بدوري مستكملا طريقي نحو مقر عملي وأنا أستعيد شكل الشجرة الممددة خلفي ولا أدري لماذا رجعت بي الذاكرة الى عنوان كتاب أندري مالرو (سقوط السنديان) اذ لا علاقة بالطبع بين هذه الشجرة البائسة وسنديانة مالرو التي عنون بها نصا حواريا فذّا مع صديقه الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول .. جرني سياق الذاكرة الى جملة ديغول العبقرية " انه زمن نهاية الجنازات العظيمة " مصححا حديث مالرو عما أسماه بـ " زمن نهاية الامبراطوريات العظيمة" تلك الجملة التي أتبعها بقوله " أفكر بالمحرقة التي أسسقطت الكرات المشتعلة من جثة غاندي ،وصفارات القطارات الروسية وهي تعلن موت ستالين في العزلات السيبيرية وموكبي تشرشل وكينيدي وفيلة نهرو " لا شك أنه فكر أيضا في نعش ناصر يطفو فوق الأمواج البشرية التي غطت شوارع القاهرة مودعة زعيمها.. كل ذلك كان يدور في رأسي بينما تكفل عقلي الباطني بقيادة قدميّ حتى كانت الانعطافة الأخيرة المؤدية الى الشارع الجانبي حيث مقر العمل ..
هنا اختفى من الذاكرة السيد مالرو ونصه وصرت أنا الذي أقود قدمي الآن وأزيد من سرعة حركتهما لأقترب من ذلك الضجيج القادم من آخر الشارع هناك أمامي حيث سبقني نفر غير قليل وآخرون من خلفهم مشكلين تجمعا بدا يأخذ شكل الزحام , وها أنا على تماس مع الخط الخلفي للزحام ثم يجرني الفضول لأتوغل نحو الخط الأمامي , وأمد عنقي في ذهول أمام مشهد : شجرة تسقط سادة الطريق كحاجز وضع عن عمد بينما ظل ثلث جذعها ثابتا على الرصيف ! التفت الى أقرب شخص أسأله بلهفة من يبحث عن عزيز فقده للتو:
- متى سقطت ؟!
- يبدو أنها سقطت الآن ..
- كيف ؟!
- قالوا لوحدها !
يا الهي ، أية مصادفة هذه ؟! في دقائق يمكن أن أحسبها بأصابع يديّ تسقط أمامي شجرتان هكذا ولا ريح ولا شبه عاصفة في المكان!! ماحدث كان مربكا لتفكيري وكافيا لتتلبسني حالة تشاؤم من الآتي , لكنه كان كافيا أيضا ليطعن في صدقية تلك المقولة التي حفظناها وكتبناها في خانة الحكمة بجرائدنا الحائطية المدرسية ( الأشجار تموت واقفة ) هاهو دليل على أن الأشجار لا تموت دائما واقفة .. أدير ظهري للجميع لأغادر المكان شبه هارب مستكملا طريقي الذي بدا طويلا هذا اليوم ، ويعود السيد مالرو وكتابه الى الذاكرة مرة أخرى – لماذا تقفز الى ذاكرتي أسطر في كتاب قرأته منذ عشرين عاما ؟ ربما الحديث عن الشجرة , لا أدري ــ سأل مالرو ديغول اذا كان اطلع على حوار القائد العسكري الألماني هيلموت مولتكه مع بسمارك الذي سأله فيه الأخير:
- هل يوجد بعد هذه الأحداث شيء جدير بأن نعيش من أجله ؟) وأجابه مولتكه:
- نعم صاحب الدولة , أن نرى شجرة تنمو ..



#بشير_زعبيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب وايران..صناعة العداوة
- الخيبة.. أو (رياضة الكراهية)
- الرهان علي الوقت الضائع
- - صناعة الجوع -
- كان هذا هو الموجز
- كم يلزم من الوقت ليتغيروا ؟!
- أنظر حولك وتفاءل !
- أبعد من اختلاف .. أقرب الى فتنة
- 2700 ليتر من المياه لصناعة قميص واحد !! ..حروب تخفي الحروب
- دائرة
- من ضرب العراق بايران الى ضرب العراق بالعراق..
- الصديق الذي قتلته -النشرة-
- قصة قصيرة :الأجندة
- قصة قصيرة


المزيد.....




- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير زعبيه - الأشجار لا تموت دائما واقفة