|
أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث: ( 1 )
منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 862 - 2004 / 6 / 12 - 07:20
المحور:
الادب والفن
لِمَن العالَم؟ إلى فادي حدّاد. مات منحنياً فوق المغسلة وهو يغسل يديه ووجهه. بعد يومٍ طويلٍ وشاقٍ قضاه، سيراً على قدميه، دون أيِّ توقف، بصحبة حشدٍ من هلوساته، في شوارع وأزقَّة اللاذقية، من السّاعة السّادسة صباحاً حتى السّاعة العاشرة مساءً. على إيقاع تلك الأغنية التي كتبها ولحَّنها هو بنفسه، باللَّهجة المصريَّة وعلى طريقة سيد درويش : ( الحياة مُرَّة وانا ريدها حُرَّة ). ـــــــــــــــــــ
1- دَعني أتابع هذياني دعني أُكمل قصيدتي وسوف أعرض أمام عينيكَ على شَّاشة وامضة مشاهد حَيَّةً مِن حلمي. 2- لقد رغبتُ أن أُغيِّر ثياب الشِّعر أن أُغيِّر طباعه وإن كان بمقدوري وإن لم يكن من حقِّي أن أُغيِّر جسده. 3- أن أمسكَ بيده وإن خاف أدفعه من ظهره مُنحرفاً به عن سطوره كقطارٍ عن خطوطه الحديدية خارج الدَّفاتر والكتب والصُّور ذات الإطارات المطليَّة بطبقةٍ رقيقةٍ من الذَّهب والجنان المسوَّرة كالأقفاص المكتظَّة بالحرّاسِ والتَّماثيل واليافطات ( لا تقطف الأزهار لا تعبرْ لا تقفْ لا تجلسْ لا تنم على العشب لا تأكل من هذه الشَّجرة ممنوع مدُّ الرَّأس واليدين من النَّوافِذ انتبه... خطر الموت لا تكتبْ على الحائط لا تقلْ مثل هذه الكلمة لا تلفظ هذا ... الاسم ). 4- إلى أين ؟ إلى الأسواق والشَّوارع حيث البشر من كلِّ صوبٍ وحدب يمضون في كلِّ اتِّجاه وإلى كلِّ غاية رجالٌ ونساءٌ ومن لا يعرف لهم اسم ولا جنس ولا نوع وجنود ومومسات ومتسولون وبائعو علب الدخان المهربة أمام واجهات دور السينما والمطاعم الرخيصة والمقاهي ذات الكراسي المهترئة والطَّاقات الضَّيِّقة لبوَّابات السُّجون الكبيرة يدخلون ويخرجون من المساجد والمباول العامَّة ويزدحمون في محطّات السَّفر ومواقف باصات النَّقل الدَّاخلي قرب حاويات القمامة التي ينحني عليها رجالٌ ملثَّمون وهم يمتطون هياكل درّاجات هوائية وبأيديهم عِصيٌّ ذات مخالب وأطفالٌ بشفاه متورِّمة يقفزون كالقِطط إلى جوفها فتظهر رؤوسهم طوراً وطوراً تختفي يبحثون في نفايات الآخرين عمّا يصنعوا منه حياتهم فيلفُّوه في عبِّهم أو ينهشوه مباشرة بعد أن يمسحوا بأسمالهم ويفركوا بأكفهم القذرة ما تشبَّث به من ذُباب. 5- هذا ما أُسَمِّه أنا شِعراً دمٌ لا تقبله الأرض وعرق ليس يقطر من الجبين فحسب بل من فروة الرَّأس وتحت الإبط وبين الفخذين وجلدٌ ولحمٌ وعَظم فسمِّهِ أنتَ ما شئت. 6- ولعتُ من نومي ولا أدري متى ولا أدري أين ولا حتَّى أدري مَن أنا لأنَّ شَقَّاً كبيراً كان يفلق جمجمَتي وقنبلةً مضغوطةً في مثانتي سوف تنفجر هذه اللَّحظة إن لم أقفز منَ السَّرير وأهرع حافياً لا أرى أمامي إلى المِرحاض. 7- ويا لها من بيلةٍ طويلةٍ كساقيةٍ نَبعت