غريب عسقلاني
الحوار المتمدن-العدد: 2801 - 2009 / 10 / 16 - 21:36
المحور:
الادب والفن
في المقهى أخذنا بعض راحة وكان ثالثنا البحر، والمرأة التي معي تركت خلفها أربعة عقود ويزيد وما زالت تحمل وجه صبية..شيء كاللّهاث تورَّد على وجنتيها، وقبل أن يتفتح برعم الابتسامة بين شفتيها سكنت في الصمت وداهمها السعال..فيما أنا مع وشيش البحر أطارد فكرة شاردة ..
وضع النادل بيننا كوبين من الشاي، وضعت هي في كفي بضع وريقات, قالت على حذر خجول :
- تقرأ فيها بعض ما يهاجسني في الليل بعيداً عن العيون .
- هل هناك من يترصدكِ ..
- اللذين هوايتهم التحديق في لحم النساء .
رقصت الابتسامة عند زاوية فمها, قلت معتذراً :
- من يراك يا سيدتي يأخذه سحر النساء ..
اتكأت على مرفقيها، بين كفيها كوب الشاي تتدفأ على بعض حرارته الذابلة، عاد السعال يضربها قبل أن تطأ عتبة البوح .. صدرها وقد أخذته الزلزلة تشبثت بلحم صدرها وتقيأت قلبها..رأيت قلبها المفقوء ينبض بالشقاوة والمرارة..ورأيت في عينيها اللوزيتين يمامة ترقد على البيض تهدل بالفرح، ورأيت قمراً يتسلل من خاصرة مثقوبة، والثقب أخدود عميق..كدت أصرخ..لكنه صوتي في جوفي ظل يتردد..
" أللعنة ما أرى..امرأة تتقيأ قلبها.."
المرأة ضبطتني وأنا أحاول عبثاً ترويض جنوني..قلت :
- من يثقب خاصرة امرأة رقيقة !
- لا تغرف في وجعي فيغادرك النهار, وترى مثلي في الليل حياة .
- الحياة يا سيدتي عتمة وضوء متواليات..هو القدر لا مفر
شخصت في المدى، وقفت عند موجه ماتت على رمال الشاطئ تمتمت، تحدث طيفا بعيداً:
- ضوء وعتمة وهروب .
- الهروب ؟ إلى أين .
- الهروب إلى الهروب .
في الهروب ذهبت يسبقها وجه طفلة مرسوم عليه وجه صبي يحمل وردة، في الهروب أصبحت امرأة معبأة بالثراء يراقصها طاووس يختال بريش الأغنياء، ضاعت المرأة مني في الزحام، وبقيت وحدي مع وشيش البحر والوريقات في كفي بيض يمامة طارت، صارت طيف امرأة في الغمام، وبقيت مع السؤال وحيرتي ..
ماذا لو فقس البيض عن أفراخ عارية ترتجف ؟
السؤال سرق مني الغفوة، عبأني بالأرق، لم يعد لي غير الليل رفيق ,فأخذت أرسم في عتمته آلاف الصور، والصور تومض مثل برق وتموت .
في الصور عادت الطفلة صبية، والصبي المرسوم على وجهها يحمل بدل الوردة دمعة..في الصور صارت الطفلة أميرة تسكن في مدار الطاووس يسكنها السعال, وفي الصور جاءت المرأة كفها مزروع في ثقب الخاصرة..سألتني :
- هل قرأت ما بين السطور؟
- ما رأيت يعلن عن جور عظيم .
وضعت راحتها على فمي..قالت وكانت واثقة :
- اليمامة لا تستقبل نطفة من ذكر عقيم .
غابت المرأة قبل بزوغ الفج..ومع الفجر طارت الأوراق مثل أفراخ اليمام, وصحوت على رنة صوتها :
- برد الشاي..أين سرحت ؟!
- كنت مع امرأة ما زالت تحمل وجه صبية
لوحت لي، قالت :
- بعد أن تقرأ أوراقي ربما يجمعنا لقاء .
#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