|
نقد العلمانية (2)
محمد المثلوثي
الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 23:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
حول العلمانية الملحدة: تناولنا العلمانية في الجزء الأول في إطار علاقة الدولة بالدين، وفي هذا المستوى من التناول، وفي مستوى تعريف العلمانية كمشروع للفصل بين الدولة والدين، فان اليسار واليمين الليبرالي يقفان على نفس الأرض ولذلك كان نقدنا موجها لهذين التيارين سواء بسواء. ولقد حاولنا أن نبين أن التحرر الإنساني الفعلي لا يكمن في أسطورة فصل الدولة عن الدين تلك، بل في مواجهة الدولة، وبالتحديد في مواجهة الجمهورية البورجوازية كـ "آخر شكل سياسي يمكن أن يعترف بالملكية الخاصة" (ماركس). لكن لو تناولنا موضوع العلمانية من زاوية نقد رؤية اليسار واليسار الماركسي بالتحديد فإننا سنجد أنفسنا مضطرين إلى تفصيل نقدنا لأساطير فرعية أخرى مثل الإلحاد، العقلانية، التنوير، الحداثة، التقدم، الدولة العمالية...الخ طبعا فان حدود العرض لا تسمح بكذا تفصيل دقيق، لذلك فسنحاول تلمس الموضوع، في هذا المستوى، بشكل عام، أي أننا سنحاول، في الأجزاء الآتية، نقد الجذور العامة لهذه الأساطير الفرعية، مع العلم أن الجزء الأول من هذا العرض يتضمن هو أيضا ملامح نقدنا للعلمانية من منظور اليسار الراديكالي. فلقد بينا مثلا أسطورية ما يسمى بالدولة العمالية (الدولة المتحررة من الملكية الخاصة والدين) كما هي رائجة في الأوساط الماركسية وحتى كما طرحها ماركس نفسه في كثير من المواضع. وحاولنا أن نبين التناقض التاريخي لهذه المقولة، إذ وجدنا أن المصير التاريخي للدولة مرتبط بمصير الملكية الخاصة وليس بعلاقتها بالدين، وأن الواحدة تجد في الأخرى شرطها ومبررها التاريخي. وللأسف فان الاستقطاب الإيديولوجي بين الأناركية الرسمية والماركسية كان قد لف هذا الموضوع بضباب إيديولوجي كثيف بحيث انه يكفي لأحد أن يتعارض مع مقولة الدولة العمالية (دولة البروليتاريا) حتى يصنف كأناركي، بمثل ما يصنف ماركسي لينيني كل من يتحدث عن ضرورة التنظم الثوري للبروليتاريا، وضرورة الإطاحة الثورية العنيفة بالرأسمالية. لكن هذا لن يغير في شيء، في أن الدولة العمالية لا تعدو أن تكون في أحسن الحالات سوى حلم أولائك الذين يسميهم ماركس "عقائديي البروليتاريا الاشتراكيين (...) مؤسسي الشيع الاشتراكية". كذلك حاولنا أن نبين أن صراع اليساريين ضد الدولة الدينية أو الدين السياسي ومواجهتهم لهما بالدولة المدنية والعلمنة إنما هو في الواقع المادي ليس سوى صراع ضد الأشباح الإيديولوجية التي ينتجها الوجود التاريخي للبشر، فالدولة لا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية، أي دولة مسكنها أرض الاستغلال الطبقي وأن التحرر غير ممكن إلا بالإطاحة بهذه الدولة المدنية بالذات. نعود الآن لنقد العلمانية في شكلها الإلحادي.
