أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب كامل إبراهيم - الكابوس تفصيل تدمري














المزيد.....

الكابوس تفصيل تدمري


طالب كامل إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 2815 - 2009 / 10 / 30 - 15:41
المحور: الادب والفن
    



سقط رأسي تحت الأحذية السوداء الثقيلة، وانسلّت عيناي، وتشنّجت شفتاي، وسبحت خصلات شعري في دمي التّائه، كنت في الزّاوية الأخرى، أراقب نفسي، أرتعش، أختفي خلف ذراعيّ، أغوص في ثقوب الجدار، وأعود.. أعود من ذاكرتي.
تتجمّر عيناي، حين ترى حشو الرأس يتناثر رذاذاً, ويبذر المساحة الإسفلتية، فتخبط الأطراف بعنف، تضرب، تهيج، تتسارع، ثم تهدأ رويداً.. رويداً.
تغيب الشّمس على انطفاء بعث آخر لروح تائهة في شريط سينمائي يمتد في الزّمن، وتكثر الرّؤوس، فتكثر الأحذية، ويتطاير الرّذاذ، ويغطي الشّمس، وتنطفىء.
أمدُّ يدي في فراغ مخيف, لأدفع وجهي, وجوهي المذبوحة.
أتسمّر، أصرخ، أصرخ عندما يكثر الطّنين والدّوار, فلا أسمع صراخي، أغمض عينيّ، فتتوهج الصور المتراقصة، تخبط، تتناثر وسط غياب الشمس الدامية في كهف إله قاس، يعاقب المارق الهرطوق، ويهوى القرابين.
خمس.. عشر... خمس عشرة..
وكابوسي لا يغادرني، ولا أغادره، وأبقى كما أنا، تمثالاً ، عيوناً، بذاراً، مرايا، وتفاصيلي تنتقل من زاوية إلى أخرى، والصورة يعج فيها الموت بالحياة.
دهاليز مظلمة، تتوهّج بالوجوه والأحذية ، ولا ينهمر المطر.
الماء يرميني كالرّصاص ، ويسيل كالدماء، وأصرخ، ولا أسمع الصّراخ، ثم نسيتُ المفردات.
تعيش تفاصيلي، ويعيش الإله المولع بالعالم الهلامي.
خمس... عشر... خمس عشرة...
وسط البذار، مواسم الهلام، والشّريط، الشّريط المسبحة، حبّةٌ تضرب حبّة، وتوقد بضجيجها الكوابيس.
خمس.. عشر.. خمس عشرة.. فماذا بعد؟!
ماذا بعد ذاكرة أنهكتها الحفلات والغيابات؟!
ماذا بعد غياب أثقله حضور مراسم حصاد المواسم الهلامية؟!
ماذا بعد هلام أسكره شفق شمس تغيب، وتعود مطفيّة؟!
ماذا بعد خمس، عشرة.. خمس عشرة وحدة قياسية؟!
ماذا حصل؟! كيف حصل؟! من رحل؟! من بقي؟! ماذا بقي منّي؟! بضع أضواء خافته تخفق في شريان فارغ!!
حفنة دعوات يتبنّاها إله رائع!! ولا يألف القرابين!!
رشفة صوت تقلبُ المفردات صفيراً أو أنيناً أو صراخاً آخر كل ليل..كابوس يعلق في رفيف العين، بينه ، عبرة.
خمس... عشر... خمس عشرة... زمن..
وأحلم..!! بتُّ أحلم!! كابوس؟! لا.. لا.. حلم.. وأمسك نفسي متلبساً بالحلم.. لا ..لا ليس حلماً !! إنّي أنتظر.. إنّي أحلم بالانتظار..
لا..لا إنني أمارس الانتظار.. أنتظرُ.. انتظرُ.. انتظر.. بتُّ انتظر!!
صار لي صوتي، صرت أصحو من كابوسي، وأصرخ، أسمع صوتي فأبتسم، لقد صار لي صوتي، والماء يبرّدني، يُدفّيني، لم يعد يرميني، غابت وجوهي في مرآة زمنيّة، عادت لتكون منسيّة.
تشرق الشّمس، تغيب الشّمس، لا شيء يطفيها إلاّ صحوتي على إله يرى، ويحبّ، ويتلقّى الدّعوات، وفي سمائه نجوم، ويبذر الضوء الحنون، فأقطف خصلاته، واخفي في شعابه الزّفرات. خمس.. عشر.. خمس عشرة وحدة زمنيّة!!
لست وحدي، لم أكن قطّ وحدي، فأنا أكثر منّي، أكثر بكثير، قلتها، قلتها وأقولها.
يبتسمون، يموجون حولي، ويبتسمون، نسيت اسمي، لكنّهم تذكّروه، وذكّروني أن لي اسماً ، لم أكن أتوهّم ، لا..لا..لا.. لم أكن أحلم.. خرجت إلى الحقيقة، وأنا الآن حقيقة.
