أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - زينات المنصوري - العنف ضد المرأة















المزيد.....



العنف ضد المرأة


زينات المنصوري

الحوار المتمدن-العدد: 173 - 2002 / 6 / 27 - 06:30
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


 

العنف ضد المرأة

حالة تطبيقية / البحرين

العنف والطبيعة البشرية

            هل العنف جزء من الطبيعة البشرية؟ ، هل المجتمع الخالي من العنف حلم مدينة فاضلة يصعب تحقيقه؟  أم أن العنف دخيل على الذات الإنسانية ونتيجة للظروف . لا اعتقد بأن هناك رأي جازم ومحدد يتفق عليه الجميع . إلا أن بات من المؤكد أن العنف بكافة أشكاله وأساليبه اصبح أمرا غير مرغوبا فيه ، وتستعر منه المجتمعات المتحضرة .

            وعلى الرغم من ذلك ومن التطور الحضاري للإنسانية ، وبروز العديد من المفاهيم الدولية الراقية المرتبطة بالعدالة والمساواة الإنسانية . إلا أن العنف ما زال حاضرا وموجودا بكل أشكاله وأنواعه . بل انه في تزايد مستمر كما ونوعا ، كما أن القوانين والأعراف الدولية في هذا الشأن لم تعد كافية بحد ذاتها لتخليص الإنسان من عنف أخيه الإنسان . فأكثر حالات العنف كما وكيفا نراها في اكثر الدول التي تحمل شعار الديمقراطية والعدالة والمساواة وسيادة القانون . أقول هذا ولست متشائمة ، بل قلقة ومتسائلة عن ما يمكن أن يكون حلاً وعاملاً مسانداً لكل الجهود المبذولة من اجل مجتمع خال من العنف وتسوده العدالة والمساواة .

            واذا كانت العديد من مظاهر العنف تحيط بنا ، فإن لعنف الموجه ضد المرأة ما زال هو الاكثر انتشاراً . فقد أظهرت دراسة حديثة في مصر ان 81% من النساء يتعرضن للضرب ، وفي دراسة اخرى جاء فيها ان 76% من نساء لبنان يتعرضن للضرب ، وتبلغ النسية 77% في اليابان . ولا يقتصر العنف ضد المرأة على الدول النامية او الفقيرة ، بل انه يتسع ليشمل كافة المجتمعات باختلاف بنائها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، فالعنف في الولايات المتحدة على سبيل المثال هو الاكثر على مستوى العالم.

            ولا يقتصر مفهوم العنف ضد المرأة على الأذى الجسدي فقط وانما يتسع ليشمل كل ما قد يطال المرأة ويتسبب في أذاها جسديا ومعنويا . وقد عرف إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر بتوصية من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1993 م بأن العنف ضد المرأة هو : " أي عمل مبني على أساس النوع ، والذي يؤدي ، أو احتمال أن يؤدي إلى أذى مادي أو جنسي أو معنوي أو معاناة للمرأة ويشمل التهديد بهذه الأفعال والإكراه ، او الحرمان من الحرية ، سواء كان حدوثه في الحياة العامة أو الخاصة " .

            كما أوضح الإعلان وعلى ضوء هذا التعريف الأشكال والحالات التي تقع ضمن خانة العنف ضد المرأة وذلك على النحو التالي بحيث شملت كل أنواع العنف المادي والجنسي والمعنوي الذي يحصل في الأسرة ، أو في المجتمع.  ويشمل الضرب، الاغتصاب أثناء الحياة الزوجية، وجميع العادات والأعراف السائدة التي من شأنها إلحاق الأذى بالمرأة .  وتشمل حالات العنف ضد المرأة الأعمال القائمة على استغلال المرأة.  أو التحرش الجنسي بها أثناء العمل أو في المعاهد التعليمية وأي مكان آخر .كما تشمل تجارة الرقيق البيض بالمرأة.  والدعارة الإجبارية .  والعنف الذي قد يمارس من قبل الدولة.

            وقد أعطى هذا المفهوم معنى واسع للعنف بحيث شمل  التصرفات التي تصدر من الأفراد أو من الدولة بالإضافة إلى القوانين والسياسات القائمة على التمييز ضد المرأة وتتسبب في بروز أشكال من العنف المختلفة ضدها.

