جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2794 - 2009 / 10 / 9 - 18:56
المحور:
كتابات ساخرة
كان جدي (أب أمي) كثير الضيوف ويعدُ بين الرجال رجلاً مضيافاً , وكان يزهق الضيف اللي بضيفه حاله وحياته , وكانت بعض ضيوفه يقرفوا اليوم اللي ضافوا فيه على مضافته وخصوصاً إذا كان الضيف يعرفه من زمن قديم, على شان الضيافة كانت على قدر الصحبه القديمه والمحبه , يعني إذا أجا على جدي ضيف بحبه وبعرفه بزهقه حياته من كثر أعمال الضيافه.
وكان جدي (أبا أبي) كثير الكرم ورجلا مسرفاً ومبذراً فكان يبيع من أراضيه المتخامة للحدود الأردنية الإسرائيلية لكي ينفقها على الضيافة والمخترة لكي تقول عنه الناس أنه شيخ عشائر ومختار .
والعربي البدوي الذي يعيش في الصحراء كانت طبيعته متناقضة يسرق الطعام ويهبه لنفسه وللجياع وكان يسبي النساء من أجل أن يحصل على الجنس نظراً لقلة الإناث اللواتي يقتلهن وهن أطفال.
فكان القتل بسبب الجوع وكان الكرم بسبب إحساسه من أن الآخر ضعيف ولا يقدر على السرقة والقتل , وكاتنت الناس تعتبر اللص والحرامي رجلاً تفتخرُ فيه بين الناس كما يفتخر العالم اليوم بعالم الذرة, وسمعتُ مرة من رجل جاء خاطبا أي جاء يطلبُ عروس (عاروس) فسأله أب العروس:
-إنت حرامي ؟
-أنا؟لا, أعوذُ بالله شو حرامي ؟!.
-بتهاوش الناس وبتتصلبط عليهم؟
-أنا؟, لا شو أهاوش الناس واتسلبط عليهم !
_لعاد كيف بدك أعطيك بنتي ؟ لا انت حرامي ولا لص ولا سرسري ولا سراق ولا قاطع طرق ولا إبتتسلبط على الناس على إيش بدي أعطيك بنتي؟ بكره البنت عندك بتموت من الجوع, روح أطلب عروس من عند غيري.
وفي اليوم الذي آخا فيه محمد بين الأنصار والمهاجرين كان التآخي على أساس تقاسم البيوت والأراضي والنساء وكانت النساء كأنهن قطعة أثاث أو خيل أو حماره يبيعونها ويشترونها ويعقدون على جسمها صفقات عشائرية , فكان الأنصاري ينزل عن الزوجة الزائدة عن حاجته لأخيه المسلم وكلمة ينزل تختلفُ عن الهبة فكلمة ينزل عنها تعني أن المرأة ركوبة ومطية للرجل مثلها مثل البهيمة التي تحته .
وكان هذا يعدُ تقريباً كرماً بنفس الوقت الذي تشير فيه كتب التراث إلى عدة نساء تم اغتصابهن وهن في صلاة الفجر من قبل أهل المدينة.
كان العربي وما زال يتصف بالكرم وبالشجاعة وبحسن الضيافة , بس هذول المصطلحات إذا بنعيش واقعهن نجدهن مؤلمات جداً من حيث السلوك .
كان العربي الشجاع وهو في الصحراء إذا وجد امرأة يغتصبها ويجعلها نهباً للريح وكان بنفس الوقت إذا ما سار بضع مئات من الأمتار ووجد امرأة غيرها تصيح وتنادي وتطلب الإغاثة كان يهرول إليها وهو يقول لبيك يا أخت العرب , فكان ينجدها إذا استطاع من اللصوص وقطاعين الطرق علماً أنه قد كان قبل ساعة كما أشرنا قد وجد امرأة لوحدها فأسرها واغتصبها .
وهذه الصفات الحميدة ما زال العرب يمارسونها , فهم اليوم إذا وجدوا مثقفاً أو سياسياً يحاربونه ويناوشونه ويزعجونه ويحرمونه من الحياة الكريمة وفي الليل تأخذهم المروءة وهم يستمعون لنشرات الأخبار فيهبون هبة رجل واحد إلى الشوارع معلنين تضامنهم مع الأقصى وفلسطين والقدس وهم في نفس الوقت يفعلون بالمواطن العربي أكثر مما يفعله الإسرائيليون في الفلسطينيين.
كان العربي وهو في الصحراء إذا وجد رجلاً ومعه راحلته وعليها متاعه يقتله ويسرق راحلته وإذا وجد عربياً آخر في الصحراء يعاني من شدة الجوع والعطش كانت تأخذه الحمية والرجولة والشهامة فينزل له عن حصانه وماءه وشرابه وزوجته إذا رغب فيها .
وقصة الحمامة معروفة :
كان رجل يمشي في الصحراء ومعه ماله وزوجته فوجده رجلٌ آخر فأراد قتله فقال له المقتول :
- لا تقتلني ستعاقب على فعلتك .
- ومن يعاقبني وليس هنالك شهود .
- هنالك حمامة ستشهد عليك أنك قتلتني .
