|
الجنس والقيم المتناقضة في الحضارة الإنسانية الراهنة
حسين عجمية
الحوار المتمدن-العدد: 2822 - 2009 / 11 / 7 - 08:20
المحور:
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
إن الإنتاج المتنوع للفكر والقيم الأخلاقية ونظام المعارف التاريخية ، وظهور الدراسات التحريرية القائمة على تغيير بنية الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنمو الحضاري السريع، وتعميم الإنتاج التكنولوجي والاليكتروني وسهولة النقل الدعائي الموجه والتأثير على مجمل الإمكانيات البشرية، وتوجيهها لخدمة الرؤوس العالمية ، وتقسيم العالم وفقاً للمنحى العام للقوى القائمة على النفوذ، وتعميم النفوذ الإمبريالي لترويج وتسويق البضائع بكل أشكالها وما يرافقها من ظهور علاقات سلوكية في غاية التنوع، نظراً لانعكاس هذا الواقع على النفس الإنسانية ، وتأثير هذا الوضع على العلاقات الجنسية على كامل المساحة الجغرافية للبشر. فقد ظهرت علاقات حب قائمة على التفاهم وإدراك المصلحة المشتركة، واستطاع كل من الذكر والأنثى أن يتفهم وضع الأخر وإمكانياته ومقدرته العقلية وبنائه النفسي، وتحقيق الانسجام من خلال ظهور علاقات زوجية مبنية عل الاحترام المتبادل، وحل الإشكالات القائمة في الحياة عن طريق المساهمة المشتركة والنشيطة للطرفين، وتأمين حدٌ مقبول من الحرية تخدم كلاً منهما، وتحقق الرغبة المشتركة في تنمية الوعي الذاتي للطرفين، وبشكل ينعكس على الأسرة ويخلق واقعاً أفضل لنمو الطفل بعيداً عن الإشكالات الكلاسيكية المعرقلة للسعادة الزوجية والرابطة الاجتماعية الواقعية. وفي المقابل نشأت علاقات جنسية فوضوية بعيدة كل البعد عن الالتزام وتحقيق الرغبة المشتركة لطرفين بشكلها الطبيعي ، مما جعل هذه العلاقات عابرة وسطحية بعيدة عن شروط الاستمرار، وتعبر عن نزهة مفرطة في البيولوجية المحضة ، وبعيدة عن الانسجام النفسي والاجتماعي ، نظراً للتأثير السيئ لمجمل الأساليب الدعائية الصادرة عن الأوساط الساعية لتحقيق أعلى قدر من الفوضى الجنسية ، وحرف الإنسان عن مشاكله الحياتية واهتماماته الإنسانية وجره إلى متاهات سلوكية في غاية السطحية واللامسؤولية ، مما يساعد على الإبقاء الأمثل لهذه الأوساط ، وتوسيع نفوذها وتسهيل إمكانية المحافظة على واقع يؤمن لعا الاستمرارية والوجود، وتحقيق أعلى قدر من الربح ، وترويج الإنتاج والفوضى الجنسية وتشكيل خطر على سلامة الإنسان الطبيعي، لتخلق عنده وضعاً مريباً وانعتاقاً تاماً من المبادئ والقيم الإنسانية، فيظهر الإنسان في حياته الشخصية منهاراً خائر القوى ، لا يعرف الاتجاه الحقيقي لمتابعة حياته متجنباً هذا الانهيار، وتظهر الحياة أمامه بنيَةٌ سوداء تبشر بالرعب والحقد، فتنهار قواه العصبية والنفسية ، ويزداد الوهم والوهن في ذاته، وينشأ واقع مقيت يظهر فيه الناس مثل الدمى بدون اتجاه ولا هدف ولا فاعلية ، مما يؤدي إلى نشوء وضع متقلقل يسعى بقواه الفاعلة نحوى الاستقرار، ويبشر بالانقلاب الكبير للتاريخ للمحافظة على المسيرة الإنسانية من الانهيار. فالحقيقة العلمية تؤكد أن