|
دائرة كركوك المغلقة
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 4 - 15:49
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
من محاسن الديمقراطية إنها تخفض مساحة المفاجئة في العمل السياسي وتضع مواقيت محددة للعمل ولشرعية المؤسسات وآليات صنع القرار والحلقات الرسمية المشاركة في إنتاجه، ولذلك يفترض بالقوى السياسية والمؤسسات الرسمية أن تمتلك جدولا واضحا بالمهمات التي عليها إنجازها وان يكون هذا الجدول منسجما مع المواعيد الدستورية، وإعداد هذا الجدول بوقت وبدرجة إحترام عالية للزمن الذي يحدده الدستور سيكون دليلا على اهتمام الاطراف السياسية بقضاياها الرئيسة ورغبتها في إدارة عجلة الحياة السياسية الى أمام. قانون الانتخابات يمثل قضية وجود بالنسبة لمجلس النواب خاصة وللعملية السياسية بعامة وكان هناك زمن طويل امتد لأربع سنوات بدت كافية لدراسة المشاكل التي ستعيق إقرار قانون الانتخابات والتوصل الى توافقات بشأنها أو حلول وسطى حين تتعذر الحلول النهائية والجذرية، لكن القوى السياسية والقيادات الكبرى في البلاد تركت الامور تجري الى وضع حرج وتترك العملية السياسية في حالة تهديد وتعرض البلاد الى خلل دستوري تفقد فيه المؤسسات التنفيذية والتشريعية شرعيتها لتمنح أعداء الديمقراطية فرصة إعلان وفاة العملية السياسية وإنهاء النظام السياسي الجديد. لقد لاحت نذر أزمة كركوك التي تعيق إقرار قانون الانتخابات اليوم منذ أكثر من عام وتحديدا منذ أن بدأت المداولات بشأن إقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات والازمة التي ظهرت في آواخر تموز 2008 مع محاولة بعض القوى السياسية فرض صيغة غير دستورية لإجراء إنتخابات مجلس محافظة كركوك، وتدخلت المحكمة الاتحادية لتبطل تلك الصيغة وإتفقت القوى السياسية على الرضى بحل هو أهون الشرور وأقلها خسائر وذلك بعدم إجراء الانتخابات في كركوك وإبقاء المشكلة قائمة. أزمة تموز وما تبعها كانت كافية لتكون بمثابة جرس إنذار يقرع منذ عام2008 ليقض مضاجع السياسيين ويحثهم على مشكلة مجلس محافظة كركوك نفسها لكن التناسي والتغافل والاستسهال ترك المشكلة قائمة حتى أزفت الآزفة بتهديد شامل لشرعية النظام السياسي. تبدو كركوك اليوم مدينة مهمة لجميع الاطراف وهو أمر يدعو للإستغراب في عدم قدرة هذه الاهمية على دفع المهتمين للعمل من أجل إيجاد حلول وتسويات مقبولة على الاقل لمشكلة إجراء الانتخابات في وليس لمشكلة كركوك كلها وهذا ما يدفع الى تخمينات محرجة ترى إن هناك من يريد إستخدام كركوك على إنها عقب أخيل لقتل العملية السياسية فكل نظام سياسي ديمقراطي لا يفقد شرعيته بالمعنى القانوني ما دام قادرا على تجديد هذه الشرعية بإجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية وبنزاهة مقبولة من الاطراف الداخلة في العمل السياسي. كركوك كانت المحافظة- الازمة في عهود مختلف النظم السياسية التي توالت على حكم العراق وكان من المتوقع أن يكون النظام الديمقراطي قادرا على توفير حل لهذه الازمة لتتخلص الدولة العراقية من إحدى أزماتها الوجودية وهي ليست أزمة مدينة أو محافظة بل هي تحديدا أزمة تعايش المكونات العراقية على الاقل في الطبقة السياسية وتبدو كركوك اليوم حبيسة في دائرة مغلقة تبدأ وتنتهي دائما في ذات النقطة وتلوكها نفس الالسن وتتواجه فيها الاطراف ذاتها دون أن يتمكن أي طرف من اختراق الطرف الآخر وتجسير الهوة معه أو حتى تفتيت ذلك التلاحم المحتقن بتغيير موقف جزء من الطرف المضاد فهناك إصطفاف غريب يتعايش داخل أزمة هذه المحافظة. في ضوء الإداء الراعهن للقوى السياسية العراقية فإن أي حل يتم التوصل إليه لعلاج وضع كركوك لن يكون أكثر من علاج مرحلي وهو غالبا سيكون أقرب الى حالة "اللاحل" أكثر مما سيكون حلا بأي إتجاه كان فقد وضعت كركوك في زاوية حرجة تتعلق بتماسك العراق سياسة ومجتمعا. يحكى إن الشاعر العراقي عبدالغفار الاخرس ( 1810 - 1873) كان يعاني من حبسة في لسانه كانت سببا في لقبه وهي تمثل مشكلة كبيرة لشاعر يضطر لقراءة الشعر في جمع من الناس بين وقت وآخر فإقترح عليه أحدهم أن يعالج نفسه وأشار عليه بطبيب فقال هذا الطبيب لعبد الغفار الاخرس إنه يحتاج لعملية جراحية إما أن تكلل بالنجاح أو تؤدي الى الموت، فرفض الشاعر إجراء العملية وقال "أنا لا أبيع كلي ببعضي".
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فوضى أمنية
-
لغز العبوات اللاصقة
-
هدية خاطئة
-
الاجندات الخارجية
-
ماذا بعد الاستجوابات؟
-
السلطة من أجل السلطة
-
ويسألون عن المهجرين!!
-
موازنة 2010
-
الدولة وخطابها المفكك
-
أحكام بالفشل
-
مرحلة المكاشفة
-
إستنفار دبلوماسي
-
الموصل..أزمة نموذجية
-
ما بعد الاربعاء الدامي
-
رغم إنها متوقعة وبائسة
-
مشهد سوداوي
-
جيش المعتقلين المرعب
-
العنف العبثي..رسائل أوباما
-
أطراف خارجية..أطراف داخلية
-
نداءات بلا صدى
المزيد.....
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
-
ترامب -يعلن الحرب- على دعم فلسطين داخل المؤسسات التعليمية
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
المزيد.....
|