يوسف ليمود
الحوار المتمدن-العدد: 2783 - 2009 / 9 / 28 - 23:00
المحور:
الادب والفن
التمثال، أو النحت، فن خرج قديما من الحجر. تشير كلمة "نحت" إلى صلابة المادة التي كان يُصنع منها التمثال أو الصورة المجسّدة. في الأزمنة الحديثة، عرف النحت خامات عديدة ربما أشهرها الطين الذي يُحرق كي يصير صلباً، أو يُنفّذ به التمثال أولا ثم يُصبّ عليه الجبس لصناعة قالب سلبي للتمثال، ومن خلال هذا القالب تُصنع نسخ عديدة، أو لا حصر لها، تكون صورة طبق الأصل من النسخة الأولى التي نفذها الفنان بالطين. كما يمكن أن يُستخرج من ذلك القالب السالب، نسخ للتمثال الأصلي، بخامات مختلفة كالبلاستيك أو البولييستر أو السيليكون... الخ. لكن من كان يخطر في باله أن يصبّ هذا القالب بالدم ليخرج التمثال كتلةً حمراء مصمتة متجلطة متجمدة؟ الفنان الانجليزي مارك كوين فعل هذا. خمسة لترات من دم الفنان نفسه، شفطها من جسمه في مدى خمسة شهور ليصبها في القالب السالب الذي سبق وصبّه على وجهه. رأس الفنان من دم الفنان المجمّد في ثلاجة عرضٍ بدرجة برودة 12 تحت الصفر.
إلى جانب التعبير القوي الأخّاذ الذي يكمن في الفكرة، هناك مفارقة تضاف إلى التعبير وتزيد مداه: الدم بطبعه دافيء وتموت الروح التي يجري في شرايينها لو تجمّد فيها، لكن حياة العمل الفني هنا تعتمد أساساً على تجميد الدم بالبرودة. أي أن الحرارة التي تحفظ الحياةَ في الواقع، تتسبب في فساد هذا العمل الفني، والعكس صحيح!
أربع ثلاجات هي في الوقت نفسه فترينات العرض، يسكن فيها الوجه في اللون القاني، الأعين مسدلة، والتعبير شاحب بسكون أبدي. الفيترينات عرضها مؤخرا متحف بايلار في مدينة بازل السويسرية في واحدة من قاعاته، في موازاة معرض كبير شمل أعمال جاكيوميتي. يُذكر أن صاحب قاعة فنية كان قد اشترى واحداً من هذه الأعمال في التسعينات، حين كان الفنان في بداياته، وحدث أنه ترك شقته التي كان فيها العمل الفني لبعض العمال الذين أتوا لإصلاح شيء ما في مطبخه، وحين عاد وجد الرأس المجمد في الدم قد اختفى في بركة صغيرة من الدم الخاثر. كان العمال قد فصلوا التيار الكهربي الموصول بالثلاجة التي تحفظ العمل فساح الدم وضاع الوجه في حرارة الغرفة.
يوسف ليمود
النهار اللبنانية
#يوسف_ليمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