باقر جاسم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2791 - 2009 / 10 / 6 - 10:50
المحور:
الادب والفن
كانت الساعة الواحدة ظهرا ً. و قد عاد أحمد توا ً من المدرسة التي بدأ بالذهاب إليها منذ فترة قصيرة. كان سريع التعلم. هكذا قال عنه معلموه، و شعر أهله بالفخر لقولهم هذا. بعد أن نزع ملابس المدرسة، و ارتدى الدشداشة. جلس إلى طاولة أبيه، و لاحظ في جريدة مفتوحة على الطاولة عنوانا ً بارزا ً " أين الحقيقة؟" و حين انتهى من تهجي الكلمتين، توقف عند العلامة المعقوفة. نظر إليها بإمعان. عقف سبابة يده اليسرى على هيأة العلامة، نظر إلى العلامة ثم إلى إصبعه المعقوف مرة و أخرى و ثالثة. قال مخاطبا ً أمه التي كانت تقوم بتقشير و تقطيع البصل لتعد السلطة:
ماما، ما هذا الحرف؟
أي حرف تقصد؟
نهض و حمل الجريدة إلى حيث أمه في المطبخ.
هذا الذي هنا. و أشار إلى العلامة المعقوفة.
هذا ليس حرفا ً. أنه علامة استفهام.
و ما هي علامة الاستفهام؟
أنا أعمل و الدمع يكاد يجعلني لا أرى. فالزم الصمت.
نظر إلى الأرض برهة، ثم عاد إلى الغرفة حيث طاولة أبيه. وضع الجريدة في مكانها ثم ذهب إلى الشباك و أخذ يراقب الحديقة المنزلية الصغيرة.
حين عاد أبوه. و جلسوا لتناول طعام الغداء، سأله أحمد:
بابا، ما هي علامة الاستفهام؟
أنا مرهق من العمل و جائع . اتركني الآن.
لا تزعج أباك في وقت راحته.
مرة أخرى أطرق أحمد. ثم أخذ تناول طعامه. و فجأة لاحظ وجود فراشة تائهة، و تابعها و هي تحاول الخروج من الشباك فتصدم بالزجاج الشفاف و تفشل، و تحاول مرة أخرى و تفشل، و تحاول... نهض من مكانه و فتح الشباك فخرجت الفراشة أعاد غلق الشباك. و قبل أن يعود إلى مكانه، فالت أمه:
لا ننرك مكانك أثناء الطعام.
كما تريدين يا ماما.
في اليوم اللاحق، كان الدرس الأول القراءة. و حين انتهى الأستاذ عارف، معلم القراءة، من فحص دفاتر الطلبة و كتبة بعض الملاحظات عليها، سأله أحمد:
أستاذ، ما هي علامة الاستفهام؟
هي علامة نكتبها بعد أن نكتب السؤال.
و إذا قلنا السؤال، فهل نضع هذه العلامة بعد الانتهاء من الكلام؟ قال ذلك و عقف سبابة يده اليسرى و رفعها إلى مستوى وجهه.
نظر المعلم إليه باستغراب و دهشة، ثم تحولت ملامحه إلى الغضب، و قال:
هل تهزأ بالصف. قم و قف قرب السبورة و وجهك للحائط حتى نهاية الدرس.
و بعد أن وقف أحمد قرب الحائط، واصل المعلم الدرس. و منذ ذلك اليوم لم يعد أحمد يسأل أحدا ً عما يدور في داخله من علامات استفهام.
#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