|
أحمد شاملو رائد قصيدة النثر في الشعر الإيراني الحديث
کمال سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 2830 - 2009 / 11 / 15 - 21:47
المحور:
الادب والفن
مرّ الشعر الإيراني مثل نظيره من الشعر غير الأوربي بمرحلة اتجهت فيه نحو التخلص من هُوية الموروث ، فهو حالياً يعتمد نمطاً يوازي به ( قصيدة النثر ) الموجودة في العالم، أو تيك التي تستخدم عند أغلب الشعراء العرب، بخاصة شعراء المهجر . ويطلق على هذا الشعر في إيران تسمية : ( شعر سبيد ، تُقرأ الباء :P ). ويسمّيه الناقد الأكاديمي سروش شميسا بـ : (شعر موج) ويدافع عن هذه التسمية ـ مع العلم أنه من أشدّ النقّاد له ـ وقد دعا الشعراء في أكثر من مرّة إلى التمسك بقواعد الشعر الموروث مع محاولة التطوير ، كما فهمنا من كتابه (سبك شناسي شعر) . وترجمة : ( شعر سبيد ) الحرفية هي : الشعر الأبيض . ونحن من أجل التقريب بين التسميات الموضوعة لمسمّىً واحدٍ ، وكذاك بغية خلق الأنس لدى الذهن ، يمكننا أن نطلق على : (شعر سبيد) تسميه : (قصيدة النثر الإيرانية) في ضوء الدقة ؛ وذلك لأنها تتمتع بخصائص قصيدة النثر تماماً من حيث المادة والصورة والقالب ـ كما هو واضح ـ ثم من منطلقنا الفلسفي الذي نتبناه في المجال الثقافي العام نرجح تسمية :(قصيدة النثر الإيرانية) وسنترك استخدام مصطلح : (شعر سبيد) أحياناً للشعراء الإيرانيين يستخدمونه بينهم ، إذاً : لا غرابة إذا استخدمنا التسمية الثانية على هذا النمط من الشعر . ويعود تاريخ هذا الشعر بالتحديد إلى تيك الفترة التي انطلق فيها الشعراء الإيرانيون يتابعون ثلّة من شعراء حركة الإبداع في العالم كـ : جون بيرس.. حيث رمى الشاعر في نصوصه الحديثة الوزن والقافية إلى حظيرة المورث واعتمد على موسيقى اللغة وعناصر البلاغة أو الأسلوبية.. ويرى بعض نقاد الإيرانيين أن هذا الشعر ( شعر سبيد ) انطلق في الساحة ـ للمرة الأولى ـ بواسطة جهود الشاعر الراحل أحمد شاملو ، إلاّ أن ثمّة ملاحظات تقدم في هذا الجانب ، وهي في أن هناك خطأ بيّن قد حصل في إطلاق التسمية على هذا الشعر ؛ وذلك لأن أحمد شاملو قرأ نماذج من : Blank Versre وهذا الشعر لا يكون خال من عنصر الوزن والقافية بالتمام ، ويعتمد على عنصر التفعيلة كأساس ـ كما في بداية حركة الشعر الحرّ أو المسمى بالتفعيلي ـ ولكن لا يلتزم الشاعر بالقافية في الأعمّ الأغلب ؛ بينما شاملو قدّم قصائد نثرية قفز بها كثيراً حيث لا قافية ولا وزن.. وصارت على وتيرة تيك التي تسمّى في أمريكا بـ : Free Verse وفي فرنسا بـ Verse libre ومن هذا المنطلق صارت لدى شاملو قفزة دون أي عمد أو تنظير أبعدته خارج ما فهمه.. ولمّا كان هذا الشعر غير معهود في ذهنه ، فخَلطَ بين الشعرين وقدم نتاجه الشعري الذي خال من الوزن والقافية باسم (شعر سبيد) قاصداً : Blank Versre ، ضاناً انه طليق من كل شرط ، وهو في الحقيقة يسير على مسار : Verse libre أو Free Verse . والذي وقع بهذا الخلط هو الشاعر الكبير أحمد شاملو نفسه . ومن هذا المنطلق وجد النقاد لا علقة بين الاسم والمسمى.. وان ثمة خطر على الشعر الإيراني حيث الشاعر ذا ما افرز حينها بين نتاجين من الشعر! وصار هذا المورد سبباً لنقد أحمد شاملو! وهذا صحيح يمكن قبوله لان Blank Versre هو أول شعر تطلع عليه الشعراء الإيرانيون . ومجمل القول : لو كان الشاملو يقصد Free Verse ربما لم يسمِ الشعر بـ (شعر سبيد) وكل ما هناك أن الشاعر أخطأ في وضع التسمية . ومن جهة تصورنا أن هذا الكلام لا يمكن الاحتجاج به لهشاشة المورد لنفترض انه علم وسمى ، ما المانع من ذلك ؟ وهل تسمية سروش شميسا (شعر موج) جاءت توافق الاسم الأوربي ؟ كلام لا يخفي وراءه أي جدوى . وعلاوة على الومضة التي قدمناها حول وقوف شاملو في صعيد الريادة والإبداع.. ، ثمّة شبيهُ إشكالٍ أيضاً يعترضنا في تثبيت هذا الوجه من الكلام ، يسرده البعض. ويرى هؤلاء أنّ شاملو ليس هو الرائد لقصيدة النثر الإيرانية كما يقال عنه ، وهذا يذكرنا بحديث الراحلة نازك الملائك إذ تعتبر ما قبل ميلاد الشعر التفعيلي إرهاصات وليس إبداعاً ، وتعني بذلك بعض المحاولات التي جرت في عصر الانحطاطي الذي أبداع فيه شعراء الحـويزة : (شعر البند) ـ أعني بالشعراء : الشاعر العراقي الحـويزي الأصل ابن معتـوق الحـويزي 11 هـ. ويذكر أن هذا الشعر انطلق من الحـويزة إلى العراق والبحرين والحجاز و.. ـ فهنا نجد الأخذ والرد في انتساب الإبداع هو نفسه الذي يوجد في الحديث عن منطلق الشعر التفعيلي الذي تجاوزناه بكثير من الخطوات إلى قصيدة النثر . وفي هذا يقول محمد شفيعي كدكني ـ شاعر كبير على غرار يوسف سعدي وعلي الجندي ـ : « لا يُعدّ شعر شاملو هو المنطلق الأول في هذا الجانب ، وإنّما قبله جهود كثيرة بذلت حتى توصّل إلى ما هو عليه » . وهنا يمكن أن نرّد ـ من حيث وجه اشتراك الموضوع في الآداب والفنون عند الشعوب.. ـ على أن هذا الرأي غير صائب ؛ وذلك لما ساد من تصور في الأذهان حول مفهوم الإبداع . يتصور البعض أن الإبداع ـ بكل أنماطه ـ يجب أن يأتي من العدم ـ كما يقال فلسفياً ـ .. وفي الحقيقة إن مفهوم الإبداع أمر مشكك لا ينطبق على النصوص والنظريات في الأدب والفن.. بالنسبة الواحدة ويمكن أن يوجد في موارد نتصور أن الانتزاع الأدبي والتأليفي هما الأهم في هذا المجال.. وعلى فرض أن هناك جهود كانت قبل ُ، هذا لا يعني شيئاً كثيراً يمكنه أن يخدش بصورة الإبداع الذي لم يكن سائداً بالأمس . تَحِلُّ تجربة الشاعر أحمد شاملو في :(قصيدة النثر الإيرانية) المرتبة الثانية في الشعر الإيراني الحديث بصورة عامة ، ولكن إذا حاولنا ملاحظتها من حيث الطول الأفقي للإبداع فلاشك هي التجربة الأولى من نوعها . والتجربة الأولى التي لم يعهد بها الشعر الإيراني ـ بالمرة الواحدة ـ كانت بيد رائد الشعر التفعيلي : نيما يُوشيج ، المبدع الذي خرج على الأوزان العروضية التقليدية في إنشاد الشعر ، واعتمد في شعره على الوزن الحرّ أو طليق Free Verse ، وترك هذاك الوزن المقيد بسمة السداسي والرباعي.. وراءه ليلتحق بشعر الخيام الفيلسوف ، والكنجي الحكيم ، وأبي الخير الصوفي ، والسعدي الشيرازي.. وقد عرف شعر نيما يُوشيج بعده بـ : ( شعر نيمائي ) . وبعد رحيل نيما يُوشيج خلت الساحة ليدخلها جيل آخر من الشعراء ، ولما وصل الدور إلى شاملو ـ وقد عايش تجربة هذا الشاعر ـ حاول أن يضيف عليها من تجارب الشعراء الأمريكيين والأوربيين ، بعد إذ بسط الشعر النيموي مِظلّته لفترة طويلة تقرب من أربعين عاماً على مخيلة الشعراء الإيرانيين بصورة عامة . لقد أراد شاملو أن يجعل الشعر طليقاً من كل قيد موروث ـ حتى التفعيلة ـ ساعياً لتقريبه من الشعر العالمي الحديث ، وكان يهدف في هذا أيضاً إكمال مسيرة الإبداع التي بدأ بها المبدع نيما يوشيج ؛ ومن هذا المنطلق يحدثنا قائلاً : « شعرنا [الإيراني] اليوم هو مَدين لشعراء فترة الأربعينات حتى الستينات من شعراء العالم ـ وكذاك لغات الشعوب أيضاً ـ منهم : بول ألوار ولوركا روبير دسنوس ونيرودا وسنغور وميشو.. فهؤلاء هم الذين أطلعونا على خبايا ومستويات هذا الشعر ، وأراحونا من سياج القافية والوزن وقالب الشعر العمودي ، وتجربة نيما يوشيج في الحقيقة ـ وإن كان هو الرائد الأول في هذا النطاق ـ لم تعدُ مرحلة الاختلاج ، إلا أن نداءاته المتتالية أيقظتنا من النوم العميق.. » . وفي ضوء هذا الإبداع النيموي الجديد انطلق شاملو واضعاً شعره على التجربة نفسها في مجموعته الشعرية :( هواي تازه = الهواء النقي ). ولم يكتفِ بهذا القدر من الإبداع ، وإنما بدأ يقرأ لكبار شعراء العالم ـ بمختلف لغاتهم ـ وكرّس لقراءة المجلات الشعرية التي تصدر في فرنسا ، وتعرّف على : لوركا وجون بيرس.. ويصرح هو نفسُهُ أن منطلق شعره الحديث يعود إلى متابعته الدؤوبة لنتاج الشاعر الفرنسي : بول ألوار . يقول في هذا المورد : « كدت أن أصاب بالتزمت في معايشتي للتجربة النيموية ، وفجأة وجدت بول ألوار ، وعِبره استكشفت صميم الشعر الأصيل.. » . لقد حاول شاملو أن يتخلص من الشعر الموروث والنيموي بالمرّة الواحدة ؛ ولذلك يعبّر عن البحور المورثة بـ : قلقلة اللسان . يقول في هذا : « أنا لا أعتقد على الإطلاق بوجود الوزن كعنصر ذاتي في صميم الشعر ، وإنني أعتقد أن الوزن يسبب في تكوين الركاكة عند خيال الشاعر ؛ لأنه يسمح لمجموعة من المفردات بالدخول ، ويغلق الباب بوجه آخر ، وقد تكون هذا المفردات التي لم يسمح لها الدخول هي جزء من الإبداع المغيّب في نص الشاعر . ومجمل القول : أنا أرى الوزن يقلّص من خيال الشاعر ، ويكوّن انحرافاً في المضي الطبيعي للشعر.. » . يواجه الشعر الفارسي بصورة عامة اليوم أزمة ناجمة من شدّة التشابه بين الكلام الاعتيادي وبين ما يطلق عليه بـ (قصيدة النثر الإيرانية) ، مما دعا هذا أن ينادي النقاد إلى وضع حدّ معين بين الشعر والنثر خشية تعميم الاسم على نمطين من النتاج الأدبي ، فهم يرون أن هذا الشعر فتح الباب بكلا قسميه لدخول كم هائل من نصوص النثرية باسم : (قصيدة النثر الإيرانية) ؛ ولذلك يقدّمون شعر أحمد شاملو أبرز تجربة لقصيدة النثر من بين بقية الشعراء الإيرانيين في هذه الفترة ، وينادون باتّباعه والسير على الخطوات التي خطاها في الوقت الراهن . ومع هذا كله فأن التجربة التي يقدمها شاملو لا تخلو من إخفاق فليس كل ما قدمه يعد شعراً ، وإنّما ثمّة من شعره ما يمكن عدّه في سياق النص النثري . وينفرز هذا في مجموعاته الشعرية التي قدمها قبل مجموعة : (هواي تازة = الهواء النقي ) ـ وبعض نصوص المجموعة نفسها أيضا ـ ومثل تيك مجموعة: ( باغ آينه = حديقة المرآة ). وأما نصوصه التي قدمها بعد المجموعتين أفرزت هويتها الخاصة كشعر متميز حديث يحمل سمات ( شعر سبيد = قصيدة النثر ) . وخلال قراءتنا لشعره توصلنا إلى أن تجربة شاملو تضع فضاءاً واسعاً للشعر الإيراني كي يرى عبره نتاج الشعر العالمي الموجود على هذا النمط ، كما هي تجربة ناصعة لقصيدة النثر الإيرانية وحَرِية بالاتّباع من غيرها . وشاملو بكل تأكيد مبدع وشاعر قدير ومتميز جداً ، حيث يمكن اعتباره بالرائد لقصيدة النثر في الشعر الإيراني من منطلق الحق ، كما يقال عن سائر الروّاد في هذا الصعيد . ونحاول في المقالات الآتية ترجمة نماذج من قصائده النثرية .
ـــــــ الموقع http://jeeri.jeeran.com/ ـــــــــــــ
#کمال_سلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|