|
سارة القيس
رياض الحبيّب
الحوار المتمدن-العدد: 2804 - 2009 / 10 / 19 - 04:17
المحور:
الادب والفن
دنتِ السّاعة واٌنشقّ القمَرْ *** عنْ غزال ٍ صادَ قلبي ونفرْ إنّـهُ مطلع قصيدة شهيرة لِاٌمرئ القيس- من بحر الرّمَل- جميلة ومميّزة برهافة الحسّ لدى الشاعر وبأصالة الشّعْر في ذلك العصر المسمّى بالجاهلي. لكنّ بعض الجهات فيما بعد حاولتْ إنكار القصيدة على شاعرها بحجّة أنّ أسلوبها لم يرق إلى أسلوب المعلّقة خصوصاً وأسلوب شعر اٌمرئ القيس عموماً، أمّا السبب الحقيقي للإنكار والقويّ فيكمن في أنّ مؤلّف القرآن قد سرق منها ما سرق مع سبق الترصّد والإصرار – سورة القمر مثالاً، ما حدا بجهات أخرى إلى إسقاط القصيدة من ديوان الشاعر المدوّن على الإنترنت؛ موقع الموسوعة العالمية للشعر العربي مثالاً، كما لاحظت خلال محاولتي العثور على القصيدة هناك.
أمّا بعد فلعلّ اٌمرأ القيس قصد أنّ الغزال الذي خرج لكي يصطاد هو الذي صاد قلبه وامتلكه وشرَدَ به حتـّى فرّ من أفق رؤيته ونفر- فمِنْ أيّة جهة يلوح وإلى أيّ اتجاه يروح؟! لقد دنت ساعة ظهوره بل حانت وإلاّ فلعلّ القمر يجودُ على الشاعر، لعلّه ينفلق عن الغزال، يتجلّى بما فاق الوصف والخيال، تتهادى في أثره الظلال ويرجع القلب بعد صلاة وابتهال- رُبّما قصد اٌمرؤ القيس معنىً آخر غير ما تقدّم، لكنّ المعنى في قلب الشاعر- كما يُقال.
وأمّا اليوم فقد وقفتُ داخل صالة الإنتظار عبر بوّابة المطار التي تطلّ منها سارة القيس ذات الأسفار متجشـّمة جميع الأخطار. إنـّما وددت قراءة مطلع القصيدة المذكورة ورؤيتها من زاوية حديثة؛ راقبت جوانب الصالة كي أتلقـّف الزاوية التي أتوجّه منها لملاقاتها، لم أكن أعرف متى ستطلّ ولا من أين، لكنّ نظراتي لم تحِدْ عن القمر الذي انشقّ لحظة وصولها ليفاجئني بإطلالتها البهيّة- وإلاّ فما أدراني ما الذي زاد القمرَ بهاءً وروعة في تلك اللحظة: دنتِ السّاعة واٌنشقّ القمَرْ *** وَصَلتْ سارة ُ ما أحلى الخبَرْ! قمَرٌ حَدّث َ في روعَـتِهِ *** عنْ غزال ٍ صادَ قلبي ونفرْ
وهذا ما يسمّى بالتشطير، من فنون الشعر المُلحَقـَة بالبحور الستـّة عشر، في علم العَروض، تلك الفنون سبعة: لزوم ما لا يلزم والتشريع والتسميط والتخميس والتفويف والإجازة، بالإضافة إلى التشطير– راجع كتيّب “ميزان الذهب في صناعة شعر العرب” لمؤلفه السيد أحمد الهاشمي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
هنا ما وَصَل من قصيدة اٌمرئ القيس*
دنتِ الساعة ُ واٌنشقَّ القمَـْـر *** عن غزال صاد قلبي ونـَفـَرْ أحورٌ قد حـِرْت في أوصافـِهِ *** ناعسُ الطرْفِ بعينـيهِ حَـوَرْ مرَّ يومَ العيـدِ بي في زينـةٍ *** فرمـاني فتـعـاطى فَعَقــَرْ بسِهـامٍ منْ لحـاظٍ فاتــك *** فرَّ عني كهشيـم المُحْـتظـرْ وإذا ما غـاب عنـّي ساعـة ً *** كانتِ السـاعة أدهى وأمَـرّ كُتـب الحُسْـنُ على وجنتـِهِ *** بسحيق المِسْـكِ سطراً مُختصرْ عادة الأقمارِ تسرى في الدجى *** فرأيتُ الليـلَ يسري بالقمـرْ بالضحى والليـلِ من طرَّتـِهِ *** فرْقه ذا النور كم شيء زهـرْ قلـتُ إذ شـقّ العِـذارُ خـدَّهُ *** دنتِ الساعة واٌنشـقّ القمـرْ
---------------------
وهنا قصيدتي المُعارضة- وزناً وقافية- مهداة إلى الحبيبة- سارة القيس - إنـّها الزوجة والدنيا، لم يكفّ الشـّاعر عن التغزّل بها، إنـّها الحبيبة قبل الزواج وبعده.