أسباب العنف ضد المرأة

يرى الباحثون أن العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية يعود للعديد من الأسباب منها:

1.       الموروث الاجتماعي الذي يرى المرأة جنس بشري من الدرجة الثانية وأن سبب وجوده هو خدمة الرجل والحفاظ على النوع البشري وقد عزز التفسير الديني الخاطئ هذا الموروث وأعطاه حالة من الاستقرار والقبول اجيالا طويلة.

2.       التشريعات القانونية المنظمة للعلاقات المجتمعية والتي اتت لتدعيم الفكر السائد وتؤكد مشروعيته مما افرز تشريعات تعطي الشرعية لبعض حالات العنف التي تمارس ضد المرأة بالإضافة إلى غياب أساليب الردع المجدية والعقوبات الكافية ضد الجاني عند ارتكابه جريمة عنف ضد إمرأة.

3.       صورة المرأة في الإعلام بكافة أشكاله، وتدعيم مسألة التمييز وتقبل أنماط من العنف ضد المرأة في برامج التربية والتعليم واستغلالها بشكل غير سليم في البرامج السياسية والاقتصادية وغيرها.

4.       يرتبط العنف ضد المرأة بالعديد من الظواهر الاجتماعية السلبية كالإيمان والبطالة والقهر الاقتصادي والسياسي.

 

أشكال العنف ضد المرأة في الواقع المحلي

            على الرغم من أن الدساتير العربية بشكل عام، ومنها دستورنا الوطني، لم تفرق بين الرجل والمرأة عندما نصت على أن جميع المواطنين في البلد يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات، دون ان تميز بين الذكر والأنثى.  وعلى الرغم من أن المرأة العربية قطعت شوطاً واسعاً في طريق العدالة والمساواة الإنسانية بينها وبين الرجل، وحققت العديد من الإنجازات في الحياة العامة، فأصبحت وزير، وقاضية، ورئيسة لمجالس إدارات، وسيدة أعمال، وترأست تحرير عدد من المجلات، كما أصبحت نائبة في المجالس الانتخابية وعضواً في مجالس الشورى وفي المجالس القومية والبلدية المتخصصة.  إلا أن مشوار تحقيق العدالة والمساواة مازال طويلاً، ومازالت في الحياة الخاصة تعاني من تمييز وعنف واضطهاد.  كما أن سن القوانين المنصفة والعادلة في الحياة العاملة لم تقف عائقاً أمام الموروث الاجتماعي المثقل بأفكار شابها التمييز ومؤسسة على سيادة الرجل وتبعية المرأة.  وكلنا يتنكر الوزيرة في مصر التي تفاجأت بوجود قرار بمنعها من السفر استصدره زوجها ضدها تأسيساً على حقه كرجل في ذلك، ولم يشفع لها وضعها ودورها الاداري العام في منع هذا القرار.

            في البحرين.  ونحن نعيش هذه الأيام أعراس لم الشمل، والإنصات للرأي الآخر تحت خيار الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية بين كافة فئات المجتمع.  ومع ما تمر به البلاد من حالة من المتغيرات الشاملة على كل أفراد المجتمع وقطاعاته.  فإن مناقشة قضايا المرأة وما تعاني منه من حالة تمايز واضحة وجلية في العديد من الأوضاع والقوانين: الجنسية، الجوازات ، الإسكان، العقوبات، المخالفات المدنية، الأحوال الشخصية وغيرها أمر ضروري وملح، واعتبار ما تحقق للمرأة من مكاسب فردية ذات طابع عام عبر دخولها مجلس الشورى وتعليها وظائف إدارية عليا كانت حتى عهد قريب حكراً على الرجل، ومشاركتها في لجنة الميثاق والاستفتاء العام عليه.  يجعل الوقت مواتيا لتصحيح أوضاع المرأة البحرينية بحيث تواكب الوضع العام السائد المتجه نحو مزيد من العدالة والمساواة وأن تكون جزء من التحويلات التي تجري في المجتمع وأن تشارك فيه عبر شعار تجذير مبدأ المساواة الثابت بين الجنسين في الدستور.  والمساعي لتعديل القوانين والأوضاع السائدة والمنافية لذلك.

