أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنسي الحاج - أمّ زكريّا














المزيد.....

أمّ زكريّا


أنسي الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 2792 - 2009 / 10 / 7 - 05:40
المحور: الادب والفن
    


واقعةٌ حصلتْ رواها لي صاحبها:
زكريّا عاملُ مطبعةٍ يقود سيّارته وإلى جانبه أمّه. يتحادثان في شؤون يوميّة. فجأةً تشعر الأمّ بألمٍ هائل في صدرها، ألم الذبحة.
تُمْسك قلبها ويَصْفرُّ وجهها، فيسألها زكريّا ما بها، فتجيبه: «لا شيءَ، وجعٌ ويمرّ».
ويشتدّ الألم. وكأنها شعرتْ بدنوّ أَجَلها، تقول لابنها بلهجةٍ تريد التطمين: «باللّه يا بنيّ أدرْ وجهكَ عنّي لحظةً فقط حتّى تمرّ الأزمة... لا أريدكَ أن تتضايق».
ومطيعاً إيّاها كعادته أدار وجهه صوبَ الطريق أمامه. ولمّا عاد ونظر إليها بعد دقيقة رآها انزوت في ركنها وقد لفظتْ أنفاسها.
لم تشأ أن يراها تموت.
آخر دَفْقَةٍ من حبّها كانت إراحته من مشهد أشفقت عليه منه، وربما أشفقت أيضاً على نفسها. أخذت حصّتها من الموت بخَفَر مَن اعتاد حصرَ المهامِّ الثقيلةِ بنفسه. أرادت للحياة العاديّة أن تستمر مع ابنها بلا تشويه، كأن مشهد نَزْعها الأخير هو الضريبة غير المحتملة، لا موتها. بعد الموت ستعود الحياة، أمّا مشهد «الانتقال» فصدمةٌ أبديّة.
كان بالزاك يقول إن قلبَ الأمّ هاوية وفي أعماق هذه الهاوية يكمن الغفران. عندما أخبرني زكريّا حكايةَ أمّه رأيتُ فيها أكبر من الغفران.
رأيتُ الفداء.
أنا أمّكَ أحميكَ من مَوتي.
من منظري وأنا أموت حتى لا يسكنكَ خوف موتك.
أنا أمّكَ حملت بك وأحمل عنك حتّى الرمق الأخير.
برَمَقي الأخير.
وما بعده.
لحظة، كلّها لحظة، تغمركَ بعدها الحياةُ وتُنسيك...
■ ■ ■
ليست كل الأمّهات أمّهات. وبعض اللّاأمّهات أمّهات لأشياءٍ أخرى، كالعشق والمغامرة، ولكائناتٍ أخرى، كالشعر والموسيقى. أمّهات من نوعٍ آخر، نوعٍ منعتق غير خاضعٍ للتصنيف الأخلاقي. وسيظلّ ثمّة في الواجهة فئتان من النساء: الأمّ والفراشة. الأمّ مقدّسة، والفراشة مقدّسة. وإلاّ، فلننزع القداسة عن الاثنتين، بل عن الجميع.
وأحياناً تتمازجُ الأمّ والفراشة، فتأخذ الواحدة من صفات الأخرى.
حين أقول الآن «أمّ زكريّا» في هذه الواقعة، أقصد إلى صورة الفداء. وكلّ امرأةٍ تفعل ما فعلته والدةُ زكريّا تلك اللحظة، هي أمّ. كلّ رجلٍ يفعل ما فعلته والدةُ زكريّا تلك اللحظة، هو أمّ. إذا أردتُ أن أتخيَّلَ صورةً مُثلى لأمومةِ الكون لما وجدتُ أروعَ من صورةِ أمّ زكريّا تلك اللحظة.
أخذتْ أمّ زكريّا إجازة منه ثواني لتموت دون أن يَشعر. قالت له: «لا أريدكَ أن تنظر إليّ الآن. انظرْ إليّ بعد قليل».
لم يعد أمامها ما تعطيه إيّاه إلّا هذا الإعفاء، فكُّ ارتباطِ مَرْكَبهِ السائر بمركبها الغارق.
سَكَنَتْني هذه الصورة وسوف تظلّ تسكنني. عاملُ مطبعةٍ فقيرٍ وأمّه الفقيرة. حديثٌ عاديّ في سيّارة درويشة. وموتٌ لم يُمهّد له شيء، موتٌ وديع وداعةً مُطْلَقَة.
خطأ قاهر ومعه اعتذاره.
وزكريّا يسألني ثاني يوم: «قَولك، لماذا طلبتْ منّي أن أديرَ وجهي!؟».



--------------------------------------------------------------------------------

عابـــــرات

توارتْ وراءَ الجمعِ ليلى فخانها
فمٌ كابتسامِ الصُبْحِ يأبى تواريا
أحمد شوقي
■ ■ ■
ما كانت الحياة البشريّة تلك الخيبة للبعض لو لم نشعر دوماً بالقدرة على القيام بأعمالٍ تفوق قوانا.
أندريه بروتون
(الخطى الضائعة ـــــ 1924)
■ ■ ■
في القصيدة، يعقد الوجود ورغبة الوجود هدنة سحابة لحظة، كما يحصل بين الثمرة والشفتين.
أوكتافيو باث
(القوس والقيثارة ـــــ 1965)
■ ■ ■
الشاعر هو مَن يُلْهِم أكثر بكثير ممّا هو مَن يُلْهَم. للقصائد، باستمرار، هوامش واسعة بيضاء، هوامش كبيرة من الصمت حيث الذاكرة المضطرمة تستنفد نفسها لتعيد خلق هذيانٍ لا ماضيَ له.
بول إيلوار
(البداهة الشعرية ـــــ 1936)
■ ■ ■
العين أجمل قاعةٍ للمواعيد.
مالكولم دو شازال
(حس تشكيلي ـــــ 1947)
■ ■ ■
مات رَجُلٌ تحت عجلاتِ طفولتي.
جويس منصور
(مربّع أبيض ـــــ 1965)
■ ■ ■
الأحلام يتفرّج بعضها على بعض وهي تبلغ النشوة.
رونيه شار
(المطرقة البلا صاحب ـــــ 1934)
■ ■ ■
عزيزتي المخيّلة، أكثر ما أحبّه فيكِ هو أنّكِ لا تَغْفرين.
أندريه بروتون
(بيان السورياليّة ـــــ 1924)



#أنسي_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطأ قاهر:الأضاحي
- الهاجس المُنقذ
- نداء لا يتوقّف
- ■ الماغوط بين الدمعة والقهقهة
- «الإنسان هو ما يُخفي»
- موسيقيّات (2)
- على سحابة رجليك
- لي حبيبة . . .
- موسيقيّات
- كنا نحسب الفراغ نبيذاً
- دينيّات: بين الشدياق وعفلق
- مهما صرخ
- ليت العرب ظاهرة صوتيّة
- ماركسيّات
- شتاء الحاج
- مختارات من خواتم
- خارج الموضوع
- أخافُ أن أعرف
- تداعيات حول عاصي الرّحباني
- على الحافّة


المزيد.....




- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنسي الحاج - أمّ زكريّا