الفوضى الجنسية وعدم الوعي التام والدقيق لهذه العلاقات ، لا يمكن أن تخلق غير إنسان مسلوب العواطف والقيم الأخلاقية مما يجعل جميع الروابط القائمة على هذه العلاقات هامشيةٌ وبعيدة عن الوعي والمسؤولية ، ويصل فيها الإنسان لدرجة الحرمان من جميع الإمكانيات القادرة لتحقيق غايات اكبر وأوسع، وتصبح علاقة الإنسان بالإنسان مبنية على مجموعة من القواعد المنحرفة ألتي تؤدي إلى توسيع دائرة الرعب الداخلي للإنسان، وتشكيل خطراً حقيقياً على بنائه الداخلي ( النفسي والعقلي ) وتفقده إمكانيات العطاء الحر والإنساني. وبعد أن تتأكد الإنسانية من أن الفوضى الجنسية كارثة حقيقية لعدم تدخل الوعي المعرفي للإنسان في إنسانيته، لتنظيم وضبط الأفعال الجنسية المنهارة لهذا السلوك المنحرف للبشر، وظهور القوى الإبداعية الخلاقة والموجهة لتعميم السعادة لجميع النفوس بعد الإدراك العام لجميع الأبعاد الصيحة للانسجام الإنساني، وظهور التطابق في الوعي الديناميكي لإنسانية الحضارة القادمة ، بعد حذف وإسقاط جميع الوسائل الحالية المكرسة والموجهة لتحقيق النفوذ والسيادة والسيطرة وترك النزعة الإمبريالية العامة، والاتجاه نحو السوية الإنسانية الحقيقية ، وتحقيق معادلة تعاون وتكافؤ القوى الاجتماعية ، وتوازن القيمة الحقيقية للشعوب العالمية في الأخذ والعطاء والوصول إلى النقطة الجوهرية لسيادة الإنسان والطبيعة* ، عندها ينشأ وضع بعيدٌ عن أيِّ توجيه انتفاعي للنوازع الأخلاقية للإنسان، وتصبح هذه النوازع ملكاً للإنسان المنسجم مع مبادئ وأهداف هذه الحياة ، وتصبح العلاقات بكافة أشكالها غاية كمالية كريمة تعطي الإنسان عمقها وحيويتها وحريتها، عندها تصبح العلاقات الجنسية متكافئة ومنسجمة وناتجة عن السوية الإنسانية وإحدى صيغ الإنسانية الدائمة ، ويصبح كل من الرجل والمرأة قادرين على ترك الخطأ في حينه وإقامة علاقات مبنية على الحب والتوازن الأخلاقي التام.
*سيادة الإنسان والطبيعة: لأن العلاقة تبادلية وليست فوقية ، فكما يتحسن وضع الإنسان يجب أن تتحسن الطبيعة المتواجد فيها بالذات.
#حسين_عجمية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجنس في واقع ما بعد الأديان
-
جسدي الزمان برحلتي
-
الطبيعة الدياليكتيكية للحياة والحياة الإنسانية
-
مخاطر التلوث في مجال النشوء الحي
-
الأحكام متوافقة مع طبيعة العقل (انهزام العقل الديني وراء الإ
...
-
إيزيس
-
الجنس وفق التوابع المعرفية لللأديان
-
ازدهار بلا حب
-
العقل وفيزيولوجيا الدماغ
-
العولمة كبناء إنساني جديد
-
مسؤولياتنا تجاه البداية العقلية للطفولة
-
العلاقة التفاعلية بين العقل والدماغ
-
ديالكتيك العقل في البناء المعرفي
-
أرقام الخلق الكونية
-
دلالات العقل الكوني
-
الشعر روح الزمن
-
مزامير
-
وجوه متحجرة
-
انعكاس الوحي
-
نور من نساء القهر
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
الروبوت في الانتاج الراسمالي وفي الانتاج الاشتراكي
/ حسقيل قوجمان
-
ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية
/ صالح الطائي
المزيد.....
|