            ولأن مفهوم العنف ضد المرأة واسع ويشمل جميع النواحي الحياتية للمرأة في المجتمع ومرتبط إرتباط وثيقاً بمفهوم التمييز الذي تعاني منه مما يجعل من الصعب تناوله في محاضرة واحدة فإنني سأحاول خلال السطور القادمة تسليط الضوء على بعض أشكال التمييز التي تتدرج تحت خانة العنف وتعاني منها المرأة لدينا في البحرين مجتمعنا فيما يتعلق ببعض القوانين والأعراف المحلية السائدة.  وأسرياً في الحياة الخاصة.  وأترك ماعدا ذلك لما قد يثار من مناقشات من قبلكم.

 

العنف الموجه ضد المرأة أسرياً 

            وهو أكثر أنواع العنف شراسة، وأكثرها إنتشار وتأصلاً، حيث أن سمة الشرعية تغلب عليه في أكثر الاحيان، ومن أسباب استمرار وتأصل حالات العنف الاسري ضد المرأة لدينا، الاستخدام الخاطىء للدين.  وتبرير افعال العنف تجاه المرأة من خلال تفسير آيات القرآن الكيرم، والأحاديث النبوية الشريفة، بخصوص القوامة والطاعة، وتعدد الزوجات، وحق الرجل المطلق في الطلاق، وحقه في تأديب زوجته.  بالإضافة إلى تخلى المجتمع والدولة عن مسؤوليتهم تجاه هذا النوع من العنف ، وإعتباره من الشئون الخاصة.

            كما أن حالاته تمس كينونة المرأة الانسانية، وتحط منها بشكل عبرت عنه منزلها قائلة :"تعز علي نفسي أن أكشف ما أعاني منه أمام الغير فأصبح مهانة ومسكينة هنا في البيت وهناك خارجه بين الناس، فأنا لا أتحمل نظرة اشفاق" .  ومن ثم فإن أغلب الصرخات تختنق داخل الجدران لتبقى المأساه خرساء، ولا يصلنا منها إلا أقل القليل .

            وفي صدد معالجة أشكال العنف الأسري ضد المرأة لدينا في البحرين وتسليط الضوء عليها.  تجدر الإشارة إلى غياب الإحصائيات الرسمية في بيان حالاتها وأسبابها ودوفعها ونتائجها .  على الرغم من انتشارها.  مما يعني التفات المجتمع عنها أو قبولها كأمر طبيعي لا يحتاج لكل ذلك.

            إن غياب قانون الأحوال الشخصية، ينظم العلاقات الأسرية في كافة مراحلها، بشكل يتوافق مع المبادىء العامة للعدالة الإنسانية، التي يجب أن تكون أساساً للدين وجوهره.  وترك الأمر في حالة نشوء أي نزاع، لتقدير القضاة والمحاكم الشرعية بكل ما تحمله من موروث اجتماعي متأصل، ومرتبط بفكرة سيادة الرجل وهيمنته في المنظومة الإجتماعية " الأسرة" .  يشكل حالة من العنف المضاعف على المرأة لدينا، عند التفكير في اللجوء إلى القضاء، أو اثناء مراحب التقاضي الطويلة.

            إن حالات العنف الأسري ضد المرأة تنشأ لدينا منذ البداية .  بداية حياة المرأة.  فالرجل الأب يلعب دوراً أساسياً في ممارسة الفتاة لحقها في التعليم، وفي العمل، وفي الإنفتاح على العالم الخارجي حولها.  ويستمر ذلك التقيد من خلال سلطة الولد أو الولي في تزويج الفتاة دون موافقتها أو أخذ رأيها. وتزويجها في سن مبكر وقبل أن تعي مسؤولياتها، وذلك في ظل غياب تشريع يحدد الحد الأدنى لسن الفتاة عند زواجها.