فوجه الرجل سهمه إلى الحمامة فقتلها وأفرغ ما في جوفها وقام بتحنيطها , وبعد مضي عشرون عاماً ضافه صديقٌ له يطلب العون والمساعدة فأعانه وساعده وكان معه كريماً فرأى الضيف لحمامة فسأله عنها فقال له أن الأعرابي الغبي كان يريد من الحمامة أن تشهد على قتله , فحنطتها لكي لا تشهد عليّ وروى للضيف ما كان من أمر الرجل وماله وزوجته التي اغتصبها فضحك الضيف وقال : لقد شهدت عليك الحمامة إن الرجل كان أبي والزوجة الجميلة كانت أمي , وعلى الفور استلّ سيفه من غمده وغرزه في بطن المستضيف وشهدت الحمامة عليه.
وكان العربي إذا وجد رجلاً ومعه زوجة جميلة كان يقتل زوجها أو يجبره للنزول عن زوجته وبنفس الوقت كان إذا وجد رجلاً آخر ليس معه زوجة كان ينزل له عن إحدى نساءه كرماً منه ومحبة للشهامة وللمروءة.
وكان إكرام الضيف واجب وقد شاهدت بأم عيني كيف كانت الضيوف تهربُ من بيت جدي وأنا طفل صغير.
وصدقوني كان جدي يرحب بالضيف بصوت عالي حتى تنخزق طبلة إذن الضيف من كثر ترحيبات جدي بالضيف وكان جدي في مضافته يزهّق الضيف حاله ويخليه يندم على اليوم اللي ضاف فيه على مضافة جدي .
وما زلنا إلى اليوم خلال سهراتنا العائلية نستذكر ونضحك حتى يغمى علينا من تصرفات جدي كيف كانت مع ضيوفه , وكيف كانوا يهربون من شدة مكارم الأخلاق.
وصدقوني مره أجو أهل جدتي عليها من مدينة بعيدة وكان جدي يرحب بهم ويضع أمامهم ووراءهم كل وسائل الراحة حتى زهقوا حالهم , وكنت أسمع جدتي وأمي يترجوا في جدي حتى يخفف ولو إشويه من مكارم الضيافة العربية وقالت له جدتي : يا مختار هسع بفلوا من الدار اللي عشرين سنه ما شفت أخوتي خليهم على راحتهم , مشان الله يا مختار خليني أنا أرحب فيهم على راحتي .
وكان رد جدي عليها :
كيف يا ختياره شو يقولون عني العرب حرمة الشيخ إترحب بالضيوف؟ أتركهم !!...ويش يقولون عني بكره عند عربهم إذا عاودوا على أهلهم؟ بكره يقولون نسيبنا ما رحب فينا , بكره بقولوا عني (فلاح هامل) , شو أنا مش زلمه؟؟ والله ما بطلعوا من داري إلا بعد ثلاث ايام.
- يا ختيار شو ثلاث أيام أي والله غير يتوفوا من ثاني يوم من كثر كرمك معهم , وانت تحكيلهم أكلوا هاي الشقفه وكمان هاي ..وجيرة الله ..وبحب الله ..ويا هلا بكم من ملفاكم لملقاكم , الله يسترها معك يا مختار خليهم في حالهم والله غير يعوفوا حالهم.
- أسكتي يا حرمه ناقصه عقل ودين.
وصدقوني في هذاك اليوم بعد ما ذبحلهم جدي خاروف على الغدا راح يجيبلهم دجاج من عند الجيران للعشاء , وما كانش في هذاك الوقت محلات تجاريه للدواجن , كانت الناس تشتري من عند بعضهم البعض الدواجن البلديه , والمهم وشو بدكوا ابطولة السيره , طلع جدي يدور على (جاج) وأخذنا معاه على شان انشيل الدجاج وبس ارجعنا لقينا الضيوف فالين من المضافه , وزعل جدي يومها زعل شديد.
كان جدي طوال النهار واقف للضيوف حتى خنقهم بكثر ضيافته بعدين قالوله يا زلمه أقعد بدنا نعرف إنسولف معك ساعة زمن والله يا رجل إنك زهقتنا حياتنا , يا رجل إحنا مش جايين لا نوكل ولا نشرب بعدين معك...احنا عارفين انك مختار ولد مختار وشيخ ابن شيخ ولو ما كنت مختار ابن مختار وشيخ ابن شيخ ما كان أبونا الله يرحمه أعطاك أختنا .
واليوم الوضع مختلف كلياً فليس للناس وقت للضيافة بسبب كثرة المشاغل , كانت الناس سابقاً تضيف بعضها البعض ساعات طويلة وأحياناً ثلاث أيام نظراً للبطالة وقلة المشاغل والأعمال فكانت الناس تكسر يومها الطويل بالسهر والزيارات والضيافات وكان لكل عائلة مضافة كبيرة .
واليوم الموضوع مختلف كلياً فالمضافات اليوم تبنيها الناس للزينة ونادراً ما نستقبل فيها الضيوف, وأنا شخصياً في أغلب الأحيان أدعوا بعض الضيوف إلى المطاعم وليس البيت إلا ما ندر جداً.
بس صدقوني أنا كمان أحياناً بعوّف وبقرّف وبزهّق الضيف حياته, زي اجدودي .
يعني مثل ما حكى الشاعر :
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا
نحنُ الضوفُ وأنت ربُ المنزل ِ
**
إن كنتَ من كلِ الصفات مركبا
فأنت إلى كل القلوب حبيب.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