إن الأساس النظري للحركة الإلحادية هو العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وعزل هذه العلاقة عن وجودها الاجتماعي التاريخي. فالملحد يواجه الاعتقاد الديني (وجود الله) بالاعتقاد في الطبيعة نفسها. أي أنه يعارض فكرة الخلق الإلهي بفكرة أن منشأ الإنسان هو الطبيعة. ومثلما يجد المؤمن البداية والنهاية في وجود الله يجدها الملحد في أزلية وأبدية الطبيعة. ومن هنا تجد الحركة الإلحادية في العلوم الطبيعية سلاحها ضد الأوهام الدينية. وترى أن التحرر من الدين يكمن في تطوير العلوم وفي نشرها على عموم الجماهير وفي المدارس والجامعات. فالملحد يبحث عن تحرره من الدين من خلال العلم، ويعتقد أنه يستطيع استئصال الله من رؤوس البشر من خلال مزيد تعريفهم بالطبيعة والقوانين العامة التي تحركها، كما يعتقد أنه يمكنه مواجهة الدين من خلال محاججات عقلانية (1) واثبات خطأ الأفكار الدينية، ذلك انه يعتقد أن انتشار الأفكار الدينية سببه جهل الناس بالعلم وعدم قدرتهم على التفسير العلمي للظواهر الطبيعية المحيطة بهم، وهذا ناتج، بالنسبة له، عن التخلف وعدم مواكبة ركب الحضارة...الخ لكن الملحد يجد نفسه في كل مرة أمام واقع أن غمامة الدين لم تنقشع برغم كل التقدم الذي شهدته العلوم، رغم انتشار المدارس والجامعات، رغم تطور الوسائل التقنية الحديثة وتحولها إلى منتج شعبي. ويجد أن الدين قد تمطط وتلوى وغير من جلده، لكنه لا يزال سيد العالم، وباستثناء الصدمة الأولى في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فان الدين والعلم عموما استطاعا أن يتعايشا جنبا إلى جنب، وأن يجد الواحد في الآخر ما يبرر وجوده: الدين وجد في العلم بعض ما يمكن أن يكون حججه الدينية الخاصة بينما وجد العلم في الدين تبريره الروحي. وبما أن الملحد لم يعثر على سر بقاء الدين برغم انتفاء الشروط المفترضة لوجوده (القوى الطبيعية الغريبة والتي تمت السيطرة عليها بشكل كبير) فانه اختار في الأخير أن يركن إلى العلمانية بعد أن حورها قليلا فلم تعد تعني فصل الدولة عن الدين تحديدا بل فصل كل الحياة الاجتماعية (الشأن العام) عن الدين. وتلك هي العلمانية الملحدة. لكن لماذا لم تستطع الحركة الإلحادية أن تتحول إلى حركة اجتماعية ثورية للتحرر الفعلي من الدين كما لم تستطع أن تفهم سر بقائه؟ ببساطة لأنها لم تعرف من الأصل الأساس المنشئ للدين. فالملحد ينطلق من عزل العلاقة بين الإنسان والطبيعة عن إطارها الذي لا توجد إلا فيه، فالإنسان لا يرتبط بالطبيعة إلا من خلال الإطار الاجتماعي التاريخي، وعلاقته بالطبيعة هي علاقة اجتماعية وتاريخية، وبهذا المعنى فالطبيعة نفسها لا يمكن فهمها إلا من خلال النشاط المادي والتاريخي للبشر. أي أن الإنسان لا يرتبط بالطبيعة إلا من خلال ارتباطه مع الإنسان، ولهذا تظهر الطبيعة كوجود تاريخي. من هنا يتبين أن منشأ الدين ليس (بالأساس) التفسير الخاطئ للطبيعة أو الخوف من قواها الغامضة (لو كان ذلك صحيحا لكان التطور المهول للعلوم الحديثة، والتقنية قد صفى الدين)، وأن البحث في الدين لا ينطلق من علاقة الإنسان بالطبيعة بل من علاقة الإنسان بالتاريخ. ففي التاريخ ينحل لغز الدين وليس في الطبيعة. يتبين من هنا محدودية الحركة الإلحادية وعجزها عن مواجهة الدين، لا بل أن الدين يجد، في أغلب الأحيان، في الإلحاد مبررا إيديولوجيا لوجوده. ويتبين بالتالي وهم العلمانية الملحدة، سواء في طموحها للقضاء على الدين من خلال حركة تنويرية، فقد بان أن الدين لا يجد لغزه في الجهل، وما يسمى بالتخلف...