سامي المصري
الحوار المتمدن-العدد: 2791 - 2009 / 10 / 6 - 14:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأستاذ جاك عطالله في مقاله المميز الهام المعروض اليوم بالحوار المتمدن تحت عنوان "الأقباط وكنيستهم"، قدم مشكورا آراء مستنيرة وقيمة حول الصراع والتنافس بين الأساقفة لاعتلاء الكرسى البابوى. وأمام هذا الموضوع بدأت أكتب للتعليق عليه إلا أن قلمي استرسل ولم يتوقف إلا بعد كتابة االمقال التالي:
أولا أشكرك لمقالك الحر الذي يبحث في الممنوع
إن من أسباب مشاكل المجتمع القبطي هو في غيبة الأقباط وعدم درايتهم بحقوقهم القانونية التي يكفلها لهم القانون الكنسي، في اختيار راعيهم بكل حرية وديمقراطية سبقت العالم كله، (القانون رقم 36 من تعاليم الرسل- بالدسقولية- وقرارات المجامع)، ينص القانون الكنسي على أن الشعب هو صاحب الحق الوحيد في اختيار الراعي على جميع المستويات بدءّ من الشماس حتى البطريرك. ومن العجيب أن ذلك القانون لم يفرق بين رجل وامرأة في حق انتخاب الراعي ولا يمايز بين مستويات اجتماعية فلم يميز بين فقير وغني بل كل الشعب بالإجماع ينتخب الراعي!!! ومن الغريب أنه في تفسير ذلك القانون، تطبيقا لما جاء بسفر الأعمال الإصحاح السادس الذي ينص على الاختيار بالانتخاب (أع 3:6) أن رجال الإكليروس لا يجب أن يشتركوا في اختيار الراعي حتى لا يتأثر الشعب، فعلى الشعب أن يختار الراعي بكل حرية دون تأثير حتى من الإكليروس، ومن الغريب أن يأتي ذلك التفسير من القرن الرابع -القديس ثيئوفيلوس البطريرك رقم 23!!!
وأيضا من الغريب أن ذلك القانون كان مرعيا في الكنيسة القبطية من أقدم العصور وحتى القرن العشرين حين سادت المفاهيم الديمقراطية العالم وأصبحت حقوق الشعب في اختيار الهيئات التي تحكم الدولة أمرا دستوريا، وذلك يقيم درجة تحضر الدولة. فمن الغريب أنه عندما سادت الديمقراطية العالم تغيب القانون الكنسي الديمقراطي من الكنيسة القبطية، والذي تمسكت الكنيسة به لمدة عشرين قرنا، بل وكانت أكثر كنائس لعالم حفاظا عليه. فمنع الشعب من اختيار راعيه. غيبة القانون الكنسي لها عدة أسباب كما يلي:
1- أهم الأسباب هو جهل الشعب بحقوقه وبقوانين الكنيسة كلها بشكل عام مما أعطى الفرصة لكل مغامر تسلقي، يبحث عن السلطة والوجاهة الاجتماعية المزيفة السهلة، أن يدخل إليها من باب الكنيسة ومظاهر التقوى الكاذبة، والشعوذة الدينية. من أهم أسباب غيبة الشعب اليوم هو المخدر الديني الذي يعوِّق التفكير الحر للشعب بسبب إيهام الشعور بالقدسية لرجل الكهنوت دون فحص، وإشاعة قصص المعجزات التي عتمت رؤية الشعب وأصابتهم بالعجز والخوف والمهابة أمام الدجل الديني. تلك الآفة التي أصابت المجتمع القبطي في العقود الأربعة الأخيرة أدخلت الكنيسة القبطية إلى نفق العصور المظلمة، حين أصدر باباوت روما صكوك الغفران لبيع الجنة. إن ما يحدث اليوم في الكنيسة القبطية بسبب غيبة الشعب عن حقوقه أخطر من بيع صكوك الغفران وسيديننا التاريخ عليها!!!
