|
مأزق الشراكات التفاوضية
ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 23 - 16:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في المنطقة وحيال القضية التي اعتقدت إدارة الرئيس أوباما، أنها تستطيع الفوز بمقاربة إيجاد حلول لها، حيث الصراع التاريخي الأعقد، وجدت واشنطن ذاتها عالقة بحبال متشابكة من الفشل، بل من الإفشال. وقد اتضح أنها بلا رؤية، وبلا إمكانية أو قدرات جدية لتحمل المسؤولية، فخطاب الرئيس أوباما القاهري في حزيران (يونيو) الماضي، تلاشت أصداؤه على وقع إخفاقات المبعوث جورج ميتشل في "معركة الاستيطان" التي حاولت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تكحيلها فعمتها، ليستقر أو يسفر عن خيبة أمل كبرى إزاء السياسة الأميركية، أوصلت الرئيس الفلسطيني حد الرغبة بالانسحاب من الترشح للانتخابات القادمة. فيما بات يتضح الآن وأكثر من أي وقت سبق، أنها عاجزة عن تحقيق اختراق في جدار الصراع المتجذر في هذه المنطقة، نظرا لانحيازاتها ومحاباتها وممالأتها المكشوفة والمفضوحة لكيان إسرائيل العدواني، وهذا ليس سمة إدارة دون الأخرى، بل هي سمة كل الإدارات المتعاقبة منذ أنشئت إسرائيل عام 1948. وعقم سياسة الرئيس بوش الإبن – كما يصفها البعض – ليست نسيج وحدها، فالسياسات الأميركية بمجملها هي سياسات عقيمة من الأساس، حايثت وتحايث مجمل الإدارات الأميركية التي تعاقبت على سدة السلطة في البيت الأبيض، وليست خصيصة إدارة بعينها.
هكذا تلاشت تلك الوعود المعسولة والكلمات اللفظية التي حملها الخطاب الأوبامي بالقاهرة؛ حيال الرؤيا والسياسات الواضحة، وإمكانية تحمل المسؤولية، وصولا إلى تحقيق إنجازات على صعيد مفاوضات التسوية السياسية على المسار الفلسطيني، وهو المسار الأعقد في تاريخ الصراع. وها نحن أمام الجدار المسدود فقط لا غير، حيث الاستيطان يزيد من توسيع رقعة الجدار، جدار التسوية التفاوضية، وجدار الفصل العنصري على حد سواء، وقد تحولت المطالب الأميركية من إسرائيل من البداية، نحو الفلسطينيين، وذلك في استدارة انقلابية كاملة، حيث مارس اللوبي اليهودي الصهيوني ضغوطه ضد الكونغرس، وهذا الأخير نجح في ممارسة ضغوطه ضد الإدارة، حيث تلقفت هذه الأخيرة كرة الضغوط ورمتها باتجاه الفلسطينيين، بعد أن جرى التعويل على أن تمارس تلك الضغوط مفاعيلها ضد الاستيطان والمواقف المتصلبة لحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، حيث خرجت من "معركة الاستيطان" التي أثارتها إدارة أوباما فائزة، حتى ولو على حساب خسارة تلك الإدارة ماء وجهها أمام العالم.
وهكذا تفهمت إدارة أوباما موقف اليمين الإسرائيلي الحاكم بزعامة حزب الليكود، الذي يعتمد بشكل أساس في استمراره واستمرار ائتلافه الحكومي على دعم المستوطنين، وهو ما تجلى في انتخابات الكنيست الأخيرة عبر تصاعد تأييد قطاع واسع من المستوطنين المتدينين، بلغ حوالي 23 بالمائة في مقابل 12 بالمائة في انتخابات العام 2006. هذا الأمر يمكنه أن يفرض قيودا متعددة على نتانياهو وائتلافه الحاكم في حال موافقته على التجميد المؤقت للاستيطان، ما سيؤدي إلى مواجهته بتظاهرات احتجاجية من قبل المستوطنين، وبتراجع في تأييد تكتلاتهم لليكود، ربما قاد إلى تفكك ائتلافه الحكومي، خاصة في أعقاب دعوة لانتخابات مبكرة قد تقلب "معادلات القوة" التي جاءت بالليكود إلى الحكم، على ما جرى بعد تخلي لوبي الاستيطان في الكنيست عن نتانياهو بعد توقيعه اتفاقية واي ريفر عام 1999، وإصداره أمرا بإخلاء مستوطنة عبرون بالضفة الغربية.
