جنبلاط الغرابي
الحوار المتمدن-العدد: 2826 - 2009 / 11 / 11 - 04:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الانتحار..............
اعلم ان الانتحار وسيلة يتعقلها الانسان من خلال التجربة الحياتية,ويُبنى هذا التعقل على امور عدة,اخصها,المفهوم الديني,والاجتماعي,والذاتي.ومن خلال هذه المدارات تتكون الصورة النمطية في الذهن,حيث ان بعض العقائد الاجتماعية تشجع على هذا العمل وتعتبره غاية لتعويض كرامة مفقودة او لاجل تسطير بطولة في سجلات التاريخ,بينما يُشجب من قبل بعض الاديان التي تؤكد على انه جريمة كما هو الحال في الدين الاسلامي,هذا الاضافة الى رؤى علماء النفس التي صنفت الانتحار على انه هروب من الواقع.وهكذا يبقى مفهوم الانتحار متوقفاً بين الجوانب النسبية,ومُفسراً من خلال التبعية الاجتماعية والدينية,لذا نراه يظهر بصور متفاوتة من ناحية كونه وسيلة مقدسة او مسلكاً للهروب.....
القيمة الوجودية
يحمل الانسان صفات جوهرية واخرى اكتسابية,وهذه الصفات بتنوعها تشترك في جهة تحديد معينة وهي السعي لاثبات القيمة الوجودية للذات,من خلال الطرائق المطروحة ضمن الحياة الطبيعية.فنجد انسان يجد نفسه في العمل واخر في الفن واخر في المجتمع,وهذا الوجود يتحقق ضمن المفاهيم التربوية اخص بذلك الاسرية والاجتماعية,اضف على ذلك المهارة التي يكتشفها الانسان في ذاته والتي تدفعه للخوض في مجال معين,كما هو الحال في الشخص الذي يجد في ذاته القابلية على تحمل المشاق والخوف,فيتجه نحو المغامرات والتحديات.وهكذا تكون القيمة الوجودية حاجة اساسية في ذات الانسان الذي بدوره يحاول قدر الامكان اشباعها بطرائق تناسب قابليته ومعرفته الاكتسابية.وتظهر علامات هذه القضية في الوقت المبكر من الطفولة حيث يُلاحظ التنافس بين افراد العائلة الواحدة لاجل كسب المودة والاهتمام من قبل الابوين,وهذه المرحلة تمثل الصورة البدائية او الفطرية للقيمة الوجودية,وبمرور الوقت تُحدد وتزداد وفق الاكتساب من العوامل الخارجية حسب المتطلبات والظروف التي تحيط بالفرد,لذا نراها مختلفة من ناحية النسبة والنوع من شخص الى اخر.وهذا الاختلاف لا يدلل عن مجموعة قيم يبحث عنها الانسان ويسعى الى تحقيقها,وانما هي قيمة واحدة ينظر لها كل فرد من زاوية ورؤية خاصة,وهذه القيمة تمثل (الوجود).ومن هنا نذهب الى ان الوجود الغاية الاساس والمحرك الاول للبقاء في حياة الانسان,كونه يسبق جميع العوامل التي تنشط بفترة متأخرة او تكون تالية كالغريزة الجنسية.وقد ذهب البعض امثال فرويد الى ان العامل الجنسي هو المحرك والدافع في حياة الانسان وهذا الامر لا يلتزم مكان الصحة,حيث ان فقدان هذا الاخير لا يدعو الانسان الى الكف عن العمل والقيام بواجباته الحياتية,ولو كان كذلك لاستكفى الاخرين بالحياة لحين اختفاء هذا العامل,ومن المعروف ان العامل الجنسي ينتهي بالمراحل المتأخرة من الحياة,هذا بالاضافة الى ان البعض يتعرض لخلل عضوي قد يؤدي به الى فقدان هذا الاخير.لذا نرى ان القضية المتأصلة في ذات الفرد والتي تحمله على البقاء والبحث عن فرص الحياة تكمن في وجوده والاحساس به والمحاولة قدر الامكان ايجاده في اماكن عديدة,هذا الذي يجعل الانسان الغني يسعى لجمع المال لاخر ايام في حياته,وهذا السعي لا يلزم بالضرورة الجشع كما هو مصنف,وانما هو دافع منشؤه حب رؤية الانسان لعمله ونتاجه الذي يمثل الاحساس بالوجود....
الانتحار.............
