علي حمدالله
الحوار المتمدن-العدد: 2800 - 2009 / 10 / 15 - 22:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذه المقالة لمن يؤمن بالتنوع الفكري و أن اختلاف الأمة رحمة وأن للمجتهد أجره .
كنت ما أزال طفلا تحت العاشرة حين استخدمت أمية النبي كحجة لعدم الذهاب الى المدرسة , تلك القصة تمثل وعي انتهازي مبكر لاستغلال النص الديني أو الفعل النبوي لتحقيق مآرب و مطامع شخصية .
في أحد الأيام مر الرسول على قوم منهمكين بالزراعة فأشار عليهم بمشورة لم تنجح و عندما راجعوه قال : "أنتم أدرى بشؤون دنياكم" , دنيا من دنيوي أو العالم و منها باللاتينية "secula " أي العالم و منها العلمانية "بفتح العين" , أعتذر للعقل الحر عن تأويلي للنص و اللغة و تحميلهما ما لا يحملا .
عندما مرت الدعوة في مكة بمرحلة انسداد أفق و تصاعد العنف الجاهلي ضد حملة الدين الجديد كان خيار الرسول الهجرة مع الثلة المؤمنة , ألا ترى يا عزيزي أن الظلم الذي نتعرض له أعظم و انسداد الأفق أكثر سوداوية فهل نتأسى بالرسول و نهاجر , قال تعالى : "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة (فتهاجروا)فيها فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيراً" , نحن مستضعفين فهل نهاجر. أنا لست كمبرادور لثقافة التهجير ولا أتهم النص و لكني أطرح معه علاقة جديدة.
دار نقاش زمن أبوبكر بين فريقين , أبو بكر كان مع حروب الردة"والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لجاهدتهم عليه" , و الفريق الثاني يطلب اللين والرأفة مع جماعة تشهد أن لا اله الا الله , انه نقاش حول الزكاة و قتل المؤمن , نقاش في الكليات , فكيف يدعي البعض الحقيقة المطلقة في سفاسف الأمور.
هناك حديث لنبي الإسلام أنه لو كان نبياً من بعدي لكان عمر , و عمر أحد المبشرين بالجنة , وهو الذي أسس للدواوين و نظم الجيش ولو بحث في كل النص و سيرة الرسول عن ما له علاقة بالدواوين و تنظيم الجيش لما كفاه عمره بحثاً .
عمر العظيم عطل العمل بحد السرقة في عام المجاعة و عند الحاجة مع أن النص القرآني جاء على إطلاقه , عطل نص قرآني صريح !
وعارض كذلك حصة المؤلفة قلوبهم بعدما اشتدت أركان الدولة , وأوقف التعزير لشارب الخمر فترة الحرب , و قتل الجماعة بواحد , و لم يوزع الأرض الخصبة على الفاتحين .
نلحظ من تلك الأمثلة إما تعطيل للنص أو السنة لصالح تغير الظروف أو لصالح العقل ,عمر ليس مبتدع و لكنه مبدع علم أن العدل من جوهر الإسلام ومخالفة النص لأجل العدل أولى من مجافاة العدل لأجل النص , ألا يستدعي ذلك وقفة .
ابن رشد أحد أركان الحضارة الغربية الحديثة اعتقد بأولوية العقل عند تعارضه بالنص .
أين رأي النص مثلاً في أسلوب تولي الخلافة حيث انتقلت الخلافة الراشدية بأربع طرق مختلفة انه يا رفيقي دور العقل البشري , نعم يا أخي لقد نزل القرآن منجماً حسب الظروف و الزمكان فساعة يقول : اقتلوهم حيث ثقفتموهم و ساعة يقول : جادلهم بالتي هي أحسن ,و قال الرسول الناس سواسية و لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى و قال الأئمة من قريش كيف يتفق ذلك , لا تناقض في القرآن و الحديث و لكنه اختلاف الرأي باختلاف الزمان و المكان , آه يا أمتي كم يختلف زمانهم عن زماننا .
نعم نحن نظلم الدين و نظلم أنفسنا و أمتنا بإقحام الدين بتأويلات شخصية في السياسة و الاقتصاد و حتى العلم بتحميل الدين ما لا يحمل .
تاريخنا يا دام عزك غارق بركام من الفتاوى و الآراء الشخصية التي أخفت جوهر الدين و لبست لباس القدسية بحيث إذا عارضت أحد هذه الآراء ما نجوت لحظة من تهم التكفير و التضليل و إباحة دمك .
كل يعتبر نفسه ظل الله على الأرض و حزبه حزب الله ثم يكفرون من يدعي النبوة يا للمفارقة !
لا يوجد فتوى ولا مفتي ولا رأي مقدس أو مطلق , كان لإقليدس أربع مسلمات قام آينشتاين بتفنيدها .
النص مطلق و لكنه ما إن دخل تلابيب العقل البشري أصبح نسبي , فهمه و لفظه قابل للصواب و الخطأ .
الكل يتبنى الحقيقة المطلقة , من فوكوياما في كتاب نهاية التاريخ إلى الأصولية الماركسية في حتمية التاريخ , من حركات الإسلام السياسي المعتدل إلى السلفيين , من دعاة اللاعنف في الدين إلى أفكار التكفير و التقتيل , الجميع يكره الجميع ويعادي الجميع قال دان براون :"منذ أن وجدت فكرة الله و الإنسان يقتل باسمه! ."الشيخ" ما هذا المصطلح الذي يقسم المجتمع باللحية و المسبحة إلى شيخ (متدين) و لا شيخ (فاسق) . معظم المفكرين الإسلامويين يجمعون على تكفير العلمانية و منهم من يعتبرها رديف الانحلال الخلقي , أرجو أن تغير مقالتي ولو قليلاً بتلك الأحكام المسبقة . هم يعتبرونها نقيض الإسلام وأنا أقول أن قراءتي للإسلام قراءة علمانية إسلامية كما قرأه البعض قراءة سلفية و البعض يسارية والبعض تأويلية , لا أدعي السبق فقد قال البعض بالأخذ بمقاصد الشريعة و قال ابن تيمية أن الشريعة كلها عدل و رحمة و حكمة و مصلحة كأساس لاستنباط الحكم الشرعي , وأنا أقول بقراءة النص و استراتيجياته قراءة تاريخية أي فهمه في ضوء الظروف التي صدر فيها و الأخذ بعين الاعتبار التغير و التطور المستمرين في المجتمعات مع العلم أن المساحة التي لم يتعرض لها النص هي أوسع بكثير من تلك التي تعرض لها وهنا مسرح العقل الحر و العقل الحر هو أساس العلمانية. إذا كان عمر عطل حد السرقة لفهمه لجوهر الدين فلماذا لا نعطي للأنثى مثل حظ الذكر بعد تهدم أركان المجتمع الذكوري و تلاشي مبدأ القوامة –فكم من أنثى تعيل رجلاً- , لماذا رأي الشاهد الأمي برأي شاهدتين تحملان الشهادات العليا ,و ماذا عن عقوبات الجلد و الرجم هل ما زالت مقبولة للنفس الانسانية و هذه مقدمة لزمن جديد و فكر جديد فقد تنبأ الرسول أنه على رأس كل مائة عام سيأتي من يجدد هذا الدين .
#علي_حمدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