جنبلاط الغرابي
الحوار المتمدن-العدد: 2820 - 2009 / 11 / 5 - 08:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نعني بالانفعال السلبي ما يقع من رد فعل لا يتناسب مع السياق الطبيعي للمفهوم الانساني,من خلال التصرف السيئ المتمثل بالايذاء او الاعتداء,سواء يكون وقوعه على الذات او الاخرين,والقضية التي تدخل ضمن بحثنا هي المزمنة وليس العابرة.ففي بعض الاحايين يتصرف الانسان العاقل بمبدأ خارج عن نطاق طبيعته ولو للحظات وهذا الامر لا يعود الى مرض نفسي او شذوذ اخلاقي,وانما يتجه هذا الفعل بصورة مطردة كنتيجة محصلة بسبب عدم مقاومة الظرف الخارجي,وهذه الحالة نستطيع ان نطلق عليها فقدان توازن النفس المستقرة الى ان تعود لحالتها الطبيعية....
الايذاء في السلوك .......
تختلف طبيعة الايذاء من شخص الى اخر من ناحية النسبة والنوع,في حين ان جوهرها ينقسم الى اتجاهين,الاول نحو الذات,والاخر نحو الاخرين,ولكل طرف اسبابه وظروفه الموضوعية.اما الذي يقع نحو الذات فهو بالضرورة ناتجاً عن الكبت الغريزي والفشل في الحياة العاطفية او فقدان القيمة الوجودية,فليس من الممكن ايجاد سبباً اخر يدعو لهذا التوجه.فأن التربية الاجتماعية مهما كان تأثيرها على الفرد من الناحية السلبية الا انها لا تتمكن من ان تجذب الانسان نحو ايذاء نفسه كون هذا الامر يتعارض مع الفطرة الانسانية.حيث ان الانسان بطبعه يبحث عن السعادة والكمالات,وهذه الدعوى منشؤها غريزي الوجود,وفيما لو ظهر الفرد بخلاف هذه الطبيعة يكون حينها صاحب نزعة شاذة,وهذا الشذوذ برمته لم يكن الا رد فعل بسبب الفشل,او انتقاماً لاجل الذات.لذا نرى ان الشخص الذي يقوم بأيذاء نفسه لا يختلف عن الاخرين في البحث عن السعادة,وقد جاء فعله نتيجة عدم تحقق او نيل المبتغيات التي يجني من خلالها هذا الاخير.وعلى ضوء هذا الامر تبقى دائماً قضية الايذاء متعلقة بشيء,كتحقيق غاية او طموح,وهذا التعلق يظهر لنا قضية مهمة,وهي,ان الاستمرارية في الايذاء مرتبطة بمدى تحقيق الاهداف التي تشكل طموحات الفرد,وما ان تزول الموانع,فمن الممكن ان تزول هذا الحالة المرضية,ويعود الانسان الى حالته الطبيعية.وهذا الامر يُوضح لنا اكثر في تفهم الحالات التي تصل الى مرحلة الانتحار,حيث انها تدلل على الضغوطات الخارجية المستمرة التي اوصلت الفرد الى حد اليأس واعلان الهزيمة امام الصراع,علماً ان قضية الانتحار لها مظاهراً مزدوجة,فتارة يظهر وقوعها بسبب البحث عن الشهرة والخلود في فكر المجتمع,خصوصاً ان اغلب الذين مارسوا عملية الانتحار بقيت اسمائهم متناولة مع اظهار التعاطف,وتارة انتقاماً من الاخرين من اجل جعلهم ان يحسوا بالذنب,الا انها بالنتيجة تبقى مرتبطة بالفشل,ومع الذين يبالغون في طموحاتهم.ففي بعض الاحايين يبالغ الانسان في طموحاته واحلامه لدرجة يصبح تحقيقها امراً مستعصياً ومستحيلاً,وبعدما يتيقن هذا الانسان من هذه الاستحالة,يواجه امراضاً وعقداً نفسية قد تقوده الى الانتحار.ونلاحظ طريقة اخرى في هذا المجال وهي اسقاط قيمة النفس امام الذات,فعندما يطمح الانسان بواقع معين ولا يمكنه تحقيق هذا الطموح,قد يقوم بأفعال رديئة تجاه نفسه من اجل حسم الصراع بين الطموح وتحقيقه لصالح العدم,فيبدأ بإهمال نفسه او الانحراف في جهة سالبة في المجتمع,وهذه مرحلة نستطيع ان نسميها (الانتحار المعنوي).وقد يُعبر عنها بالوشم في الاعم الاغلب,عند النساء اخص بذلك المجتمع المنضبط كالمجتمع العراقي.وقد صنف الباحثون قضية الوشم على انها نوع من ايذاء النفس الا ان هذا التصنيف ليس مطلقاً,فعند البعض وخصوصاً الرجال في المجتمع المنضبط يظهر الوشم كتفريغ للكبت الداخلي اخصها الغريزي,او بسبب الضعف في الدور الاجتماعي,ويكون هذا الوشم عبارة عن سد ثغرات نفسية تؤرق الفرد,فأنها بتصوره تخلق دوراً ايجابياً يعوض ما هو مفقود,كالشجاعة,او القوة,او الرجولة,او القيمة الوجودية.وانا ارى ان هذه الاخيرة (القيمة الوجودية) هي الدافع الاول والمحرك الاساس الذي يقود الانسان في الحياة,وليس العامل الغريزي كما هو مصنف عند الكثير,فأن الانسان الذي يفقد هذا العامل من خلال كبر السن او من خلال مرض عضوي,قد لا يؤدي به هذا الامر الى الانتحار,بينما فقدان الاحساس بالوجود يؤدي الى ذلك في الاعم الاغلب,وسيأتي بحث هذه القضية بصورة مفصلة في اطروحتنا القادمة....