اشرنا الى ان هناك طرائق عدة لاثبات الوجود او الاحساس به,وهذه الطرائق منها ما هو متصل بالنفس بصورة فطرية كالغريزة ومنها ما هو مكتسب من الخارج كالفن والعمل والابداع,ويفضل الانسان المتجه الاول كونه مرتبط بالنفس بصورة مباشرة واسهلها مطلباً ويمثل السبيل الذي يعطي التصور المتكامل للقيمة الوجودية,ومن ظواهره الحب والسعي لايجاد الشراكة في الحياة العاطفية,وهذا الاتجاه يمثل اخطر زاوية واهمها عند الفرد كونه يمثل تغذية لحاجة صميمية في النفس,وما عداه يعتبر كسباً ويكون من السهل تلافيه.فمن الممكن ان يحاول الانسان ايجاد نفسه في الفن او العمل,واذا فشل في ذلك, فتغيير وجهته الى نحو اخر ليس بالامر المستصعب,لان الحياة تحمل الكثير من الفرص والعوامل التي يمكن استغلالها لايجاد القيمة الوجودية.اما ناحية الحب فليس من الممكن ايجاد البديل الذي يتخذ هذا الدور,لان القضية تتعلق بمطلب تكويني داخل النفس,وتمثل الحاجة الملحة والدقيقة التي تفتقر الى الاشباع بصورة استمرارية,هذا الذي جعلها تحمل الموضوعية الحساسة التي تؤذي النفس من جوانب متعددة قد تصل الى ايقاع الفرد بالخروج عن النطاق الطبيعي السليم,وتقوده الى مطبات نفسية تصله الى التصرف السلبي تجاه نفسه او الاخرين,ومنها الانتحار,او الابتعاد عن الاهتمام بالنفس,وهذا الاخير ما نطلق عليه الانتحار المعنوي.حيث ان الالتفات الى النفس وتعيين قيمتها ينشأ دائماً من خلال الحوادث والنتاج الفعلي للذات,وفيما لو اخفقت النفس في جني هذه القضايا تكون حينها خالية من القيمة الوجودية,وهذا ما يؤدي الى المردود السلبي المتمثل بالتخلص من الحياة,وهذه الظاهرة تبدو واردة في الكثير من المجتمعات.علماً ان الموضوعية العاطفية ليست المطلب الوحيد الذي تستعين به النفس لاثبات الوجود,فالطموحات الناشئة ضمن الجوانب الحياتية عديدة الى حد كبير,اخصها التي تظهر في المدينة بسبب تطور الخدمات الاجتماعية والتكنولوجية,هذا ما يدفع الى البحث والسعي وراء تحقيق الذات بصورة اكبر.وقد ذهب بعض من علماء الاجتماع الى ان كثرة الانتحار في المدينة وقلته في الارياف ناتجاً عن اختلاف التقاليد,حيث ان ثقافة المناطق الريفية تكون اكثر شدة من غيرها مما يدعو الفرد الى الالتزام بالموروث الاخلاقي من ثم يبتعد عن المظاهر السلبية ومنها ايذاء النفس او الانتحار.وفي الواقع ان هذا التشخيص مبني على اساس غير جوهري,في حين اننا لا ننكر المؤثر العقائدي والديني في نفس الانسان,لكن ما هو يثار في اجواء المدن يدفعنا للذهاب الى ان الظروف والفرص والمتطلبات والميول التي تنشأ فيها تحول بوصلة التفكير لدى الفرد نحو الدخول في ميدان المنافسة واثبات القيمة من جهات اخرى مع توفر الخوض في مجالات تولد الطموح والسعي الى تحقيقه,ومع تكرار المحاولة قد تظهر حالات فشل متتالية,مما يدفع الى الخوض في جانب اخر,وهكذا تستمر الحالة الى ان يصل البعض الى عدم تحمل الفشل وصعوبة مواجهته,عندها يواجه خيار الانتحار,والسبب في ذلك ان تكرار الفشل يخلق انهياراً نفسياً يدفع الفرد الى جهات سلبية,منها,الهروب من الواقع وعدم تكرار المحاولة وهذا ما يطلق عليه بالتشائم او اليأس,في حين ان هذا الاحساس ليس كما هو ظاهر وانما هو خوف يسيطر على النفس ويخلق فيها فجوة يكون من الصعب اعادة تنظيمها,واخرى توجه الفرد نحو ايجاد وسيلة بغية التخلص من الصراع النفسي الناتج جراء هذه العوامل.ومن هنا نفهم قضية جوهرية في هذا المطاف,وهي,ان الفترة الزمنية التي يعيشها الفرد قبل الشروع بالانتحار تمثل التخيير بين امرين,اما مواجهة الصراع,او التخلص منه بالوسيلة السلبية المطروحة.وتقرير الاسلوب المتخذ في هذا المجال يتعلق بظروف الحالة الاجتماعية المكتسبة,هذا بالاضافة الى نظرة الفرد تجاه ذاته,فأغلب الافراد الذين يتخذون الانتحار كوسيلة للخلاص تكون لديهم نظرة سيئة تجاه انفسهم تتكون من خلال التجارب الفاشلة,هذا ما جعل البعض منهم ان يلجأ الى اختيار الطريقة البشعة في الانتحار,بغية الانتقام من ذاته,وهذا النوع من الافراد تكون لهم شخصية غافلة او بعيدة عن الاسقاط,ويتوجهون الى تأنيب انفسهم في اية اخفاق او فشل,دون النظر الى الظروف الموضوعية,او بالاحرى تكون الخبرة او الفكرة المصورة عن الحياة بالنسبة اليهم بسيطة وساذجة........
الخلاصة........
لما كان الانسان يسعى في حياته ومعاملاته اليومية الى انجاز ما هو يمثل الحاجة,فإن البغية الاساسية في هذا العمل هي اثبات الوجود,وعمق هذا الاحساس الذي يحرك النفس لا يستبطن سوى ارادة واحدة لها المظاهر التي نعيشها ونحس بها ونحاول اشباعها,كالغريزة الجنسية,فأنها لا تشكل سوى اداة ظاهرة من بين جمع من الظواهر النفسية.ولبقاء الانسان في هذه الحياة ليس الا دعوى للقيمة وحب الظهور وكره النفس للفناء والتلاشي,وحينما يشعر الانسان بأنه فقد وجوده لا يستبعد عنه الاتجاه نحو الانتحار.صحيح ان هناك الاسباب الكثيرة التي تشكل دوافع وايعازات تقود الانسان نحو ايذاء نفسه,لكنها لا تعدو ان تكون مظهرا من مظاهر الاخفاق في اثبات الوجود...
#جنبلاط_الغرابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