|
هل بامكان احدما اعادة البعث الى الساحة السياسية العراقية
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2816 - 2009 / 10 / 31 - 00:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يكاد لا يمر يوم الا و نسمع نداءات و صرخات عالية عديدة و مختلفة من اغلب الجهات، تحذرنا على ان البعث يهب و يدب في الساحة الساسية و يطرح رايه و له وقعه و تاثيراته القوية على مسار العملية السياسية بشكل مباشر ، او على الاقل من ينوبه و يمثله باسماء و اتجاهات و احزاب و تجمعات متنوعة ،و هو يعمل على تحقيق ماربه في العراق الجديد. ربما هذا الراي صحيح و ان يكن فيه المبالغة ان قيمنا السلطة و ما وراء هؤلاء و من يرتبط بهم او يشك في من له اليد من السياسيين الجدد في تحقيق مرام البعث و شعاراته و اهدافه القديمة الجديدة، فاذا القينا نظرة فاحصة على السلطة الحالية، فاننا نجد ان المواقع الحساسة بيد من كوت ايديه من ظلم الدكتاتورية و افعاله ، و هناك اخرين من كانوا بعثيين لفترة في حياتهم سوى لمصلحتهم الشخصية او من خلال متطلبات مسار عملهم. و كما نعلم المرحلة البعثية و ما اتسمت بها، فانه لم يبق في عهدها اي منصب و موقع مدني و عسكري و حتى سلك التربية و التعليم و ابسط المواقع الا و اقحم فيه متطلبات الحزب و التزكية الحزبية ، و تعامل مع ما يخص الدولة بحذافيرها كمعسكر و هو قائده الوحيد ، فلم يدع مؤسسة او دائرة مدنية بسيطة الا و كان اولى الشروط في العمل و القبول فيها هو الانتماء الى البعث و ان كان صوريا، فالجميع يعلم حال المؤسسات التعليمية قبل الدوائر الحساسة الاخرى فلم تخلو مما اقترفته يد النظام البعثي ناهيك عن المؤسسات العسكرية و الامنية و المخابراتية المتشددة، فمن كان يُقبل في بعض الكليات و الجامعات و يدرس فيها و لم يكن منتميا الى الحزب القائد! و كانت لكل منها نسبتها من التشدد في التحزب، فهل يدلني احد على ان العلوم السياسية و الاعلام و القانون و السياسة و التربية الخاصة في اولى سنينها من درس فيها و لم يكن بعثيا، فما بال التربية و سلك التدريس ، و انا بنفسي من المتضررين و المتجرعين الضيم في هذا السلك و من وزارة التربية بالاخص، و التي لم تقبل تعيني مدرسا لكون ملفي احمر كما جيئت اليهم من جامعتي و من المفصولين من الجامعة و حسب ادعائهم انني لم اتمتع بالسلامة الفكرية و يحب ان ابقى بعيدا عن تشويه العقول و الافكار في هذه المؤسسات الحساسة . هكذا كان الوضع كما يعلم الجميع،و تعامل البعث مع الواقع العراقي بالقوة المفرطة و الغاء المقابل و فرض الاراء و الاوامر عليه. و كما نعلم ان الكثير من الساسة اليوم و بالاخص من كان يعيش تحت نير و ضيم ذلك النظام خضع لامر الواقع بشكل من الاشكال مغلوبا على امره، اما تمشى مع المراد دون التدخل العميق ، او اصبح بعثيا حتى النخاع و ظلم من اجل مصلحته و ليس ايمان منه باهدافه و فلسفة حزبه و خاصة في الفترة الاخيرة من حكم الدكتاتور، و لا يمكن انكار ذلك اليوم من قبل اي كان، فهل من المعقول ان يكون المدرس في العلوم السياسية ابان الدكتاتورية غير بعثي ، و هو اليوم يتباهى بانه مخلص و يدعي الوطنية بالطول و العرض، و هل من كان حتى الامس القريب اقرب المقربين الى العائلة الحاكمة و لم يكن محل ثقة الدكتاتور و مخلصا لهم طيل حياته و حتى اليوم، و هل من كان في الموقع الحساس و اغدق بالخيرات من قبلهم و لازال ياكل من خيراتهم لم يوف بعهده و وعده حتى هذه الساعة. هذه من جهة البعثيين الذيم بقوا لاخر رمق في حياة النظام مخلصين له، و من ثم منحت الفرصة اليهم بعد سقوط الدكتاتورية نتيجة اختلال في توازن القوى ان يعودوا جماعات او فرادا الى الساحة سوى بدعم داخلي متنوع ، او بفعل القوى ىالخارجية . او من كان مخضرما !! و شاهد الضيم على يد الدكتاتور فلم ينكر ايمانه بالفلسفة البعثية لحد اليوم و بنى