أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آلان كيكاني - عيشو وجانيت














المزيد.....

عيشو وجانيت


آلان كيكاني

الحوار المتمدن-العدد: 2792 - 2009 / 10 / 7 - 00:07
المحور: الادب والفن
    



عندما قاربت شمس الصيف الأصيل وفتر قيظها ووهن رمضاؤها طلبت من مضيفي أن نقوم بنزهة راجلة في شوارع وأزقة المدينة التي غادرتها منذ أمد , وعدت أزورها بعد حنين دام عقدا من الزمن دون أن أرها ولو لمرة واحدة , خرجنا نمشي الهوينى من بيته الواقع في أطراف المدينة والمرتبط بها بطريق ترابي تشكل من أثر أقدامه والذي كان محاطا بأكياس القمامة وجيف حيوانات مرمية هنا وهناك تفوح منها روائح كريهة اضطرتنا إلى سد مناخيرنا بدكها بمناديل ورقية .

حين دنونا من بعض البيوت سمعنا صوت شجار حاد , تعالى الصوت كلما اقتربنا من مصدره حتى وصلنا إلى بيت يحتضن سوره المرتفع المتشاجرين , كان بابه مفتوحا دخلناه دون استئذان علنا نستطيع فك المتخاصمين أو تقديم مساعدة طبية فكوني طبيب فان وجودي مهم في هكذا مواقف على أنه لا يخلو من المخاطر أيضا , حين دخولنا وجدنا شابا ثلاثينيا يتطاير الشرر من عينيه بيده عصى وقد أطلق العنان لكل شياطينه يسب و يشتم و يتوعد وعلى بعد أمتار منه في حديقة المنزل فتاة تجلس على الأرض و قد غطى الدم نصف رأسها وما بينهما نسوة تعول وتصرخ طالبة النجدة , طلبت من رفيقي أن يخفف من ثوران الشاب ريثما أقوم بواجبي الطبي , اقتربت من الفتاة وكان الدم ينزل من رأسها إلى تضاريس وجهها كأنه حمم بركان يسيل من قمة جبل إلى السفوح والوديان , وضعت يدي على الجرح الصغير والنازف بشدة وطلبت من إحدى النسوة إحضار سائل معقم وقليل من الشاش من ا قرب صيدلية وأوعزت إلى أخرى أن تجلب بعض الماء , ضغطت على الجرح بيدي اليسرى وغسلت وجه الفتاة باليمنى حتى بانت ملامح وجهها جلية تمعنت فيها قليلا ثم سألتها عن اسمها فقالت عيشو , كانت عينا عيشو سوداوين سواد ليل شتائي حالك و أنفها صغيرٌ يتوسط ُ وجهاً ابيضا مدورا مثل البدر في تمامه وشفتاها ورديتان تقطر منهما الأنوثة كما يقطر العسل من قرصه . نظرت إليها فابتسمت , كان منظرا غير مألوف : رأس جريح و عينان دامعتان وثغر يبتسم تلك الصورة استطاعت عيشو أن ترسمها بكل براءة , ولا اخفي عليكم أن ذاك الوجه الملائكي والبسمة الساحرة جعلا نبضات قلبي تزداد و أربكاني قليلا , سألتها وأنا ألف رباطا حول رأسها عن سبب الشجار فقالت : إن أخي يتهمني أنني تبادلت التحية مع رجل من خلال نافذة البيت المطلة على الشارع , قلت : أهي تهمة ؟ قالت : إن العرف عندنا لا يسمح للنساء بالحديث إلى الرجال .

قادت عيشو ذاكرتي إلى سنين مضت عندما قذفتني أمواج الدهر إلى بلاد ما وراء البحار لأحصل على قسط من العلم والمعرفة هناك , حيث شاءت الأقدار أن أقيم مع عائلة انكليزية تقيم في مدينة برايتون مدينة الحرية والسلام كما درج الانكليز على تسميتها وأكثر من ذلك فهي مدينة السحر الفتان والجمال الأخاذ لؤلؤة بحر قناة الإنكليز وتمتاز المدينة بحدائقها المزركشة بالورود التي صممت على طراز هندسي بديع حتى يخال لمن ينظر إليها من بعيد كأنها سجاد أعجمي مفروش على أرض سهل . وتشتهر أيضا بقصرها الهندي القديم والرائع البنيان وبكنائسها التاريخية المنقوشة . تلك العائلة كانت مؤلفة من كهل ستيني متقاعد حليق اللحى والشارب يقضي جل أوقاته في القراءة والمطالعة مستعينا بعدسات سميكة أمام عينيه , وسيدة خمسينية مكتظة بالشحم تعمل في حقل الصحة , و ابنة تعمل كبائعة كتب في إحدى المكتبات اسمها جانيت , وجانيت هذه كانت آية من آيات الجمال , شقراء طويلة ذات عينين زرقاوين و كبيرتين ومتباعدتين قليلا مثل عيون الغزلان وشعر ذهبي طويل يصل إلى أردافها يتموج كما تتموج سنابل القمح قبل الحصاد عندما تهب عليها نسمات شهر أيار وفم وأسنان تخالهما حبات من اللؤلؤ وسط وردة حمراء, كانت جانيت مولعة بشرب الشاي , وهي تحرص عندما تشربه من فنجانها الخاص الكبير على ألا يصل صوت الرشف إلى مسامع الحضور , اعتدنا أنا و جانيت أن نمضي ساعات كل مساء ونحن نلعب بالورق وهي لا تمل من الحديث عن الموضة والرياضة والسيارات وأخبار المغنين حتى تسبب لي الصداع ولكن كنت أتظاهر بالاهتمام بحديثها مجاملة , وليلة كل سبت و احد كنا نمضي بعض الوقت في احد المراقص بعد أن توسلت إليها ألا تدعوني للرقص لأنني لا أجيده.

مرت شهور على هذه الحالة ولكن لم تستطع جانيت أن تطرق أبواب قلبي مثلما فعلت عيشو خلال دقائق .

ذات ظهيرة , دعتني الأم إلى كأس من البيرة في حديقة المنزل بعد أن خرجت جانيت لتعزي صديقتها بوفاة كلبها , صرنا نتبادل أطراف الأحاديث ونرشف الكأس حتى لفتت انتباهي عندما عبرت عن قلقها حيال ابنتها الوحيدة لأنها بلغت الرابعة والعشرين وهي ما زالت عذراء ولم يسبق لها أن وجدت صديقا يؤنسها ويضمها بحنانه ويغمرها بوده ويدخلها إلى ذلك العالم الذي لا زالت تجهله .

نعم , استطاعت عيشو أن ترجع خيالي إلى الوراء لأتذكر تلك اللحظات من العمر فالشيء يذكر بنقيضه أحيانا .

ودعت عيشو بعد أن انتهت مهمتي واتجهت صوب الرجلين اللذان كانا يحتسيان القهوة تحت شجرة في حديقة المنزل , أمر أخو عيشو بصوته الجهوري جلب فنجان من القهوة لي وخلال حديثي القصير معه لم يتردد الرجل بالحديث عن مغامراته مع حسناوات لبنان حيث يعمل كسائق تكسي هناك وكان في إجازة قصيرة لزوجته وأهله.

ودعنا من في البيت مع آذان المغرب وعندما خرجنا من المدينة كان الصمت يلفنا ولكن كان الغوغاء يملأ داخلي , غوغاء عالم يسبح في بحر من التناقضات .



#آلان_كيكاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث شيوخ


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آلان كيكاني - عيشو وجانيت