2- أصحاب المصالح التسلقيون الذين دخلوا الكنيسة في منتصف القرن العشرين لأهداف سلطوية بحتة، توهوا الشعب عن معرفة حقوقه ومنعوا التعليم الديني الكنسي الحقيقي والتوعية بالقانون الكنسي، الأمر الذي كان شائعا قبل ذلك. أصحاب المصالح أهملوا تماما كل القوانين الكنسية ولجهل الشعب بالقانون لم يحاسبهم. وحتى يخدروا الشعب عن كسر القانون الكنسي اقتصر التعليم على المعجزات والإبهار والتخويف من قدرات رجل الدين وسلطانه على الحياة الأبدية، كما أنه قادر أن يدعو عليك فيسخطك ويبتليك في صحتك، وإشاعة أن رجل الدين ينطق بالروح القدس. وقد كان للاعتراف بالخطايا دورا سلطويا مؤثرا جدا في تخويف الشعب وتهديدهم بالحرمان من الملكوت. كما أصبح له دورا مؤثرا في تخريب البيت القبطي بسبب تسلط الكاهن وتدخله فيما لا يعنيه مما تسبب في زيادة حالات الطلاق زيادة مريعة. كل تلك الشعوذة الدخيلة التي تتنافى مع المفاهيم المسيحية السامية حققت التسلط الهرمي لرجل الدين على العقلية القبطية حتى أصبح البابا إلها يقف في أعلى الهرم. ولذلك زاد الصراع للوصول لذلك المنصب الإلهي حيث سلطان بلا مسئولية أو حساب. ما أجمل حقا أن يتمتع إنسان بذلك السلطان على الأرض والسماء دون أن يحاسبه أحد وهو لا يتحمل أي مسئولية عما يرتكبه من جرائم ضد شعبه!!!
3- أخطر الأمور في الموضوع هو تحالف أصحاب المصالح مع السلطات الحكومية لتمكينهم من الوصول للمناصب الكنسية. وهذا يفسر ما نراه اليوم من صراع بين الأساقفة على السلطة، يصل لحد الاقتتال والتشهير، حتى من قبل انتقال البطريرك من عالمنا لمسواه الأخير. فكل من المتسلقين يتصارع على إظهار قدراته، مع إعلان الولاء للسلطة الحكومية التي تجلد الشعب القبطي. وجميعهم مرفوضين من القانون الكنسي حيث القانون يمنع الأسقف من اعتلاء الكرسي البابوي!!!
تعالوا نناقش معا بالعقل وبهدوء يا أقباط، ذلك الواقع المخيف، مع وضع في الاعتبار ما يسود اليوم مصر من تعصب ديني وهجمة وهابية استعمارية شرسة، تلك الهجمة لم تحدث في تاريخ مصر من قبل عصر محمد علي على الأقل:
أولا: هل ممكن أن من يصل إلى السلطة بمساعدة الحكومة أن يكون أمينا على قضايا الأقباط الملتهبة؟!!! هل ممكن أن يطالب بحقوقهم التي يكفلها لهم القانون؟!!! الإجابة مستحيل!!!
التجربة مع الأنبا شنودة تؤكد أن البطريرك الذي يصل لمنصبه بمساعدة الحكومة، فإن لم يكن متواطئا مع الحكومة فإنه على الأقل يقف عاجزا عن المطالبة بحقوق الشعب.
ثانيا: هل من يتجاسر على كسر القوانين الكنسية بكل ذلك الاستهتار رغم كل ما فيها من عقوبات مشددة، هل تتصور أنه يؤمن بالكنيسة وقوانينها وأسرارها، مهما تظاهر وتشدق بذلك؟!!! وهل يمكن لذلك الإنسان أن يؤتمن عل الكنيسة حيث استباح لنفسه أن يصل إلى السلطة عن طريق مخالفة كل قانون كنسي؟!!! الإجابة مستحيل!!!
التجربة والتاريخية مع بطاركة سابقين تؤكد أن البطريرك الذي يصل لمنصبه بكسر القانون الكنسي، لن يكون أمينا على الكنيسة وقوانينها.
