هل تكفي الأيادي البيضاء لمعالجة الحالة...؟

إيمان أحمد ونوس

الحوار المتمدن-العدد: 2821 - 2009 / 11 / 6 - 09:28
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    

رصد البرنامج التلفزيوني- أيادٍ بيضاء- والذي تبثه القناة الأولى مساء كل أربعاء حالات اجتماعية- صحية خاصة بالمعوقين تشمل كل المحافظات. والبرنامج يتوجه حكماً لأسر فقيرة لا يمكنها منفردة القيام بواجباتها تجاه أبنائها المرضى. كما يرنو لضمائر حيّة تُبلسم آلام هؤلاء بمعونات تهدّئ ثورة العوز.
تُصاغ الحكاية المؤلمة عبر ريبورتاجات ترسم خطوط عريضة لمعاناة الأهل مع المريض، لاسيما تلك الحالات المزمنة التي تحتاج لعلاج مكلف طويل الأمد كالشلل الدماغي.
حكاية مرض لا تلبث أن تتماهى خيوطها مع ألوان أخرى من معاناة معاشية يفرضها الواقع الاقتصادي العام إضافة لواقع الفقر والحاجة بقسوتها ومرارتها لدى هذه الأسر.
حكاية محزنة تكاد لفجيعتها أن تدفعنا لأن نشيح بعيوننا وسمعنا عنها لمحطات وقنوات استهلاكية فيها من مباهج الحياة المزيّفة والسطحية ما ينقذنا من ورطة الألم والحزن الاختياري بما تنطوي عليه تلك الحكايات من مرارة الحياة وقسوتها على أُناس لا ذنب لهم إلاّ أنهم قرباناً إما لأمراض وراثية نتيجة زواج الأقارب- وما أكثرها- أو تشوّه في الصبغيات، أو نقص أكسجة أدى لشلل دماغي بنسب تتفاوت ما بين الطفيفة والكبيرة، أو تناذر الداون والذي هو نتيجة خلل في الصبغي/21/.
حكايا تشي لنا دموعها المنسابة بخجل عن عمر معاناة لا تنتهي ما بين المشافي والانتظار على حافة الأمل علّ يدٍ حنونةٍ تمتد طواعية لتمسح جبين الألم بلمسة دفء دون ذلّ السؤال.
حكايا كثيرة رسمت لنا الجهل هالة كبيرة تؤطر الفقر والمرض بما يعمّق المأساة ويزيدها لتعدد الإصابات في الأسرة الواحدة، كيف لا وفي معظم الأسر التي رصدها البرنامج أكثر من ثلاث أو أربع حالات متشابهة لأخوة جمعتهم الإعاقة كما جمعهم الدم والفقر والجهل.
الجهل الذي أبعد الأهل عن التفكير والتروي قبل الإقدام على إنجاب آخر يحمل ذات المواصفات لإنجاب سابق سببه عوامل وراثية حيناً، أو مرض يحمله أحد الأبوين حيناً آخر.
الجهل الذي يدفع الأهل لأمل واهٍ في كثير من الأحيان بإنجاب طفل سليم بدل أن يعالجوا السبب الذي أدى لإعاقة أولى في الأسرة والتريّث كي لا يقعوا في فخ الإعاقة ثانية وثالثة ورابعة...
فلدى إحدى الأسر التي رصدها البرنامج في ريف حماه أربع حالات متشابهة الإعاقة ما عدا واحدة منها تقع في خانة متلازمة داون. حيث جاء إنجاب هذه الحالات عبر ستة ولادات متتالية مات منها اثنتان في عمر مبكر، ومجمل هذه الإعاقات تأتي نتيجة مرض يصيب الجنين في رحم الأم التي تخضع أثناء الحمل لعلاج مكثف وباهظ التكاليف يصل لثلاثين ألف ليرة في كل حمل والنتيجة ولادة طفل معوق في أسرة لا معيل لها سوى الأب الذي بدا لنا ساهماً طوال الوقت- وهذا طبيعي- في ظل ما تعانيه هذه الأسرة المنكوبة من ارتفاع تكاليف واحتياجات الأبناء ذوي الإعاقة زيادة على تكاليف الحمل المذكورة.
ولا ننسى أمراً غاية في الأهمية يعززه الجهل، وهو عدم إكمال الفتاة السليمة في هذه الأسرة من متابعة تعليمها وهي في مرحلة التعليم الأساسي( رغم أنها متميّزة في دراستها) كي تعين الأم على مهامها في إعالة هذا العدد من الإعاقات، لنكون هنا بصدد رفد الجهل بروافد أخرى عبر تخلي هذه الفتاة عن تعليمها والتي من الممكن أن تكون نواة موهبة أدبية أو علمية تناثرت أوراقها تحت وطأة ظروف هذه الأسرة المنكوبة.
من هنا نجد لزاماً على معدي البرنامج ورغم جدية أهدافه التي لاقت آذاناً صاغية وقلوباً طال دفئها وحبها بعض من عُرضت مأساتهم عبر البرنامج، بأن يعززوا فكرة التوجيه والإرشاد حول مختلف هذه الأمور التي تزيد المحنة عمقاً وألماً عبر زاوية خاصة في كل حلقة كرسالة إرشاد وتوعية لباقي الأسر كي تتجنب مآزق وعثرات وقعت فيها الأسر المرصودة من إنجاب أكثر من حالة لإعاقات مختلفة أو متشابهة، وعبر إلقاء الضوء على بعض الأمراض الوراثية خاصّة التي تتسبب في إنجاب أبناء معوقين من خلال استضافة أخصائي أمراض وراثية، وبذلك تصل رسالة البرنامج جلّ أبعادها وأهدافها المتوخاة.

#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات