جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2787 - 2009 / 10 / 2 - 09:00
المحور:
كتابات ساخرة
"وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناسُ والحجارة أعدت للكافرين"
الله يتحدى العرب الفصحاء وعلماء اللغة والكلام والشعراء , الله يتحداهم فنياً بأنوا يأتوا بآية من آيات القرآن وليس بسورة من السور بل بآية.
والله يتحدى الشعراء والبلغاء فنياً وليس دينياً , يعني أن الله لم يقل لا أحد يستطيع أن يكون نبياً وإنما قال لا أحد يستطيع أن يكتب القرآن.
فالتحدي هنا فنياً ولكن ما رأيكم بهذا التحدي؟
وهل أستطيع أن أبدي رأيي بهذا التحدي ؟
نعم أستطيع أن أبدي رأيي بهذا التحدي الفني فهذه مهنتي , أنا أكتب الشعر والأدب ..لذلك الكتابة مهنتي , وقد علمتني مهنتي أن الكتابة فن وحس وذوق لأنها لغة , واللغة فن وحس وذوق , وهذه العناصر الثلاثة أو مهما كان عددها تنفردُ بين المبدعين وتختلف درجاتها على اختلاف احساساتهم(أحاسيسهم) ومشاعرهم , فأنا مثلاً يختلف شعوري عن شعورك أنت أيها القارىء.
وكل القراء أحاسيسهم ومشاعرهم في الكتابة تختلف عن بعضهم البعض , فأنا مثلاً أكتبُ بإسلوب يختلف ُ عن إسلوبك أنت , وأنت أيها القاري تكتبُ إذا كتبت في إسلوب يختلفُ عن إسلوبي , ومهما كانت كتاباتت أفضل أو أعظمُ من كتاباتي فإنها في النهاية تتكون من مشاعرك وأحاسيسك وبهذا من المستحيل أن آتي أو أن أصنع أو أن أكتب مثلها .
إنه لمن المستحيل جداً أن أكتب بنفس درجات الكتابة عن أي واحد منكم , وكذلك في الفن فكل شخص يرسم اللوحة بطريقته الخاصة ويمزجها بألوانه الخاصة ويضيف عليها تعابير خاصة من خلال تجربته الشعورية والوجدانية , وكذلك القارىء يعيد انتاج النص مرة أخرى لأنه يفهم من النصوص غير ما أفهم أنا أو أنت أو القارىء , وكما قال أحد الأدباء : "يسكت الكاتب عن الكلام حين يبدأ كتابه بالكلام"
يعني لا أستطيع أن أتحدى المتنبي وأكتبُ قصيدة كالتي يكتبها المتنبي , ربما أكتبُ قصيدة تكون مشاعري فيها أعظم من المتنبي ولغتي أبسط وأسهل من المتنبي , وربما يكتب أحمد شوقي بإسلوب يختلفُ عن إسلوب حافظ إبراهيم , إن الكتابة هنا إسلوب وسلوك ومشاعر يستحيل أن نتشابه بهذه المشاعر .
فمشاعر إمرىْ القيس تختلفُ عن مشاعر زهير بن أبي سُلمى ومشاعر زهير تختلفُ عن مشاعر صعصعة ورؤبة والعجاج .
التحدي الفني ...التحدي الفني...التحدي الفني مستحيل .
إن شروط تحدي القرآن مرفوضة رفضاً باتاً , فلن يستطيع أحد أن يكتب آية قرآنية وإليكم هذه القصة:
حين كان محمد يتحدى العرب في القرآن أرادوا أن يكتبوا مثله فكتب مُسيلمة آية الفيل :
"الفيل ما الفيل؟! وما أدراك ما الفيل ؟ له خرطومٌ طويل"
ولما دخل على (سُجاح ) قالت له ما يأتيك من جبريل؟ فقال لها :
"انكن معشر النساء خُلقن أمواجاً، وجَعَلَ الرجال لَكُنَّ أزواجاً، يولجن فيكن إيلاجاً، لا ترون فيه فتوراً ولا إعوجاجاً، ثم يخرجونه منكن إخراجاً، فقالت له: صدقت، والله إنك لنبي مرسل"
ومن آيات مسيلمة:"الفيلُ ما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له ذنب وبيل، وخرطوم طويل".
" لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا".
"ألم ترَ إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى".
روي انه قال هذه الآيات لسجاح لما اراد الدخول بها، فقالت:"، وماذا أيضاً ? قال: أوحى إلي:
"إن الله خلق النساء أفراجأ، وجعل الرجال لهن ازواجاً، فنولج فيهن قُسعاً إيلاجاً، ثم نخرجها إذا نشاء إخراجاً، فينتجن لنا سخالاً انتاجاً. قالت أشهد انك نبي، قال: هل لك إن أتزوجك فآ كل بقومي وبقومك العرب ! قالت: نعم، قال:
" ألا قومي إلى النيك فقدُ هُبَي لك المضجع
وإن شئتِ ففي البيت وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيهَ وإن شئت به أجمع
قالت: بل به اجمع.،قال بذلك أُوحى إليّ فأقامت عنده ئلاثاً ثم انصرفت إلى قومها، فقالوا: ما عندك ? قالت: كان على الحق فاتبعته فتزوجته، قالوا: فهل أصدقك شيئاً ? قالت: لا، قالوا: ارجعي إليه، فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق فرجعت، فلما رآها مسيلمة أغلق الحصن، وقال: ما لك ? قالت أصدقني صداقاً، قال: من مؤذنك ? قالت: شبث بن ربعى الريآحي، قال: علي به، فجاء، فقال: ناد في أصحابك إن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد: صلاة العشاء الاخرة وصلاة الفجر". وأما "سيف" فذكر انه صالحها "على أن يحمل إليها النصف من غلا"ت اليمامة، وأبت إلا السنة المقبلة يسلفها، فباح لها بذلك، وقال: خلفي على السلف من يجمعه لك، وانصرفي أنت بنصف العام، فرجع فحمل إليها النصف، فاحتملته وانصرفت به إلى الجزيرة.