ايذاء الاخرين ......
يجسد ايذاء الاخرين جهات عدة,الاولى نطلق عليها الاسقاط,والثانية,الشعور بالتنزل في القيمة الوجودية وفق المقارنة,واخرى اكتسابية من المحيط الخارجي. وقضية الاسقاط فكرة او احساس شائع بين الافراد,وتحدث دائماً في حالة عدم تحمل النتيجة السلبية المتمثلة بالفشل,فيحاول الفرد اسقاط هذه الجهة من خلال البحث عن اعذار واسباب تزوده بطاقة تحمل.فعندما يفشل الفرد في تجاوز امتحان ما,يحاول جهد الامكان التخلص من هذا الواقع,لذا يعزو هذا الامر الى ظرف طارئ او سبب خارج عن قضية الاداء الذاتي.وقد يتحول هذا الاخير الى نطاق كامل في التفكير تبعاً لنوع وشدة الفشل وتحمله من جهة اخرى,فنرى البعض يتصورون ان المجتمع برمته كان سبب ضياعهم او فشلهم بالحياة,فتبدأ هذه المرحلة بمشاعر حقد وتألم من ثم تتحول الى انتقاماً فعلياً على ارض الواقع,والسبب الذي جعل هذه المشاعر ان تنتقل من المرحلة الذهنية الى الواقعية هو تفريغ الكبت الذي ما ان يحصل,عندها يشعر الفرد بالدلالة اليقينية على صحة ماذهب اليه.واصحاب هذا التوجه دائماً يشعرون باللذة في حال ايذائهم للاخرين,حيث ان مرحلة تطبيق الايذاء تعطي مفهوماً يجسد رد الاعتبار وتنهي افرازات الصراع داخل النفس.ومن هنا نفهم ان هذه اللذة ليست مقرونة بالذات وليست المطلب الاساس للمنتقم,فالمنتقم عندما يقوم بالايذاء لا لاجل الاحساس باللذة عينها كما ذهب الكثير,وانما لاجل رد الاعتبار لذاته,وعندما يشعر ان اعتباره قد عاد ينتهي الصراع النفسي ويشعر باللذة.اما الشعور في التنزل,فهناك بعض الافراد يشعرون بقلة المقدرة والضعف اذ ما قارنوا انفسهم بالاخرين,خصوصاً اذا كانت هذه المقارنة مبنية على اساس النجاح الدنيوي المرتبط بالاقتصاد والثقافة,وهذه العملية الخاطئة في الرؤية تجاه الحياة قد تقود الفرد الى الانتقام من الجهة المتفوقة,والسبب في ذلك,ان وجود الشخص المتفوق يمثل منبهاً عملياً في جعل الفرد الفاشل ان يلتفت الى فشله,كما هو الحال بالنسبة للشخص المعاق,فرؤيته للاخرين تجعل منه يتأثر بما فقد من خصوصية احتواها الغير.وفي الواقع ان المقارنة على اساس التفاوت تولد جهة غير دقيقة في نتائجها التقديرية,لذا يكون مدلولها غير ايجابي,حيث ان ايرادها دون الالتفات الى الظروف الموضوعية التي جعلت من الاخرين ان يتفوقوا يسفر عن فهم خاطئ ويصدر ايعازات تأنيب للنفس تؤدي الى ما طرحناه من اشتباه.وبعدما اوردنا القضيتان الاوليتان, بقى لدينا الاتجاه الثالث,وهو,الايذاء وفق الاكتساب,وهذا الاخير متعلق بالتربية والبيئة الثقافية ومعطيات المحيط الخارجي للفرد,ويلعب التلقين الاسري دوراً كبيراً في هذا الجانب اخص بذلك المفهوم الانساني المطروح من قبل الابوين,اضف على ذلك الرؤية التي يتصف بها المجتمع تجاه المثل الاخلاقية,فاذا كان الواقع الاجتماعي يحظر الاعتداء على الغير ويعزز من القيمة الذاتية للانسان,عندها تصبح هذه القضية حدثاً مخالفاً ويُلاقى بالنفور,واذا وقع العكس فيكون الاتجاه السلبي مهيمناً على هذه القضية....
#جنبلاط_الغرابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