وتجد الاشارة هنا أن الاحصائيات الرسمية سجلت لدينا تزابد حالات تزويج الفتيات لدينا دون الخامسة عشر بارتفاع قدره 36% في سنة 1998م عنه في سنة 1997.وعندما تخرج الفتاة لدينا من سلطة الأب فإنها تدخل في سلطة الزوج الذي له عليها حق الطاعة.ويكون واجب عليها القرار في المنزل وعدم الخروج منه إلا بإذنه. ويمتد حقه في منعها مواصلة التعليم أو العمل. وتكون كل تلك الحقوق للزوج كونه رجلا فقط بعيدا عن أية أحكام دستورية أو قانونية، أو أية أعراف ومفاهيم دولية. ويترتب على هذا الحق  وذاك الواجب نتائج تشكل حالة غير متوازنة في العلاقة بين الطرفين، تؤكد تسلط طرف وخضوع آخر. وتجعل حياة الزوجة مرهونة بفكر زوجها ورأيه في دورها وإنسانيتها، ومدى تقبله لعملها أو تعلمها، واقتناعه بالمبادئ الإنسانية في العدالة والمساواة.

            سلطة الزجر والتأديب والضرب أيضا المقررة لدينا للزوج، إن خرجت الزوجة عن طاعته أو منعت عنه حقا من حقوقه المشروعة، تعطي شرعية قانونية لكل ما يقدم عليه الزوج من عنف جسدي ومعنوي ضد زوجته. فالضرب إذا لم ينتج عنه عاهة مستديمة أو لم يترك علامة مؤقتة، لا يوصف بالمبرح الذي يخرج عن سلطة الزوج في تأديب زوجته، ولا يوصم بالفعل الذي تضار منه الزوجة.

بمعنى آخر  أن حق الزوج بالضرب، واستخدام أشكال العنف الأخرى من زجر وحبس. وعلى الزوجة أن تثبت التعسف والضرر في استخدام الزوج لهذا الحق فقط.

حق الزوج في منع النفقة عن زوجته إن هي خرجت عن طاعته يشكل عنفا على الزوجة التي تجد نفسها في كثير من الحالات غير قادرة على الانفاق على نفسها ودون معيل أيضا.

وهناك الكثير من الحالات التي تضطر فيها المرأة إلى قبول أشكال من العنف الجسدي والمعنوي لانعدام قدرتها على الاستقلال المادي.

أما حق الرجل المطلق لدينا في الطلاق، وعدم تقيده بأي إجراء أو تقنين، يجعل الزوجة تعيش حياتها الزوجية وهي تشعر بأن هناك سيفا مسلطا عليها، يمكن أن يقطع أواصر حياتها الزوجية دون أن تتمكن من التدخل أو تقيده.

ويستوي في ذلك حق الرجل في التعدد الذي يؤخذ على اطلاقه وعدم قدرة الزوجة على التدخل فيه. بل عن الحق المطلق للرجل في هذا الصدد شانه شأن الطلاق لا يرتبط بأي سبب لاثبات مشروعيته وعدم تعسف الزوج في استخدامه. فلا يحق للزوجة بناء على ذلك المطالبة بالتعويض للضرر الذي وقع عليها بسبب طلاق جائر أو تعدد. كما لا يحق لها بالمقابل طلب التفريق لذات الأسباب.

            ويستمر مسلسل العنف ضد المرأة عندما تلجأ إلى المحاكم، بأي طلب في مواجهة زوجها، من إنفاق أو حسن معاشرة أو أية حقوق أخرى. وعند طلب التفريق للضرر فإن الأمور تزداد سوء مع قواعد الاثبات الغير عادلة في هذا الشأن والتي ترفض على سبيل المثال شهادة أقارب الزوجة لاثبات أية واقعة. على الرغم من خصوصية الوقائع. فعلى سبيل المثال لا تقبل محاكمنا شهادة الأب أو العم أو الخال أو الأخ أو الأخت أو الأم، باعتبارهم "أصحاب مصلحة" لإثبات واقعة هجر الزوج منزل الزوجية. ولكم أن تتخيلوا مدى تعقيد الأمر خاصة وأن الشهادة يجب أن تكون متعلقة بمعرفة الشاهد للواقعة شخصيا. ولم يسمعها من الزوجة أو من "أصحاب المسألة" . وفي إحدى الحالات إضطرت الزوجة إلى البحث على أربع صديقات تناوبن المبيت لديها لمدة تجاوزت الشهرين لاثبات الواقعة على اعتبار أن شهادة امرأتين تعادل شهادة واحدة.

وبعد الطلاق يكون الوضع أكثر عنفا على المرأة، التي تجد نفسها دون أية حقوق خاصة بها كإنسانة، ولكم أن تتخيلوا مثلا دائم التكرر في زوجة وجدت نفسها بعد أكثر من ثلاثين عاما قضتها في خدمة زوجها وأسرتها معا، مطلقة دون عائل ودون أي مصدر لعيش. وتجدر الإشارة هنا بأن القوانين الأخرى المرتبة لحقوق الأسرة جاءت لصالح الزوج فقط دون الزوجة. وما جاء في قانون الإسكان دليل واضح على ذلك إذ استثنى الزوجة من أية إفادة مباشرة من الامتيازات المقدمة للأسرة بموجبه، سواء أثناء قيام الحياة الزوجية أو بعدها.

وتعاني المرأة كثيرا من نتائج الطلاق في حالة وجود الأطفال. سواء فيما يتعلق بالنفقة الخاصة بهم أو تقديرها أو إلزام الزوج بها. كما تعاني من استغلال الزوج لارتباطها العاطفي بابنائها بأخذ المزيد من التنازلات في هذا الشأن في سبيل بقائهم لديها، ومن المؤسف أن محاكمنا تقبل بذلك باعتبارها اتفاق بين الطرفين على الرغم من أن هذا الاتفاق يكون في أغلب الأحيان تحت ضغط وعنف معنوي يمارسه الزوج ضد زوجته وهو في المقام الأول مخالف لأحكام الشرع.

 

حقوق المرأة في حال تعرضها للعنف المجرم طبقا لقانون العقوبات

لم يحظ ضرب الزوجات مع ما يشكله من ظاهرة واسعة الانتشار أهميته خاصة لدى المشرع البحريني، فالقوانين المحلية لا تميز بين معاقبة العنف ضد المرأة وبين العنف ضد الأفراد بوجه عام، فإذا اعتبرنا التعدي على المرأة بالضرب من الأفعال الجرمية المقصودة فإن قانون العقوبات البحريني لا يعاقب عليه إلا بالسجن مدة تتراوح بين سبع سنوات إذا أفضى الضرب إلى وفاة المجني عليها. وبين السجن لمدة لا تزيد على سنة أو الغرامة التي لا تتجاوز مائة دينار إذا لم يفضي الاعتداء إلى مرض المجني عليها وعجزها عن مزاولة أعمالها الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما.

إلا أن المادة 16 من قانون العقوبات البحريني تنص على أنه "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون أو العرف "لأمر الذي جعلها تفتح الباب أمام قبول بعض أشكال العنف ضد المرأة باعتبارها جزء من الأعراف المتفق عليها والسائدة في مجتمعاتنا التي ما زالت تعتبر أن لرجل الحق في ضرب المرأة أو حبسها في المنزل وممارسة أشكال العنف والتمييز ضدها.

ومن الجدير بالذكر أن منع جميع أشكال العنف الموجه ضد المرأة والقضاء عليها لا يمكن أن يتحقق إلا بتعديل القانون الوطني، باعتبار أن العنف الموجه ضد المرأة جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون. ولا نعتقد بأن هذا الاعتراف يتعارض مع مبدأ المساواة، فالمساواة لا يمكن أن تتحقق بدون عدالة والعدالة تتطلب إزالة كافة أنواع العنف من التمييز القائم على الجنس والعرق واللون والديانة وغيرها، وفي هذا الصدد يجب على المجتمع وعلى أصحاب القرار السيسي الاعتراف بوجود هذه الظاهرة وتفشيها في المجتمع، والاعتراف بالمسؤولية العامة والخاصة تجاهها ومن ثم سن القوانين الضرورية لردعها، أما بالنسبة لجريمة الاغتصاب فعلى الرغم من أن المشرع أولادها أهمية بالغة وتدرج في الارتفاع بالحد الأقصى لعقوبتها لتصل إلى السجن المؤبد والإعدام طبقا لنص المادة 344 من قانون العقوبات المعدل والتي نصت على انه: " يعاقب بالسجن المؤبد إذا كانت المجني عليها لم تتم السادسة عشرة. ويفترض عدم رضاها إذا لم تتم الرابعة عشرة. إلا أنه يؤخذ على المشرع ما جاء في نص المادة 353 التي جاء فيها أنه " لا يحكم بعقوبة ما على من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة فذا عقد زواج صحيح بينه وبين المجني عليها. فإذا كان قد صدر عليه حكم نهائي قبل عقد الزواج يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجانبية".