اعتقاداته على تلك المباديء على الرغم من معارضته لراس النظام السابق، فهو حتى اليوم يؤمن باليعث كفكر و فلسفة و اهم ما يعمل من اجله هو تطبيق ما يريد و يعتقد و يناضل حسب ايمانه من اجل تلك المفاهيم و لكن باسماء و مكونات مغايرة . لا يمكن ان ننكر ان النسبة غير قليلة فقط من الذين بقوا في الداخل ظلوا هاربين من اغراءات و ملذات النظام وما عمل من اجل كسبهم باي شكل، و كان طيل خمس و ثلاثين سنة يقاوم، و بقوا بعيدن عن غسيل الادمغة و الترغيب و الترهيب. هذا داخليا، اما الظروف الاقليمية و طبيعة الصراعات مابعد السقوط فانها ساعدت على اعادة تنظيم للقيادات و الشخصيات البعثية المشتتة و باشكال و طرق مختلفة و ورائها قوى و دول و مخابرات و مصالح دولية و امكانيات و وسائل متنوعة، و حاولوا التاثير على المسيرة و العودة بشتى الوسائل المتوفرة لديهم سوى كانت بالعنف و الارهاب و زعزعة النظام و اشاعة الفوضى و من ثم السيطرة و لم ينجحوا في ذلك، و لكنهم لم يكفوا عن دعمهم للارهاب و القمع بعد فشلهم هادفين عدم الاستقرار في اوضاع البلد متاملين اقتناص الفرص التي تتاح من ذلك و لم يتمكنوا ايضا ، او اقتنعوا بتو كيل من ينوب عنهم لمحاولة العودة عن طريقه ، و ما شاهدناه اثناء محكمة الدكتاتور كانت لهم الفرصة التي ارادوا استغلالها و لم ينجحوا ايضا. و هكذا اتبعوا عدة طرق، و اليوم نرى بوضوح دعمهم للشخصيات القريبة منهم و الموجودة في العملية السياسية و هو ضمن من من دعمهم امريكا لمساعدتها في توازن القوى، و هم تابعين للبعث او متاثرين او مدعومين ماديا و معنويا من قبلهم و الامثلة عديدة سيكشفها الايام و اكتشف منهم الكثير و الباقون اكثر. اليوم و بعد ان استقر النظام بعض الشيء في العراق و تاخروا هم في تحقيق اهدافهم المشبوهة، وهنا تم تطبيق الديموقراطية و مبادئها و تثبيت ركائزها في طريقها الى ترسيخ و التجس الى حدما، نرى ان البعث غيٌر استراتيجيته و يحاول الراعون له ان ينصحوه الى العودة من الباب بعدما لم يتمكن من العودة من النافذة و يحاول جاهدا التغلغل في العملية السياسية و تقوية مكانته و قوته في النظام و تنفيذ الاجندة التي يحملها و لم يكن بمقدوره ان يطبقها بالقوة المتوفرة لديه، فاليوم ينوي من فرضها من خلال الفجوات التي تفرزها الديموقراطية نتيجة حداثتها في الحالة العراقية الحالية. بعد التغيير و سقوط الدكتاتورية لم تكن امريكا تتوقع ان تؤول الاوضاع الى ما هي عليه ، و تاكدت من فشلهل على فرض خططها بعد التدخلات الاقليمية و المعوقات الداخلية المتعددة وغوصها في عمق الوحل الذي لم تتوقعه، فتوجهت الى ادارة الصراع عن طريق توازن القوى و اعادة اعداء الامس من اجل تلك الصراعات و السيطرة على الساحة ، و شاهدنا مدى دعمها للبعثيين و ان كانوا باسماء مختلفة ماديا و معنويا. اليوم و بعد تاكدهم من فشلهم و تغيير النظام الجمهوري الى الديموقراطي و تغيير الاستراتيجية الامريكية معها فيما يتعلق بتعاملهم مع القضية العراقية و تركه لشانه داخليا و بقائهم مسيطرين سياسيا عليه، فهم يحاولون بكل جهدهم وضع خارطة سياسية جديدة و يكون البعث جزء منها كنظام و فلسفة و ليس كشخصيات، فانهم لم يتمكنوا من اعادة شخصيات بعثية لعدم تقبلها من قبل الشعب و القوى، فانهم يعتقدون بمقدورهم اعادة البعثية ككيان و فكر و حزب و نهج ، و هذا من مصلحتهم، و هم مصرون على ذلك و لهم محاولات شتى في عقد الاجتماعات متعددة سرية و علنية بين الاطراف، و اصرار امريكا و ضغوطاتها المباشرة على هذا الجانب و الضغط على السلطات المتنفذة اليوم لقبول الفكرة و السماح في فتح الساحة للجميع بما فيهم البعثيين و تاكيدها على الغاء قانون اجتثاث البعث و التعديل في قانون المصالحة و العدالة، و اليوم يدعون المصالحة الوطنية بمشاركة الجميع ، و لا تخفى على احد اجتماعات شرم الشيخ و ما جرى من قبل دول