فضحك المسلمون من هذا التحدي وادعى معاوية بن سفيان أنه هو من قتل مسيلمة الكذاب وادعة الوحشي الحبشي قتله فقال قتلتُ في الإسلام خيار الناس ويقصد حمزة عم الرسول , وقتلتُ في اللإسلام أشر الناس ويقصد مسيلمة.
وكانوا صادقين بضحكهم وتهكمهم واستهزاءهم فهم يضحكون من الإسلوب , ومن الفن القصصي ومن الفن الكتابي ومن الفن التعبيري , هم يتحدون العرب بأن يأتوا بقرآن مثل قرآن محمد وهذا فنياً مستحيل .
لننظر مثلاً في كلام طه حسين حين قال : ينقسمُ كلام العرب إلى نوعين : النوع الأول منثور والثاني منضوم , فقالوا له وأين يقع القرآن من ذلك أهو شعرٌ منظوم أم نثرٌ منثور ؟
فحتى يهرب من الإجابة ولا يحرج نفسه قال : ينقسمُ كلام العرب إلى ثلاثة أنواع منضوم ومنثور وقرآن , فجعل من القرآن فناً خاصاً ومُعجزاً إلهيا غير خاضع فنياً لتقاسيم الإيقاعات العربية في الكتابة , فالخروج عن الإيقاع والخروج عن الرتابة فيه نوع من الغرائبية ومن الإستعجابات .
ولطه حسين رأي جميل في الفن القرآني فهو يقول بما معناه أن الفن النثري في القرآن كان جافاً وهو في مكة أما الآيات المدنية فقد امتازت بطابع الثقافة والتثقف حين أصبح القرآن يخاطب النصارى واليهود فهو يرى في كلامهم عذوبة وثقافة ليس بعدها ثقافة لذلك أصبح الأسلوب القرآني كله ثقافة في المدينة بخلافه وهو في مكة.
أمين الخولي بدوره كتلميذ لطه حسين وللتنوير كان ينادي بضرورة قراءة القرآن قراءة فنية وأن يتخصص كل طالب أو كاتب بشيء من فنون الكتابة القرآنية.
وكان زكي مبارك أو الدكاترة زكي مبارك متخصص في النثر الفني وهو يفضل النثر على النظم في بعض الكلام العربي فالقرآن بنظره منثور والشعر منظوم والعقد الذي تلبسه المرأة على جيدها منظوماً أجملُ من أن تكون حباته منثورة ومنظر الأسنان وهي في الفم تصطفُ اصطفافاً أجملُ من أن تكون منثورة فهي في نظره منثورة ليست جميلة وهي في نظره منظومة تكون جميلة وشتان ما بين النثر وبين النُظُم في كلام العرب فالمنظوم في نظره أجمل , وهو يقول أيضاً أن :
"ولكن ما هي العظمة في خلقك أيها الرسول أنت رويت القرآن عن جبريل فيما يقول المؤمنون ، وأنشأت القرآن فيما يقول الملحدون ".
أن المؤمنين يرونك تلقيت القرآن عن جبريل والملاحدة يرونك أنشأته إنشاءً, فأنت في نظري أعظمُ أديب , أو ليس اللقرآن منثوراً , فأنت في نظري أعظم ناثر , أو كما قال , والمهم أن كلامه كان بهذه الصيغ التعبيرية وبهذه النظرة , وكان يجانب الصواب أحياناً وأحياناً يغفلُ عن الصواب .
إن في القرآن فناً قصصياً كما هو في العهد القديم , وهذه الفنون جميعها مع تقدم العلوم الإريكيلوجية والليتروجية أي الحفريات اللغوية والأدبيات القديمة أثبتت أن لتلك القصص جذور أخرى وخصوصاً قصة يوسف ومثيلاتها في الأدب الهيليغروفي المصري القديم عن رجل كانت تعشقه زوجة أخيه فراودته عن نفسه فأبى فلما جاء زوجها ادعت أنه وأثناء غيابه عن المنزل اعتدى عليها جنسياً فقام لأخيه وكان أخوه قد هرب فلحق به وقتله ومن ثم ندم على فعلته فأراد أن يكفر عن خطيئة قتل أخيه , والقصة طويلة وفيها مداخلات أخرى .
وناقض العربُ بعضهم البعض في المنثور وفي المنظوم فقالوا المنثور أجمل من المنظوم , أنظروا إلى النجوم في السماء منثورة فهي أجملُ منها لو كانت منظومة أي أن النجوم ومنظر نثرها أفضلُ من منظر نظمها.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