وبالنظر إلى آثار الاغتصاب الاجتماعية على المرأة الضحية وأسرتها، وموقف المجتمع منهم. فإن الكثير من الحالات تنتهي بتزويج الضحية إلى المجرم، تبتغي الأولى منه الهروب من الفضيحة، ويأمل الثاني الخلاص من العقوبة. وفي النهاية تصبح الضحية ضحية لعنف جديد، طالما شهدته محاكمنا الشرعية.

 

العنف ضد المرأة وقانون المخالفات المدنية

كما أن الاستثناء الوارد في نص المادة 9 من القانون بعدم سريان أحكام هذا القانون، جاء على المخالفات المدنية التي يرتكبها أحد الزوجين ودون تمييز، ضد الآخر، إذا وقعت قبل الزواج أو خلال قيام الزوجية بينهما.

وعلى الرغم من تلك المساواة إلا انها لا تحقق العدالة. وتعطي جرائم العنف التي ترتكب ضد المرأة من زوجها أو أقاربها من الدرجة الأولى شأنا خاصا لا يجوز التدخل فيه. ولا يكون للمرأة سبيل بعد ذلك إلا اروقة المحاكم الشرعية التي ما زالت تتمسك بمشروعية ضرب الزوج لزوجته وزجرها، تحت بند حق الزوج في تأديب زوجته، إن خرجت عن طاعته.

إن الاعتراف بأن المرأة هي المجني عليها في أغلب الحالات، وإن العنف ضدها يشكل ظاهرة يجب التصدي لها. ومسؤولية مجتمعية يجب معالجتها كغيرها من المسؤوليات والحقوق العامة والخاصة. والاقرار بأن أكثر حالات العنف الموجهة ضدها تكون من أقاربها من الرجال وفي أغلبها من الزوج. وإن العنف الموجه ضد المرأة مهما كان نوعه ومصدره جريمة يجب ردعها. وإنه يرتب حقا عاما وخاصا يجب المحافظة عليه يتطلب إلغاء هذا الاستثناء وتعديله بشكل يحقق العدالة والمساواة ويحافظ على الروابط الأسرية واستمراريتها بشكل إيجابي.

 

أهمية القوانين والتشريعات في الحد من أشكال العنف ضد المرأة

على الرغم من أنني بدأت حديثي معكم بعدم كفاية القوانين والتشريعات والأعراف المحلية والدولية بحد ذاتها فقط لمنع العنف ضد المرأة. إلا أن هذا لا يمنع من تأكيد دورها القيادي في ذلك، خاصة في مجتمعاتنا الحديثة نسبيا. فالتشريعات والقوانين هي جوهر البناء المؤسسي للدولة، وهو أساس ضبط العلاقات المختلفة والمتعددة في المجتمع كافة، وفي بيان الحقوق والواجبات المترتبة عليها.

ولما كانت مجتمعاتنا تعاني فيما يتعلق بشؤون المرأة وقضاياها من موروث اجتماعي متغلغل في العمق يعززه التفسير الخاطئ للدين، وتعطيه الأعراف وبعض القوانين سمة الشرعية، فإن حاجتنا إلى تغيير الأنماط القانونية والتشريعات الراهنة بشكل يحقق مبدأ العدالة والمساواة الاجتماعية بين كافة أفراد وفئات المجتمع أمر ضروري وملح. ويلقي بمسؤوليته على كافة المهتمين بقضايا حقوق الإنسان، من اجل وضع خطة متكاملة للنهوض باوضاع المراة البحرينية وحل مشكلاتها بشكل مدروس يحقق الثبات والاستمرارية وأن تحدد برامجها المرحلية والمستقبلية وأن تساهم في إيصال صوتها إلى الإدارة السياسية بالبدن وتجعلها تتبنى تلك القضايا.