الجوار، و غدا يوعدون و يهددون بوسائل اخرى، و محاولتهم في جمع القوى و اجراء الاجتماع الموسع بما فيهم البعثيين في الشهر القادم يحط في هذا الجانب و برعايته يضام ، و هذه هي الخطوة الاخرى في هذا الاتجاه . الا ان المفرح و المبشر في الامر و حسب كل المعطيات ليس هناك اي احتمال لتقبل عودة هذا الحزب باي شكل كان، و الظروف الموضوعية و الذاتية لم تسنح فرصة لهم و لا يمكن ان يروا في الافق بصيص من الامل في ذلك الاتجاه ، و ان حاولت امريكا من اعادتهم و ما قامت به من المناطق و الدول الاخرى في العالم لم يكن بالامكان اعادة التجربة في العراق ، و فشلها واضح لحد اليوم في اية خطوة خطتها ، و ليس بامكانها ان تفعل ما فعلت في افريقيا و امريكا الجنوبية و اوربا و اسيا و تجربة السوموزية في نيكاراغوا لازالت بائنة للجميع كما هو الحال في هندوراس الان و ليس ببعيد. المفرح في الامر في هذه الناحية، ان الجانب العراقي بسلطته وشعبه و ما يتصف به من الاخلاقيات و النظرة الى الامور و طبيعته الاجتماعية لم تتقبل عودة الماساة ، و المعروف من الشعب العراقي عن صفاته و هي احترامه و ايمانه بالكاريزما الشخصية و علاقاته الاجتماعية و ما فيه من العادات و التقاليد لن تقبل بما يتلائم و يتوائم مع تطلعات امريكا و البعث، وانكسر شوكة البعث الى الابد و ليس بامكان احد ان يعيد هيبته، و خاصة بعد ما كسر الشعب القفص و الغلال و تنفس الصعداء و لا يمكن ان يتقبل يوما ان يعيش تحت حكم من كبته و استعبده، و اليوم يتمتع بالحرية النسبية و انتقل الى المرحلة الاخرى ، و هي متقدمة و لا يمكن العودة عنها و ان لم يكن راضيا بشكل مطلق عن الاوضاع، الا انه يكره حتى التفكير في العهد الدكتاتوري . و من هذه الناحية يمكننا ان نبشر الجميع بان الظروف الذاتية لهذا الشعب لم تتقبل بعد اليوم نظاما شبيها لما كانت عليه الدكتاتورية البعثية، و ليس امام القوى كافة و معهم الولايات المتحدة الامريكية الا ان يدرسوا ما يتصف به العراق و واقعه و سماته و صفاته قبل اية خطوة، و كذلك تاريخه قبل اتخاذ اي قرار او محاولة لتطبيق الاستراتيجية الجديدة، و العراق ليس بهندوراس او نيكاراغوا و لا اية دولة افريقية او اوربية، و مكونات الشعب العراقي تحتلف من جميع النواحي عما يتصف به الاخرون. اي لا يمكن لاحد اعادة عقرب الساعة الى الوراء و لا يمكن لعودة البعثيين الى الساحة السياسية و محاولتهم من اقترابها من السلطة ان تتحقق مهما حاولت الاطراف و صرفت من الجهود و الامكانيات .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسفة التعليم في العراق بحاجة الى الاصلاحات و التغيير
-
تكمن الخطورة في تصادم استراتيجيات الاطراف العراقية
-
كيف تُحل القضايا الشائكة العالقة في العراق
-
هل بعد الاحد و الاربعاء يوم دامي اخر
-
ألم تستحق مجموعات السلام الاستقبال المشرٌف
-
سلامي و عتابي ل(الاتحاد) الغراء
-
ما العائق الحقيقي امام اقرار قانون الانتخابات العراقية
-
ما مصير قانون الانتخابات العراقية
-
ان كانت الدائرة الواحدة هي الحل في الانتخابات ، فما المانع؟
-
تصريحات مسؤولي دول الجوار تدخل في شؤون العراق الداخلية
-
فيما يخص ايجابيات و سلبيات القائمة المفتوحة و المغلقة
-
تطورات الاوضاع العالمية تتطلب يسارا واقعيا متعددة الاوجه
-
اي حزب يبني مجتمع مدني تقدمي في العراق ؟
-
تصادم المواقف و تقاطع الاراء يؤثر سلبا على المجتمع ان لم يست
...
-
هل الفساد نخر الهيكل الاداري العام في الدولة العراقية ؟
-
ملامح ما ستسفر عن المتغيرات الجديدة في المنطقة
-
التنبؤ بالمستقبل يحتاج الى خبرة و عقلية منفتحة
-
هل من الضرورة الالتزام بالقيم الاجتماعية في السياسة ؟
-
التحزب القح و مصالح الوطن
-
ضرورة التعددية في العملية الديموقراطية و لكن.......
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|