حقيقة أني لست وحدي، وأن لي اسماً، وأنهم ذكّروني.
حقيقة أراها ، وأمارسها..!!
عاد لي اسمي إذن، لكن مهلاً .. مهلاً .. كيف عاد؟!
لا أعرف، ما يهمني أنّه عاد، عاد مقطّعاً ، مقطّعاً.
عاد السفر، ثم عاد العشّ، ثم عاد الطّائر.
وجدتُ حذائي ، وكان فارغاً!! وحولي كانوا يبتسمون، يشفقون، يزرعون على تفاصيلي، معطفي القديم.
خمس ... عشر... خمس عشرة وحدة زمن قياسية.
يبتسمون، ويتكئون على حافة عيونهم الرّطبة ، ويوقظون فرحاً أمام عينيّ التّائهتين، تتجمّع تفاصيلي، وتنزاح أخيلتهم المتماوجة، تنام قدماي في لوحتي الحذاء الفارغ، وتتبع تفاصيلي الخطوات المصمتة..؟!
الإله الجديد يقطر خوفي في مسام الطّريق، ويقسّم الحقيقة على دفعات:
أننّي موجود.. ألمسـ"ني" وأعرف أنّي أنا!! أقرصـ"ني" وأعرف أنّي أنا!!
أمشي إلى متاهة، لكنها للمرّة الأولى ستكون رحيمة!!
أنّي أتحرّق شوقاً!!
وأرتمي على الشّباك، على المعدن البارد، أراقب عتبةَ العشّ.
خمس... عشر... خمس عشرة وحدة؟!
رأيتهم كلّهم، رأيت خمس عشرة سنة في لحظة واحدة.. خاطفة.. حين وقف الكائن الأسود أمام عينيّ، يمطرني بدموعه، يغطّي وجهه بيديه النّاعمتين، فمن يكون؟!!
خمس... عشر... خمس عشرة سنة...
أشرق وجه أمي الدافئ يبكي، ويتنهّد، ويتشهّد، فانطلق صوتي، يوقظ سنين الغياب كلّها بكوابيسها، بأحلامها، انطلق غزيراً متفجّراً :
- يومّه... يومّه... يومّه...
خمس عشرة سنةً مرّت كأنّها أمس!!
ضربت الشّباك بكفّي، ورأسي، وقدمي، جرحتها بصدري، عضضتها بأسناني الذّابلة، عصرتها بأنفي، ببشرتي السّائلة، وتشبثتُ، وانشبح جسدي الطّري على الأسلاك متراخياً كثوب رطب، وطفقت دموعي تنهمر، وتغرقني وتغرق وجه أمي، أمي التي تركتها أمس، لكنّها عادت.
عادت موجات، موجات، تلوح أمامي وتضرب بزبدها المقدّس شواطئ لهفتي وذاكرتي، تبادلنا التّشهد، تبادلنا البكاء وجرعات عجائب الرّب المذهلة.
خمس.. عشر.. خمس عشرة سنه...
رفع الكائن الأسود يديه عن وجهه الحار المرتجف كقصبة، وتمتم، وأطلق حروفاً كثيرة، تناثرتْ كالطّيف، وكأنها لم تكن، ثم اهتزّت شفتاه وسط نشيجه المهلك، وتأتأ:
- أمك.. ماتت من زمان... أنا.. أختك الكبيرة..!!!






#طالب_كامل_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تركيا سورية: شراكة, أم مظلة حماية ..؟
- مغامرة وقعة قصص قصيرة جداً
- الموضوعي تعزية شتيمة مراقبة قصص قصيرة جداً
- هيثم المالح أول معتقلي زمن الانفتاح
- سرقة أدبية مرارة قصص قصيرة جداً
- مصادرة
- من سيدٍ إلى أسوأ
- الحزب القائد والمجتمع السخرة


المزيد.....




- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...
- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
- -رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
- فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
- فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال ...
- اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة ...
- كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك ...
- الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب كامل إبراهيم - الكابوس تفصيل تدمري