من بين ساقيّ لا بل كنهر صفراء ذات رغوةٍ وفقاقيع تتصاعد منها الأبخرة مشكِّلَةً السُّحب والضَّباب ... ( تصوَّر ) قلت لِصاحبي : ( تصوَّر لو فعلتها في الفِراش ) لكنِّي أبداً لم أَكن أَتوقُّع أَن تَكونَ بِهَذِه الغَزارة بهذا الفيض أبداً ما كنتُ لأُصدِّق أن تستغرق كلَّ هذا الزَّمن أن تُغرق كلَّ هذا الزَّمن فقد استطعت وأنا أَنظر إليها ذاهلاً أَن أَستعيد كلَّ لَحظةٍ عِشتها أَو مُتُّها في حياتي كأَنَّما قضيت بها أيّاماً وأسابيع وشهوراً ولو كان هناك مراسلون صحفيون أو لجانٌ من الأُمم المتَّحدة أو حكّامٌ رياضيون معتمدون من الفيفا لاستحقَّت بيلتي لا ريب أن تذكر في كتاب ( جينيس ) للأرقام القياسية على أن يكتب بجانبها اسمي ولأوَّل مرَّةٍ وكأنها لم تكن موجودة ولم يسمع أحدٌ عنها من قبل أو من بعد : اسم بلدي ولكن أحداً في العالم لا يبالي بما يمكن أن يحقِّقه أهل هذه البلاد من إنجازات وما يستطيعون أن يقدموه للحضارة الإنسانيَّة. ـــــــــــ 8- وما علاقة هذا الهراء بنا ما علاقة هذه الواقعة السَّخيفة بالعالم ما علاقة بولك الكبريتي ذي الأَبخِرة الصفراء بالشِّعر أ هذا ما أخيراً وصلت إليه بعد كلِّ ما ادَّعيته من قراءات وكتابات وتجارب أ هذا ما بقي لديك لتقوله لنا بل لتدلقه علينا بعد كل هذه الوعود والرُّعود بأروع القصائد إنَّه إذا لم نعتبره لمعرفتنا السَّابقة بك إهانةً مقصودة أو كما لا نريد أن نصدِّق مكيدةً مدبَّرةً على الشِّعر والتُّراث والأُمَّة فهو... لا أقلُّ من قلَّةِ أدب تريد أن تتباهى بجرأتك على ارتكابها جرأتك المشهود لك بها والمحصورة طبعاً على الورق. ـــــــــــ 9- حسناً حسناً هوِّن عليك لا داعي أن تكيل لي كل ما يقال عنِّي وحفظته غيباً لأنِّي صدقته من شتائم كريمةٍ ولعنات شرف سوف تلحق بي حتّى قبري وكلُّ ما في الأمر أنِّي مساء البارحة وأنا جالسٌ أمام شاشة التلفاز أراقب بيعينيَّ الميِّتتين آخر نشرات الأخبار صعد الناس على ظهر جدار برلين وراحوا يعملون به دون أدنى رحمة المعاول والفؤوس. / فكان لا مفرَّ لي رغم أنِّي كنت قد أطفأت كلَّ مفاتيح الشُّعور في جسدي أن أعيد تشغيلها واحداً واحداً وأحتفل أحتفل على الطريقة الألمانيَّة الشهيرة وهي كرع زجاجات البيرة زجاجةً بمؤخَّرة زجاجة حتى ينتفخ بطن الرَّجل كامرأة حامل في نهاية شهرها التَّاسع وكان لحسن حظي أنَّه لَدي صندوقٌ كامل من هذا الشَراب الَّذي قضيت حياتي وخاصةً سنوات طيشي المجيدة أُحاول أن أجبر نفسي على استساغة مذاقه الكريه عملاً بنظريتي الَّتي تقول بأن للإنسان نزوعاً خلقي لإدمان الأشياء الأشدِّ مرارة ولم أستطع ابتعته مصادفةً منذ أيام من أحد مراكز مؤسَّسة الدَّواجن الحكومية ذي اليافطة البلاستيكية الكبيرة المكتوب عليها بمكعبات حمراء: ( .... الشَّعب حيّ ومذبوح ومشوي ) بعد أن سقطت نتيجة العوامل الجويَّة كلمة فروج منها والذي يبدو بسبب خلوِّه الدَّائم من كافة أصناف الدُّجاج والبيض قد فكروا بالاستفادة منه بتخزين صناديق البيرة التي يتوقف الطلب عليها تماماً في فصل الشتاء وذلك عملاً بشعارٍ ألماني آخر وهو: ( التَّشغيل الأقصى لوسائل الإنتاج ) . 10- ويا له من شعبٍ عظيم أولئك الألمان أقول لك ما سمعت الآخرين يرددونه أمامي وبدون كلل منذ أوَّل يومٍ بدأت أعي به ما يدخل فتحتي أُذنيَّ من أصوات وقرقعات ( إنَّهم أعظم شعبٍ على وجه الأرض ) ولإن كنت تعتبر قولي هذا نوعاً من الأحكام المطلقة أو الأفكار الشَّائعة التي يتباهى بتكرارها العامَّة من الناس فأنا أؤكِّد لك بأنهم أقصد الألمان لا يقلون عظمةً عن أيِّ شعبٍ من شعوب الله المختارة على وجه الأرض أو في بطن الأرض وربما قد يخطر على بال البعض أنهم لم يلعبوا دوراً كبيراً في الماضي كالمصريين واليونانيين واليهود والعرب على حدٍّ سواء أمّا في القرن العشرين فلا أحد يحقُّ له أن ينكر فضلهم في إشعال فتيلي حربين عالميتين كلَّفتا البشريَّة حياة ما يقارب المئة مليون إنسان دون التفريق في العمر أو الجنس أو العرق نساءً وشيوخاً وأطفال روسيين كانوا أم بولونيين أم يهودا شيوعيين أم خوارنة جنوداً أم فلاحين غير أنهم أنفسهم لم يجنوا بالمقابل أيَّ ربحٍ من كلِّ هذا فلقد خسرت ألمانيا الحربين العالميتين على التوالي وزيادة على خسارتها المضاعفة أنهم بعد الحرب الثانية شطروها جزاءً لها إلى فلقتين هنا رجلٌ ويدٌ ورأس وهناك رجلٌ ويدٌ و... قلب فتصور ! مما يثبت نظرية أن الألمان ما كانوا يفكرون بمصلحتهم الخاصة على الإطلاق وأنَّه قد كان هدفهم الذي وضعوه نصب أعينهم كما أعلنه هرُّهم الأكبر هتلر هو: توحيد العالم تحت قيادة شعب فاغنر ونيتشه واسمح لي هنا بالتَّوقُّف هنيهةً ريثما أذهب إلى الحمام وأعود. ــــــــــــــــــــــ انتهى الجزء (1 ) يتبع الجزء ( 2 )
#منذر_مصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيء ضاع مني
-
عُذراً محمود دَرويش: ليس بِمُكنسة بل بِمِكنَسَة
-
القَصيدة المحرَّمَة - 4 من 4 )
-
القَصيدة المُحرَّمة - 3 من 4
-
القصيدة المُحرَّمة - 2 من 4
-
القصيدةُ المُحَرَّمَة : ( 1 من 4 ) ـ
-
السِّيرك
-
السِّيرة الضَّاحِكة للموت
-
سوريا ليست مستعدةً بعد لأحمد عائشة
-
ردٌّ على ردٍّ عمومى على رسالة خصوصية 3 من 2
-
ردّ عمومي على رسالة شخصية 2 من 2
-
ردّ عمومي على رسالة شخصية 1 من 2
-
طراطيش حول الشراكة الأوروبية السورية
-
أنا وهمنجويه ودانتي والمِقص
-
قَصيدةٌ واحِدَةٌ كَتَبها محَمَّد سَيدِة عنِّي مُقابل10قَصائد
...
-
مَاذا جِئتَ تَأخُذ ؟
-
مكانة الشعر العربي الحديث والنموذج والانقراض
-
القَصيدةُ المَجنونة ( 3 من 3) : المقاطع -11 إلى الأخير
-
القَصيدَةُ المَجنونَة ( 2من 3) : الفِهرِس والمقاطِع ( 1إلى 1
...
-
القَصيدة المَجنونة (1 من 3) المقدمة
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|