الخ بل في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي يقيمها الناس فيما بينهم، أو في طموحها لعزل الدين عن "المجتمع المدني" وحرمانه من الفضاء العمومي بدون طرح السؤال عن طبيعة هذا "المجتمع المدني" وتعيينه في تركيبة اجتماعية تاريخية محددة (المجتمع البورجوازي)، وبدون طرح مهمة التخلص التاريخي منه. إن خطأ الحركة الإلحادية العميق يكمن في عجزها عن الربط بين الاغتراب الديني والاغتراب الاجتماعي، الاقتصادي، وعجزها أيضا عن تجاوز ثنائية الطبيعي/ التاريخي، لأنها لم ترى في الطبيعة نشاطا تاريخيا، بل علاقة بين الإنسان المجرد بطبيعة مجردة هي أيضا، لكل ذلك فإنها قد بقيت في عمومها حركة ذات طابع تعليمي (نشر الوعي) ولم تغادر حقل الفكر، وبقيت محافظة، غريبة عن أرض النشاط الثوري، بل معادية له في أغلب الحالات (2). لقد مارست الحركة الإلحادية نقدا ضاريا للدين، وهي تشحذ كل أسلحتها العقلانية والعلمية في مواجهة الشعوذات الدينية، وتتخذ أحيانا من الأبحاث التاريخية سلاحا ماضيا لفضح أساطير الدين، وهي في كل هذا تجهد لنفي سماوية الدين واثبات أرضيته. لكنها في حركتها تلك فإنها تواجه الدين ككائن مستقل له تاريخه الخاص المنفصل عن الوجود المادي للبشر. وهي تناقض نفسها من حيث أنها تبحث عن الدين في سماء الفكر من أجل إلغاءه في أرض الواقع، ذلك أنها لا ترى للدين كمنتج مباشر للحياة العملية وأنه لا ينفصل عنها مطلقا بل تراه كوجود لا تاريخي. فالمسيحية، بالنسبة لها، هي هي مسيحية العصر الروماني والعهد الإقطاعي والعصر الرأسمالي الحديث سواء بسواء. كذلك الإسلام هو هو في القرن السابع كما في العهد العثماني كما في المرحلة الاستعمارية الحديثة، بحيث أنها ترى للدين بعين الدين نفسه (3 ) بصفته جوهرا ثابتا مستقلا عن التطور التاريخي، وهذا ما جعل أبحاثها التاريخية لا تعدو من جهة كونها شذرات مبعثرة وغير ذات قيمة حقيقية ومن جهة أخرى فان هذه الأبحاث وفي أرقى حالاتها تعتمد طريقة تجريدية تعزل بمقتضاها اللحظات التاريخية بعضها عن بعض ولا ترى للتاريخ ككلية وصيرورة وهي في أغلب الحالات تصمت صمتا مطبقا في كل ما يتعلق بالتاريخ الحديث باعتباره، بالنسبة لها، تاريخا منفصلا عن الدين الذي لا يسكن إلا العهود السابقة (الدين تركة الماضي وليس صناعة العصر الحاضر). وفي العموم فالدين بالنسبة للحركة الإلحادية قضية فلسفية، إيديولوجية، فكرية...الخ وليست إطلاقا قضية واقعية، إذ هي ترى (أن المسألة كلها لا تقوم في المصالح الفعلية ولا في المصالح السياسية، بل تقوم في الأفكار الخالصة –ماركس-)، وكل التاريخ يتلخص بالنسبة لها في الصراع الديني، وفي صراع الإلحاد مع الدين، أو هو صراع العقلانية مع اللاعقلانية، صراع الأفكار المجردة عن واقعها المادي. في جانب آخر تعتبر الحركة الإلحادية الدولة كوجود ما فوق تاريخي وغير قابل للتجاوز. والدولة بالنسبة لها هي من يصنع المجتمع وليس العكس. فإرادة الدولة من هذا المنظور هي من يحدد طبيعة العلاقات الاجتماعية المادية بقوة إرادتها. والسلطة السياسية هي من يحدد شكل الملكية وينظم الحياة الاقتصادية وفق رغبات السياسيين أو حكمتهم. فالعالم هنا مقلوب على رأسه تماما حيث الأشكال السياسية هي من يحدد الواقع المادي، والقانون هو من يحدد الملكية مثلما تحدد نزوة القاضي مصير المتهم. لذلك فان كل أفق هذه الحركة ينحصر في تنظيف وتشذيب الدولة من العوالق