 

اقتراحات للحد من العنف ضد المرأة

إن إيجاد الحلول الشافية من حالة العنف ضد المرأة يتطلب عملا وجهدا يتراكم في ضمير البشرية، ويزيل كافة التراكات والموروثات المنتجة والمحفزة له، والتي استقرت منذ ما لا يمكن تحديد بداياته. وفي سبيل ذلك سيكون لكل مرحلة ولكل زمان ومكان أولويات عمل، تتراكم لتصب في تحقيق الهدف، واسمحوا لي بالمشاركة والاشارة إلى بعض الاقتراحات التي قد تتناسب مع معطيات المرحلة وما تمر البلد به من متغيرات إيجابية يجب أن يكون لقضايا المرأة دور فيها:

 

1.       السعي من أجل الاعتراف بأن العنف ضد المرأة بكافة أشكاله جريمة مجتمعية عامة وانتهاك صريح لكيان المرأة يجب أن يعاقب عليه القانون، وأن على الدولة توفير الحماية اللازمة للنساء اللاتي يتعرضن للعنف.

2.       اصدار قانون للأحوال الشخصية ينظم العلاقات الانسانية للمرأة والرجل قائم على مبدأ العدالة والمساواة.

3.       تشكيل لجنة عليا متخصصة من المنظمات والشخصيات المهتمة والمتبنية لقضايا المرأة يمكن أن ينبثق عنها لجان فرعية من أجل دراسة وضع المراة في القوانين السارية وتقديم مقترحات بشأن تعديلها أو سن الجديد منها بما يمنع العنف ضد المرأة ويلغي كافة أشكال التمييز ضدها، وأن تقدم تلك المقترحات للسلطة السياسية المعنية باتخاذ القرار السياسي وتحديدا لجنة تفعيل الميثاق مع أهمية أن يتواكب ذلك مع خطط للتوعية القانونية والاجتماعية تستوعب وتتوجه إلى كافة فئات المجتمع.

4.       كشف حالات العنف التي تعاني منها المرأة بصمت والإعلان عنها وإعداد الدراسات الميدانية حول كافة أشكالها، ثم وضع برامج توعوية لمحو الأمية الحقوقية القانونية بين أوساط كافة أفراد المجتمع.

5.       الاعتراف بدور اللجان والمكاتب التابعة للجمعيات النسائية وغيرها من المؤسسات الاجتماعية المدنية والمختصة بشكاوي النساء اللاتي يتعرضن للعنف وتفعيلها ودعمها والسعي لانتشارها.

6.       الخروج من هنا بتوصية تؤكد على أهمية وضرورة أن تنضم البحرين لاتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وكافة القوانين الدولية الأخرى المتعلقة بحقوق المرأة الإنسان.

7.       إعطاء مؤسسات المجتمع المدني المتبنية لقضايا المرأة حرية نشر تلك القضايا وبلورة الرأي العام حولها، وتوسيع دورها الريادي باعتبارها إحدى أدوات المجتمع المدني المقرة.

تغيير صورة المرأة في الإعلام بكافة أشكاله وإبراز قضايا العنف التي تعاني منها المرأة والوصول بها إلى أوسع القطاعات ومنتديات الحوار على الانترنت.

تولية البرامج التعليمية والتربوية الموجه للنشئ الجديد أهمية كبيرة وتخليصها من كافة الأفكار القائمة على التمييز أو القبول بالعنف ضد المرأة.

وفي النهاية فإن المشوار ما زال طويلا. بل أنه في بداياته الأولى، حتى تتغير العقلية، وتصبح المرأة إنسانا ذو كيان اعتباري ثابت، لا يمكن في أي وقت التنازل عن حقوقه والتضحية بمكتسباته.               

amanjordan.org Home


#زينات_المنصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن ...
- ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...
- الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي ...
- تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
- فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - زينات المنصوري - العنف ضد المرأة