******* سارة القيس *******
(دنتِ السّاعة واٌنشقّ القمَرْ) *** وَصَلتْ سارة ُ ما أحلى الخبَرْ!
قمَرٌ حَدّث َ في روعَـتِهِ *** (عنْ غزال ٍ صادَ قلبي ونفرْ)
سارة ُ القيس اٌستخفـّتْ بالخطرْ *** ظنـّتِ الدنيا قضاء وقدَرْ
يا فؤادي إنـّما جدّ الهوى *** يتـشظـّى كالثـّريّا والمطـَرْ
ذا غزالي فرّ مِنـّي غزلاً *** ومديحاً كلّما حان السّمَرْ
أحمرُ الخدّين ما أحلاهما *** في بَياض ٍ منْ أعاجيب الصّوَرْ
تلتقي حولهما نافورة ٌ *** مِنْ سراب ٍ ما لها مِنْ مُستقـَرّ
خِصْلة ٌ دارتْ على محورها *** تتلوّى في دهاليز الشـّعَرْ
هِيَ في المَدّ وفي الجَزْر يدٌ *** لغريق ٍ بفم ٍ يشكو الخـَدَرْ
كهلالـَينِ أطـَلّا فجْأة ً *** مِنْ تـَحَدٍّ بينَ بَحرَينِ وبَـرّ
في ثنايا رِيمةٍ رُوميّةٍ *** ليس عند البَدْو منها والحَضـَرْ
غلبَ الحُسْنُ على أرجائها *** باٌختصارٍ لتصاميم البـَشـَرْ
--------------
فرّتِ الرِّيمة ُ مِنْ ذئب الفـَلا *** ذات يوم ٍ واٌستعدّتْ للسّفـَرْ
رحلتْ باكية ً منْ بيئةٍ *** تركتْ في نفـْسِها أقسى أثـَرْ
قدْرَ كلبٍ وحمارٍ حَصَدَتْ *** مِنْ سخافاتِ وَضِـيع ٍ مُحتـَقـَرْ
زرَعَ البُغـْضَ بأصقاع الدّنى *** فتفشّى الرّعبُ فيها واٌنتشرْ
كفرَتْ سارة ُ بالدِّين الذي *** حَط ّ مِنْ قيمتها أنـّى عَـثـَرْ
ممّنِ الوحْيُ لكي يخدعَها *** بأساجيعَ وشِعْر ٍ في سُوَرْ
تنزلُ الآي تباعاً هكذا *** شاءَ عِزريلُ بطول ٍ وقـِصَرْ
وُلِدَ الشّرْعُ مِنْ الغابِ وفي *** حَضرة الجنّ بوَيْلاتِ سَـقـَرْ
ليت للمخدوع عَيناً لترى *** خدعة الحَرْفِ وكمْ زاغ البصَرْ
قالتِ الحَسْـناءُ لي واثقة ً *** لمْ يكُ الذئبُ ذكيّاً واٌنتصَرْ
إنّما الخـَلـْقُ غبيٌّ حولـَهُ *** لم يُفرّق بين رَبّ ٍ وحَجَرْ
ذلك الأبيض قـِيلَ اٌسْـوَدّ مِنْ *** قـُبَل ٍ ضاق بها صَدْرُ عُمَرْ
ومن الحَيض زماناً غابراً *** ومن الحَـكّ وأسباب ٍ أ ُخـَرْ
هل دَرَتْ حوّاءُ يَوْماً جنـْسها *** سَيُلاقي ما تلقـّى مِنْ ضَرَرْ
لغـَوَتْ آدمَ كيْ يَقـْـتلها *** قلتُ يا ليتَ غوتـْهُ واٌنتحَرْ
نطقتْ سارة ُ بالحقّ فلا *** وَحْيَ لا تنزيلَ لا جبريلَ مَرّ
سارة ُ القيس اٌستعادتْ رُشـْدَها *** بلسان ٍ عَسَلَاً دَرّ وذرّ
مَيّزتْ خيرَ طريق فسَعَتْ *** تـُعلِنُ البشرى وتزهو بالعِبَرْ
إنها بنتُ الأصول اٌعتصَمتْ *** بيسوع الحبّ والفادي الأغرّ
