|
شخصيتان من تاسا
نصارعبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 2794 - 2009 / 10 / 9 - 12:29
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
شخصيتان مصريتان حفرتا أثرا عميقا وباقيا فى الذاكرة الوطنية رغم أنهما شخصيتان نقيضتان ، فإحداهما لعبقرى نابغة، والأخرى لأفاق!!... ورغم أن كلا من الشخصيتين تقف على طرف النقيض من الأخرى إلا أنهما يجمع بينهما أن جذور كل منهما تنتمى إلى نفس القرية وإلى نفس المكان : قرية دير تاسا التابعة لمركز البدارى سابقا ، والتابعة حاليا لمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط ، والتى تمثل أهمية خاصة لدارسى التاريخ والآثار باعتبارها موطنا لواحدة من أقدم الحضارات على مستوى العالم بأكمله ونعنى بها الحضار ة التاسوية أو حضارة تاسا التى يمتد عمرها إلى ما يقرب من سبعة آلاف عام ...الشخصيتان المقصودتان تتمثل أولاهما فى الجراح العالمى مجدى يعقوب والثانية فى الأفاق (العالمى أيضا ) رياض غالى . . ورغم أن أيا منهما لم يقدر له أن يعيش فى البقعة التى عاش فيها أسلافه إلا أن كلا منهما يحمل فى أعماقه جزءا من تراث الأسلاف الذى يبقى حيا وممتدا عبر الأجيال من خلال ما ينقله الآباء إلى الأبناء ، وهكذا فإن كلا من الشخصيتين مشحون بشىء ما من تراث أسلافه ،..... مجدى حبيب يعقوب كان ولا يزال يحمل أجمل ما فى ذلك التراث ورياض مينا غالى مشحون بأسوأ ما فيه ، ..أما الأبوان: حبيب يعقوب من ناحية وبيشارى مينا غالى من ناحية أخرى فقد كانا ينتميان إلى الطبقة الوسطى المصرية التى انتقلت بفضل التعليم من مهنة الزراعة إلى الوظيفة الحكومية ، ....وبحكم الوظيفة فقد كان كلا الأبوين دائمى التنقل من بقعة إلى أخرى على امتداد القطر المصرى ، وهكذا قدر لمجدى يعقوب أن يولد فى بلبيس فى حين ولد رياض غالى فى شبرا ، ... ومثل الكثيرين من أبناء دير تاسا كانت الشخصيتان موضع الحديث تتسمان بذكاء متوهج كرسه مجدى يعقوب فى خدمة العلم والإنسانية حتى غدا واحدا من أهم جراحى القلب فى العالم كله ، أما رياض فقد كرس ذكاءه فى التسلق الإجتماعى (متخصصا فى القلب أيضا ولكن بطريقة أخرى!!) حيث كان يركز على اصطياد قلوب النساء المحبطات عاطفيا والإيقاع بالفتيات الطائشات!! ، وقد كانت واحدة من ضربات الحظ النادرة بالنسبة له أن يتمكن من إيقاع الملكة نازلى وابنتها الأميرة فتحية بضربة واحدة فى حبائله ناسجا بذلك خيوط مغامرة مثيرة انتهت بعد ذلك نهاية مروعة . ...ونعود إلى مجدى يعقوب الذى تعلم فى مصر وتخرج من كلية الطب جامعة القاهرة عام 1962 حيث ما زال إلى الآن ينسب إلى بلاده الفضل الأول فى كل ما شيده وما بنى عليه بعد ذلك من إنجازات باهرة، ..... سافر بعد تخرجه إلى شيكاغو لكى يستزيد من التعلم بها قبل أن يستقر فى مستشفى هارفيلد بلندن ثم يصبح فيما بعد أستاذا بمعهد القلب والرئة ، وقد استطاع مجدى يعقوب أن يطور تقنيات نقل القلب وأن يدرب على استخدام التقنيات الجديدة أجيالا عديدة من الجراحين فاتحا بذلك أبواب الأمل أمام ملايين الحالات من المرضى ممن كان يعتبر شفاؤهم من أمراضهم قبل تطوير تلك التقنيات أمرا بالغ الصعوبة، وفى بعض الحالات كان يعد أمرا فى حكم المستحيل، ... أما رياض غالى فقد سلك طريقا مختلفا فبعد نجاحه فى الحصول على الشهادة الإبتدائية من مدرسة ألفرير استطاع عن طريق الواسطة أن يحصل على وظيفة إدارية بالسلك الدبلوماسى المصرى حيث عمل أولا فى الكونغو، ثم نقل ( أغلب الظن بطريق الواسطة ايضا) لكى يشغل وظيفة مندوب علاقات عامة بالقنصلية المصرية فى مارسيليا بفرنسا، وهناك ابتسم له الحظ حين سافرت الملكة نازلى للعلاج وفى صحبتها ابنتها الأميرة فتحية ، حيث قامت القنصلية بتكليف رياض غالى لكى يكون مرافقا (أو بالأحرى مشهلاتيا ) للملكة والأميرة !!، وهنا استطاع موظف العلاقات العامة الصغير بوسامته وذكائه أن ينفذ إلى قلب الإثنتين ، فقد هامت به الأميرة حبا وقررت أن تتزوج منه أيا ما كانت العواقب، وباركت نازلى قرار ابنتها، وبدلا من أن تعود الملكة والأميرة إلى مصر فقد سافرتا معه بعد جولة فى أوروبا إلى الولايات المتحدة حيث تزوجت منه فتحية زواجا مدنيا ، ومنحته هى ووالدتها تفويضا كاملا فى إدارة شئونهما المالية فقام بعمليات استثمار فاشلة انتهت بأن أعلنت نازلى إفلاسها فى عام 1974 وتم بيع ممتلكاتها بالمزاد العلنى !!، وقد كان الشىء الوحيد الذى نجح فيه رياض حينذاك هو إجراء تسوية مع البنوك حصل بمقتضاها على 40% من باقى حصيلة البيع !! ، وفى عام 1976 كانت نهاية المأساة حين أطلق رياض على رأس فتحية خمس رصاصات قتلتها على الفور، ثم حاول الإنتحار بتوجيه مسدسه إلى رأسه، لكنه فيما يبدو كان يفتقر فى هذه المرة إلى الدقة فى التصويب فلم يظفر بالموت ولكنه ظفر فقط فى إصابة نفسه بالشلل والعمى ، وقد حوكم فى أمريكا وحكم عليه بالسجن خمسة عشرعاما قضى منها ثلاثا فقط وهو أعمى ومشلول ثم رحل عن الدنيا .
#نصارعبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلك النهاية المروعة
-
الإقطاعى الوحيد المتبقى فى مصر
-
ذكرى رحيل فارس نبيل
-
أيام مجاور
-
كتاب الأهرام
-
عام البغلة
-
الدستور يناقض الدستور!!
-
الرسام الضرير
-
عقوبة الإخصاء!!
-
صورة من الذاكرة
-
الخنزير الذى أكل خنزيرا
-
تحية إلى البديل
-
العجوزة ... ونوال
-
فوز الليبية
-
جوهرة الجزيرة
-
قانون مكافحة العدالة !!!
-
مدنى وهنيدى وعبده
-
الحاخام يسرائيل وايس
-
تلك المغالطة
-
- كونتى - فين ...يابطة !!
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|