ثالثا: هل من يتصارع للوصول إلى منصب البابا، ومن أجل ذلك يشوه سمعة الآخرين كذبا وافتراءا على الحق، ثم يقول لنا "لا تدينوا لكي لا تدانوا"، ليتستر وراء آيات الإنجيل، هل تتصور أن مثل هذا الإنسان ممكن أن يحمل أي أثرا للقداسة؟!!! وهل هو يؤمن بالإنجيل الذي يستشهد به فيسيء إليه؟!!! السيد المسيح يقول من ثمارهم تعرفونهم، والقديس يوحنا الإنجيلي يقول لنا جميعا، "أيها الأولاد لا يضلكم احد من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار. من يفعل الخطية فهو من إبليس لان إبليس من البدء يخطئ.." (1يو 7:3، 8). وينبهنا السيد المسيح لخطورة الكذب والتشهير بالآخرين فيقول لنا أن إبليس هو الكذاب وأبو كل كذاب (يو 44:8) ويقول لا تدينوا لكي لا تدانوا للذين يشوهون سمعة الآخرين، لا يحميهم من الشعب بل ليدينهم الشعب ويرفض تعليمهم!!! وفي هذا يقول لنا القديس بولس، "لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج ألستم أنتم تدينون الذين من داخل. أما الذين من خارج فالله يدينهم فاعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو 12:5، 13). فالقديس بولس ليس فقط يطالبنا أن ندين الذين يسيئون للكنيسة من داخلها بل أيضا أن نعزلهم من وسط الكنيسة لتتطهر منهم. الذين يتصارعون للوصول لكرسي البطريرك كاسرين للقانون الكنسي لو تستروا بسمات القداسة المزيفة، وتشدقوا بكل آيات الكتاب، ولبسوا كل مسوح التقوى والبر، فروح القداسة تتبرأ منهم لأنهم خالفوا كل تعاليم الكتاب المقدس.
التجربة والتاريخية مع الأنبا شنودة تؤكد تلك الحقيقية لمن يعرف الحقيقة !!!!
رابعا: هل من خلال هذا المناخ الرهيب من الصراع بين الأساقفة يمكن أن تدعو لوحدة الشعب ولوحدة العمل. البعض بحسن نية يطالبونا بالسكوت من أجل وحدة الأقباط وآخرون يريدون أن يسكتونا بحجة الوحدة، أتساءل كيف يمكن أن تكون هناك وحدة والأساقفة المتصارعين يمزقون الكنيسة بالحرب المعلنة على صفحات الجرائد من اجل مصالح شخصية؟!!! يا من تنشدون الوحدة، وهذا حقكم وحق المجتمع القبطي كله عليكم، يلزم أولا أن تطهروا الكنيسة من الداخل حتى يمكن أن نبدأ العمل من أجل وحدة حقيقية تقوم على حقوق الشعب. إن إخفاء وجوهنا في الرمل حتى لا نرى انقسامنا لن يحقق الوحدة. وكيف تحقق الوحدة مع من يتسولون رضاء الحكومة عنهم!!! كيف تحقق الهدف الواحد للأقباط مع من يخونك ويتواطأ ضد قضايا الأقباط!!! الإجابة مستحيل!!!
التجربة والتاريخية مع الأنبا شنودة تؤكد استحالة وحدة الكنيسة مع الصراع حول مطامع سلطوية، تلك هي الحقيقية لمن لا يعرف الحقيقة!!!
رغم أن ذلك الصراع على السلطة للأساقفة قد بلغ إلى حد الإسفاف وإشاعة الأكاذيب، واتهام بعضهم البعض بكل الشرور، المفروض أن ذلك التصرف يجرد هؤلاء المتصارعين من ثياب القدسية المزيف ويعريهم من قدراتهم الخارقة وسلطانهم الإلهي على دخول ملكوت السماوات، والتكلم بالروح القدس، إلى آخر تلك الخرافات الدخيلة على الكنيسة القبطية في عصر الظلام، المفروض أن ذلك الصراع يفيق الشعب من ثباته العميق الذي طال جدا. لكن من العجيب والمخيف جدا أن ترى الشعب حتى المثقفين منهم في غيبة فكرية!!!
إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم ... (رو 13 : 11)
وللحديث بقية تطول
#سامي_المصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