عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 2791 - 2009 / 10 / 6 - 00:35
المحور:
الادب والفن
سار وسط الناس في رصيفٍ نصف مزدحم، وكان يفكر بمعنى الخوف:
-"أنـَسْ ، إنتظرْ."
إلتفت أنس، باحثاً بعينيه بين المارة عن المنادي باسمه. صوت مألوف.
فجأة ً، من الرصيف المقابل، جاء ولدٌ يبدو في العاشرة على دراجة أكبر من عمره.
وصل الى أنـَس في ثوان ٍ، وأرخى يديه عن دراجته التي تهالكت متكئة على الرصيف وعجلتها الخلفية ما زالت تدور.
قال أنس بخفوت وهو يستولي على الدراجة ويسحبها الى وسط الرصيف:
-"لماذا تـناديني باسمي؟" واقترب وجهه من وجه الصبي:
-"الأمن هنا كثيرون."
مسح الولد حاجبيه بكـُمّه من العرق الذي خضّب أهدابه رغم البرد، ولهث هامساً:
-"إنهم ينقلونه. رأيته في محطة القطار. "
-"متى؟"
-"الآن. لم اقدر ان اكلمه. دفعني واحد من الشرطة، أراد ان يضربني."
امتطى أنـس الدراجة بحركة خبيرة، وراقبه الصغير: يا للمهارة! كأنه يراه لأول مرة.
وهو أيضاً معجب بطول أنـس: فقدماه تمسان الأرض.
-"أنت عرقان. الدنيا باردة. رُح للبيت." وأردف:
-"لا تخبر أمي بنقله."
نظر أنس الى أخيه: إنه يكبر. وهبط بالدراجة الى أسفلت الشارع بطريقة توحي انه يحاول تخفيف ثقله عن الإطار عند حافة الرصيف. وتبعه أخوه بشبه هرولة.
وصارت عينا الصغير تودعان أخاه والدراجة، وكأنه لن يراهما بعد اليوم.
لم يشأ ْ أنـَس أن يمس أيّا من أذنيه خشية َ أن يكسرها، وأيَّ أصابع من جليد سيرفعها الى اذنه؟ ملأ البرد عينيه بالدمع ولم تكن له قدمان: إنما ساقاه هما اللتان تـتـناوبان بهذه السرعة كي يحلـّق هكذا، في الريح، نحو المحطة.
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