الدينية. من أجل دولة عصرية، حديثة لا تقدم للدين أي امتياز. من أجل دولة تسير وفق القانون الوضعي وليس الشرائع السماوية. من أجل دولة تقوم على العقل والحكمة الفلسفية. ولأن التاريخ يسير من هذه الزاوية وفقا للقرارات السياسية (4) والتشريعات التي يسنها هذا البرلمان أو ذاك الملك فان تحرير الحكومة من سلطة الدين وتحرير الدولة من اللاعقلانية والشعوذة الدينية كفيل بالتحرر الإنساني. ومن الطبيعي أن مثل هذه الرؤية لا تفعل سوى مواجهة الأشباح القديمة بأشباح الحاضر. ولا تعارض الأوهام الدينية إلا بأوهام الساسة ومذاهبهم. وهي بذلك لا تقوم سوى بتزيين آلة الاستعباد (الدولة) التي تستعملها عبودية فعلية هي عبودية الملكية الخاصة. فبدل مواجهة الواقع التاريخي كما هو موجود فعليا فانه تتم معارضة أحد وجوه أصدائه الإيديولوجية والحقوقية والسياسية بوجوه إيديولوجية وحقوقية وسياسية أخرى. وبدل الإطاحة بالعبودية الواقعية (عبودية العمل المأجور والملكية الخاصة) تتم مواجهة الخيالات والأطياف والآلهة كأنما لها وجود مادي حقيقي، وكأن العبودية الدينية شيئا آخر غير صدى عبودية الاغتراب الاقتصادي. ولكن ماذا تعني الإطاحة بالعبودية؟ وهل الدولة في (شكلها البروليتاري)، أي ديكتاتورية البروليتاريا، أو ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطيين الثوريين، والدولة الديمقراطية الشعبية، هي التي ستقودنا نحو إنهاء العبودية؟ هل هناك دولة دون الملكية الخاصة؟ سنجيب عن هذه الأسئلة وغيرها في مواضيعنا القادمة.
(1) إن القضاء الفعلي، العملي على هذه الجمل، وإزالة هذه التصورات من وعي الناس يتحقق، بتغيير الظروف، وليس بالاستدلالات النظرية –ماركس- (2) إن الثورة، وليس النقد، هي المحركة للتاريخ –ماركس- (3) بينما يعرف أي shopkeeper جيدا جدا كيف يفرق في الحياة اليومية بين المظهر الذي يتظاهر به هذا الإنسان أو ذاك، وبين ما هو عليه في الواقع، لم يتوصل بعد علم التاريخ عندنا إلى هذه المعرفة المبتذلة. فهو يصدق على كل عهد من كلامه، مهما قال هذا العهد أو تخيل عن نفسه –ماركس-. (4) ولهذا لم يكن بوسع هذا المفهوم أن يرى في التاريخ سوى أفعال سياسية مدوية، وصراع ديني، نظري على العموم، وكان، في كل مرة مضطرا، عند وصف هذا العهد التاريخي أو ذاك، إلى مشاطرة أوهام العهد. مثلا، إذا كان عهد ما يتخيل أنه يتحدد ببواعث "سياسية" أو "دينية" خالصة – مع أن "الدين" و "السياسة" ليسا غير شكلين لبواعثه الفعلية- فان مؤرخه يتبنى هذا الرأي -ماركس-.
#محمد_المثلوثي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد العلمانية (1)
-
ماركس والماركسية
-
ايران: الثورة، ومحاولات الالتفاف
المزيد.....
-
عفو «رئاسي» عن 54 «من متظاهري حق العودة» بسيناء
-
تجديد حبس المهندس المعارض «يحيى حسين» 45 يومًا
-
«نريد حقوق المسيحيين» تظاهرات في سوريا بعد إحراق «شجرة كريسم
...
-
متضامنون مع المناضل محمد عادل
-
«الصيادون الممنوعون» في انتظار قرار مجلس الوزراء.. بشأن مخرج
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// في خدمة الرجعية يفصل التضامن م
...
-
جريدة النهج الديمقراطي العدد 585
-
أحكام ظالمة ضد مناهضي التطبيع مع الكيان الصهيوني والجبهة تند
...
-
السيد الحوثي: العدو اعتدى على متظاهرين بسوريا واطلق عليهم ال
...
-
سلطات مدينة إيربيت الروسية تقرر نزع ملابس -ديد ماروز- عن تمث
...
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|