|
تساؤلات مفتوحة للأديب المبدع سليم بركات
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 857 - 2004 / 6 / 7 - 04:41
المحور:
الادب والفن
لإسمكَ وقعٌ خاص على جبهة الذاكرة، منذ أن قرأت لكَ سيرة الطفولة وسيرة الصبا، وأنا اتساءل كيف يرسم هذه الأديب الكرديّ المشاكس الشفيف إيقاعات حرفه؟ كيف تقتنص هذه العوالم والفضاءات البهيجة في العبور إلى أعمق ما في اللغة من بهاء وفضاء وسرد مطلسم بنداوة النفل والعشب البري؟ هل كنت تلملم النفل وأنت صغير من براري عامودة، أم انّكَ كنت تائها مع عوالم الحرف تبحث عن خيوط رعشة الكلمة كي تعيد توازنات الروح إلى إيقاعها الدافئ؟ لم أقرأ لكَ رواية أو نصّاً شعرياً إلا وقفتُ مذهولاً بهذه اللغة السليمية السليمة الغائصة أحياناً بطلاسم لا يفكّ الكثير من منعرجاتها أحياناً إلا أحفاد الجنّ، ثم أعود وأقرأ النصّ ثانية وإذ بقهقهات أولاد الجنّ تتناهى إلى مسامعي فأضحكُ في عبّي لأنني أجدني أفكّ شيفراتكَ المعبّقة بأرجوحة الليل الطويل، لأنّ لدي تواصل بصيغة ما مع عوالم الجنّ التي تتعانق مع عوالمكَ الخفيّة، المترجرجة فوق ينابيع الذاكرة البعيدة الغافية بين موجات إشراقة الحلم. تعال يا صديقي كي أبوح لكَ بحميميّة دافئة بعضاً من عوالم طقوسي في مرحلة ما قبل الكتابة كي أسألكَ بعدها فيما إذا تتقاطع شذرات من عوالم طقوسكَ مع هذه العوالم، عندما أجدني غارقاً في القراءة والتأمّل العميق، أجدني أنهض فجأةً متوجّها إلى ركن من أركان غربتي حيث "جمبشي و عودي" ينتظرانني بفارغ العشق فأمسكُ عودي كي أداعب شهقة ليلي وإذ بي أتوهّج فرحياً وشوقياً إلى عوالم ما خلف البحار وإيقاعات الموسيقى المنبعثة من تلألؤات النجوم، تتراقص أصابعي الرفيعة وأنا أعزف أغاني الراحل العزيز المبدع، محمد شيخو، وعندما أزداد طرباً مع ذاتي تتفتّح شاهيتي وحنجرتي على أغاني لها نكهة النارنج فأغني بمتعة غريبة ولذيذة " آخ كوري آخ كوري كورامن"* هذه الأغنية وأغاني "شيخوية" أخرى تبهج قلبي ورحي وتفتح قلبي على عوالم الإخضرار، هل تستمدّ طقوسكَ في الكتابة من عوالم وفضاءات طقوس الأغنية الكردية المزركشة بأغاني في غاية النفس الملحمي إبتداءً من "ستيا زين وممّي آلا، مروراً بشمدين وحمدين ومواويل غزال غزال هائي هائي، وبافي فخري صواري كينجو .."** أغاني تفتح خيال الروائي كي يحلّق في معابر أسطورية من لون الفرح! تدهشني طريقة سردكَ، لغتك الشعريّة تتداخل في متون رواياتكَ فتغدو لغة عصيّة عن العبور لكنك تترك مفاتيحكَ السحريّة متناثرة في عوالم النصّ الشفيف كي يعبر المتلقي وهو غارق في بهجة الإشتعال، إشتعال خصوبة الكلمة، هذه الكلمة التي تلتقطها من أفواه النسيم العليل تارة ومن أفواه شهقة النيازك تارة أخرى. كيف تكتب عوالم رواياتكَ، من أين لكَ بهذه اللغة الساحرة، والتراكيب المبهرة التي نادرا ما أجد مثيلا لها في عالم الحرف العربي، أنتَ الكردي المتغلغل في رحاب الحرف العربي ببهجة عميقة، الملتصق في أدب الخصوبة، خصوبة الحرف وتجديد إيقاع لغة العصر، حداثة مترشرشة بنكهة العنب وتين الشمال، مع أنّكَ عبرت التلال ومنعرجات الغربة وأنتَ في باكورة عمركَ فكانت دمشق ثم بيروت وبعدها قبرص ثمّ استوكهولم، محطّات بحثٍ عن لغز الحياة، لغز حروف مندلقة من مرتفعات جبل جودي وبحيرة "وان" حيث تسطع أعشاب الروح منذ فجر التكوين؟! عينان صخريتان مسربلتان بجموح رعونة الغزلان، تمعن النظر في طيش الحياة، فتلتقط رذاذات طريّة لما فات ولما تبقّى من العمر، هذا العمر الذي تطحنه جاروشات مجنونة في هذا الزمن الأحمق. كيف تستطيع أن تتحمّل خشونة الجواريش المتهاطلة على شواطئ الروح وأنتَ متطاير من دكنة الليل في ليلة قمراء، تائهاً في دهاليز غربات لا تخطر على بال، هل إستطعت عبر نداوات الحرف أن تعيد إلى صخب الروح توازنها أم انّكَ تجد نفسكَ متأرّجحاً حتى في أعماق الحلم فوق شهقة البحار وأمواج ضجر المسافات؟ تطاوعكَ مفردات الحياة وكأنّها صديقة أهدابكَ المرتعشة من خشونة الريح، كيف تنتقي هذه السياقات اللغوية وأنتَ غائص في لجّة الأحداث، أحداث روائيّة شاردة عن صحارى العمر. تلملم خيوطكَ وتبري قلمكَ إلى أن يصبح حادّاً وكأنّه ساطور متناغم مع موسيقى حوافر الأحصنة وهي تعبر جبال متعرّشة فوق سفوحها أغصان شجيرات التفّاح؟ كم مرة عانقك محمود درويش وهو يبتسم لمحياكَ الريفي الصاخب عشقاً وجموحاً وأنتَ مذهول بهذا الفرح المتهاطل من عيون درويش فتقدح عيناك بهجة وعناقاً مع قومٍ ترشرشت حياتهم بالدم منذ أن فتحوا عيونهم على الحياة إلى الآن؟ بسمة يانعة تزرعها على هلالات وميض عينيّ درويش وهو يقرأ بمتعة منعشة قهقهات روحكَ المنبعثة من شموخ عوالم القصّ، المدبّقة بعبقِ القصائد؟ سليم بركات، إسمٌ على مسمّى، معافى من جنون العصر، ومزنّر بالبركات، مَن منحكَ كل هذه البركات، هل تنحدر من سلالة بركاتيّة أم أن هذه البركات جاءت بكل عفويتها متناغمة مع بركات الحرف الذي تدلقه على خدود الصباح؟! إتّصلتُ يوما معكَ فيما كنتُ غائصاً في غربة هذا الزمان، راغباً أن ألتقيكَ برفقة الأب الشاعر يوسف سعيد، لكنك كنتَ غارقاً حتى أذنيك في ترتيبات الإنتقال إلى موجات رجرجات العمر، آنذاك كنتَ قد حصلتَ على مساحة من الهدوء على أرض ممكلة السويد، محاولاً أن تفرش نصوصكَ ورواياتكَ وأشعارك على تلال الحياة، مكالمة قصيرة، قصيرة للغاية. كنت أنوي يا صديقي أن أقدّم لك كأسا من العرق كي يخفّف من أوجاع غربة البحار، لكنكَ كنتَ على وشك الإشتعال، إشتعال بيادر إستراحات الترحال، فأجّلنا اللقاء إلى أجلٍ غير مسمّى، لم نلتقِ لكننا على الأرجح سنلتقي .. دارت الأيام وإلتقينا هنا في الغرفة الكونية، في موقع جهة الشعر، جهة ولا أبهى، جهة متعانقة مع خيوط الشمس فلا أجد أعذب من عناق الحرف كمدخل لأن نرفع عبره نخب الشعر وجموح الروح على إيقاعات إندلاع وهج روايات سليم بركات! .. تحيّة ومودّة طازجة يا صديق الحرف وأمواج البحار
ستوكهولم: 6 . 6 . 2004 كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم [email protected]
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 363 ـ 364
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 361 ـ 362
-
تعقيب على نصّ -عشيقي- للشاعرة اللبنانيّة جمانة حدّاد
-
تعليق حــول قصّة: - غسيل الروح - لـ السيد حافظ
-
رسالة مفتوحة إلى سوسنة منبعثة من وهج الإشتعال
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 359 ـ 360
-
نص مزركش بألوان الحياة
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 357 ـ 358
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 355 ـ 356
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 353 ـ 354
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 351 ـ 352
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 349 ـ350
-
أنشودة الحياة، الجزء 1 سيناريو فيلم سينمائي، جاهز للإنتاج
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 347 ـ 348
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 345 ـ 346
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 343 ـ 344
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 341 ـ 342
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 339 ـ 340
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 337 ـ338
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 335 ـ 336
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|