واستخلاصا لتعقيدات ذاك الواقع، تقدم دراسة أعدها نيكولاس بيلهام، عن موقف اليمين الاستيطاني الصهيوني من التسوية، إطارا تفسيريا لنهج حكومة نتانياهو في تشددها إزاء تجميد الاستيطان، بخضوعها لضغوط جمهور المستوطنين، ناهيك عن توجهاتها اليمينية وقيود التشكيلة الائتلافية الحكومية التي تضع النشاط الاستيطاني في طليعة أهدافها وأولوياتها، الساعية لاجتذاب تأييد اليهود المتدينين من قاطني المستوطنات. وهذا يعني تحديدا أن حكومة كهذه؛ ليست على استعداد لتقديم أي تنازلات في مفاوضاتها مع الطرف الفلسطيني، في حال استؤنفت، ولا يمكن بأي حال اعتبارها شريكا تفاوضيا محتملا في المستقبل.
إن عدم وجود إنجازات حقيقية لمفاوضات عبثية طوال السنوات الأربع أو الخمس التي مضت، لا يعني بأي حال أن المزاج الشعبي الفلسطيني، ولا حتى ذاك الرسمي، ما زال على حاله، أي يمكنه أن يصبر طويلا على المماطلات والتسويفات الإسرائيلية، الماضية قدما لإفقاد الطرف الفلسطيني اتزانه ورباطة جأشه، أملا بالوصول إلى تحقيق أهدافه أو بعضها، إلاّ أن الإسرائيليين وكما أرادهم إسحاق شامير، يريدون الاستمرار بالتفاوض ليس 20 أو 30 عاما، بل إلى الأبد!. وها هم يمضون إلى تحقيق ذلك كوصية يتقيدون بحذافيرها. وذلك نظرا إلى قناعة تامة لدى إجماع صهيوني متحقق دائما وفي كل وقت، مهما كانت مكونات الحكومة أو الائتلاف الحكومي، على رفض ما هو جوهري في عملية التسوية، أي التنازل عن الأرض من أجل إقامة دولة فلسطينية نقيضة عليها، حتى لو مضت العملية ذاتها إلى ما يتجاوز قدرة الفلسطينيين على التحمّل، تحمل مثل هذا الخداع الإسرائيلي والتواطؤ الأميركي – الأوروبي معه، في ظل عجز دولي وعربي كاملين عن وقف مسيرة الخداع تلك.
في ظروف كهذه، والتي يمكنها إنضاج وإنتاج انتفاضة، هناك غياب لقيادة لديها قدرة التوجيه، كما لقيادة ميدانية، فأي انتفاضة بمواصفات ناقصة وغير ناضجة، قد تولّد المزيد من الإحباطات والتراجعات.. والمزيد من الفوضى، لدى شعب لن يكون من اليسر والسهولة بالنسبة له ولنخبه المسيّسة، إبراز أو إنضاج قيادة جديدة له، قادرة على توجيه نضالاته وتحركاته في بُعديها التكتيكي والإستراتيجي، إذا ما فقدت القيادة الحالية – مهما تكن الملاحظات عليها – مصداقيتها. لهذا فإن الموقف من المفاوضات واشتراط وقف الاستيطان أولا لمعاودة استئنافها من حيث توقفت، هو حد أدنى من الأدنى. من هنا ضرورة تصليب الجبهة الداخلية التي باتت وبشكل ملح، تستدعي بلورة تلك التوافقات الوطنية القادرة على إنضاج برنامج سياسي موحد، هدفه الرئيس الحفاظ على المشروع الوطني والقضية الوطنية، في مواجهة كامل مخاطر التصفية أنّى أتت، وفي مواجهة مسلسل ذلك المأزق من شراكات تفاوضية لا ينتهي، بل هو ما يني يتجدد.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جعجعة خطط ولا طحين لدولة في الأفق
-
حدود العلاقات الندية اليابانية - الأميركية وآفاقها
-
فساد السياسة والكيان في إسرائيل
-
التحولات التركية وإمكانيات الاتجاه التواصلي
-
المفاوضات.. الموعودة دون وعد والمأمولة دون أمل
-
جائزة نوبل ل -سلام عدم الاستطاعة-!
-
تقرير غولدستون: بداية انعطاف لا نهاية مطاف
-
الفلسطينيون ومنطق الإرجاء والتأجيل الكارثي!
-
تضارب المواعيد الفلسطينية
-
رؤيا الدولة الواحدة.. واقعها وواقعيتها
-
من يمتلك -شجاعة- إنهاء الصراع وانتهاء المطالب الفلسطينية؟
-
أأفغانستان.. نقطة ضعف أميركية مقلقة
-
الاستيطان التوافقي والمفاوضات غير التوافقية!
-
مشنقة الشره الاستيطاني والدولة المستحيلة
-
في الطريق نحو خطة أوباما
-
أهداف الغرب المعجلة والتسوية الموعودة.. مؤجلة!
-
حين تختزل -أسلمة- القضايا بجلباب وحجاب!
-
بين ألق التحرر الوطني والتطلعات السلطوية
-
التدين السلطوي و -فقه- الإمارة لكل حارة!
-
العلاقات الأطلسية - الروسية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|