_____________________
* هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو… الكندي، شاعر جاهلي يُعَدّ أشهر شعراء العرب على الإطلاق، من أصحاب المُعَلّقات السبع أو العشر- مطلع معلّقته: قِفا نـَبْـكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب ٍ ومَنـْزِل ِ *** بِسِقـْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول فحَوْمَل ِ يمانيّ الأصل، مولده بنجد. كان أبوه ملك أسد وغطفان، يُروى أنّ أمّه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب والمهلهل اٌبني ربيعة التغلبـيّين. قال الشعر وهو صبي، جعل يشبّب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حضرموت موطن أبيه وعشيرته وهو في نحو العشرين من العمر. أقام زهاء خمس سنين، ثم جعل يتنقـّل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال: رحِمَ الله أبي! ضيّعني صغيراً وحمّلني دمه كبيراً، لا صحو اليوم ولا سكر غداً، اليوم خمر وغداً أمر. ذهب إلى المنذر ملك العراق، وطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السّمَوأل، فأجاره ومكث عنده مدة، ثم قصد الحارث بن شمر الغساني في الشام، فسيّره الحارث إلى القسطنطينية للقاء قيصر الروم يوستينيانوس، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح فأقام فيها إلى أن مات. ولا يُعرَف تاريخ ولادة امرئ القيس ولا تاريخ وفاته بالضبط، إلاّ أن هناك بعض الأحداث الثابتة تاريخياً وبعض الدراسات الحديثة ممّا ساعد على تحديد الفترة التي عاش فيها حتى توفي سنة 565م بأعلى تقدير. وهنا في الرابط سيرة حياته، علماً أنّ بعضها مدوّن في ويكيبيديا- الموسوعة الحرّة: http://www.almuallaqat.com/poetDetails.do?poetId=1
#رياض_الحبيّب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة 13
-
سمفونيّة مريم العذراء
-
تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة 12
-
سونيتا: سأدّعي النبوّة
-
لا نبيّ من نسل إسماعيل- خامساً وأخيراً
-
ززز
-
لا نبيّ من نسل إسماعيل- رابعاً
-
مِنْ وَحْي اٌضطهاد الأقلّيّات
-
عاش الزعيم عبد الكريم
-
لَا يُفتِ رسولُكَ بالجنّهْ
-
لا نبيّ من نسل إسماعيل- ثالثاً
-
قالتْ إنّي أعشقُ كُفري
-
لا نبيّ من نسل إسماعيل- ثانياً
-
لا نبيّ من نسل إسماعيل- أوّلاً
-
والقمر إذا خسَف
-
رحمة ابن الإنسان وجرائم رجم الزانية والزاني- 3 من 3
-
رحمة ابن الإنسان وجرائم رجم الزانية والزاني- 2 من 3
-
شكراً أختنا العلمانيّة د. وفاء سلطان
-
من وحي حوار مع د. وفاء سلطان
-
كذِبتَ فلا تقلْ كذِبَ الرّصافي
المزيد.....
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|