أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - عودة التفاصيل - اعتقال من مطار دمشق ثم محكمة أمن الدولة - إلى عماد علّوش..















المزيد.....


عودة التفاصيل - اعتقال من مطار دمشق ثم محكمة أمن الدولة - إلى عماد علّوش..


طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 2783 - 2009 / 9 / 28 - 11:55
المحور: الادب والفن
    


قال: هل حسمت الأمر؟!
قلت: نعم..
ـ لا تعود.. لا ترجع الآن!!
ـ سأعود.. لقد سئمت الظلال..
ـ ألست خائفاً؟!
ـ لا يهم..
ـ أما أنا؟ فلن أعود
ودّعني صديقي، وتمنى أن يسمع أخباراً طيبة..
* * *
بين المسافة والوطن وقفتِ الشمس بأشعتها تداعب عينيَّ..
تقتُ أن أفتحهما على اتساعهما، لأراها كتلة دفء وضياء، لكنها كانت تصرُّ أن تدغدغ جفنيَّ، وتسحرني فأنام..
نافذتي كانت صغيرة، وأنا أطير، أقطع التفاصيل ... لكني أراها..
كان الطقس كئيباً في أرض المطار..
هطلتُ خطوة.. خطوةً فوق سواد مساماته الطويلة..
تساقطت قطرات نبضي بعنف فوق رشوحات الحنين..
أطفأتني ظلال الفواصل اليابسة، والخوف المتصاعد.. عندها تمنيت لو أني ما رجعت..
لقد انطفأ الحنين...!!
لقد انطفأتُ...
* * *
اقترب مني ببدلته السوداء الداكنة، وبكل هدوء ولياقة وكأنه يعرفني...
قال: مرحبا أستاذ. كيف كانت الرحلة؟!!
بحرارة صافحني، وأكد أنه ينتظرني منذ زمن بعيد..
بلطف قادني..
لم أعترض، لم أسأله شيئاً.
سرت معه، سرت مطفيّاً..!!
* * *
لم أدرك أني خطيرٌ إلى هذه الدرجة.
لم أشعر يوماً أني مهمّ حتى يوفِّروا لي كل هذه العناصر لتعتقلني.. لتقودني..
لتحقق معي.. لتراقب نومي وصحوتي وخروجي..!!
كنت دائماً في الوسط مقيداً إلى الخلف، وكانوا يحيطون بي بالعتاد الكامل.
تساءلت أكثر من مرّة، من أكون؟‍‍! ... من أنا؟!..
من أنا حتى يعطوا لشخصي كل هذه الأهمية؟!..
إذاً.. أنا خطير..
هي المرة الأولى التي أكون فيها خطيراً..
ومن يعرف؟! ربما تكون الأخيرة!!
سقط ماضيَّ عميلاً في غرف التحقيق، وكنت بالقرب منه مزقاً..
نثرات من الجمل والكلمات والبصمات.
غيابي خطيرٌ.. حضوري خطيرٌ..
اختفائي.. اختفائي وسط الظلال خطير..
أأنا خطير؟! أنا خطير؟!!!
من يعرف؟! ربما..
خطيرٌ وأنا أبدأ، وأنا أنتهي.. خطيرٌ حتى لو انتهيت، لكني لم أخسر شيئاً..
لاشيء جدير بالاحتفاظ به بعدما حصل لي..
لاشيء يستحق الحفاظ عليه..
لا أحتاج شيئاً.. أنا الخطير المصاب بالحنين..
خطير.. ومصاب بالحنين..

* * *
ساقوني وسط جوقة العتاد إلى سيارة معدنية..
سحبني أحدهم حتى أستطيع ارتقاء السلم الحديدي لأني لا أقدر وحدي بسبب رباط معدني صلب يحصر يديّ خلف ظهري..
ثم أقفل الباب خلفي..
شخرت السيارة، وفاضت رائحة الوقود..
جلست على أرض صندوقها لئلاّ أسقط..
عندما أقلعتْ، وقفتُ خلف طاقة صغيرة، تقطعها القضبان الثخينة، أتفرج، وأنتظر شمساً تسرق وجهي بأشعتها، أو تسرق وجهها بعينيّ..
الطريق أسود طويل، تقطعه العناصر بعتادها..
دارت السيارة، ودخلتْ في طريق فرعي، ووقفتْ..
تمايلتُ، وبكتفيّ وجدران صندوقها حافظت على وقفتي المنتصبة...تقريباً..
شخرتْ، وطقطقتْ، ثم أطفأت محركها، ففاحت رائحة الوقود.
راقبت من نافذتي الصغيرة لأعرف سر هذه اللحظة..
فتح العنصر الباب وصرخ:
ـ "انزل.. انزل لشوف".
نزلت السّلّم وسقطت، وخفّف كتفي من الصدمة قليلاً.
لم يساعدني العنصر واكتفى بالمراقبة، ولما طال سقوطي، صرخ:
ـ "قوم .. قوم من أرضك لشوف".
اقترب جمع من الناس بوجوههم الحزينة الملهوفة، يستقصون الضحية، كنستهم البدلات السوداء، حتى جف الطريق.
التفتُّ، أبحث عن تفاصيل الناس الخائفة..
ـ" قدّامك ... قدّامك لشوف".
صعدت درجاً اسمنتيّاً ضيّقاً، ودخلت غرفة واسعة.
وقفت في زاوية بعيداً عن مقعد خشبيٍّ يجلس عليه أمثالي.
رجالٌ مثلي.. مقيدون مثلي.. حليقوا الرأس مثلي.. غرباء مثلي.. أصحاب نظرات مقطوفة وهياكل منسية تطوقهم قضبان الحديد..
حافظت على وقفتي، أحاول الابتسام، لأرد على ابتساماتهم، التي تسأل من أكون!!


صرخ أحد العناصر:
ـ" دير وجهك عَ الحيط..لشوف"
على الجدار لم تسعفني عيناي في قراءة الدهان الأملس وهو يمد لسانه ساخراً من وجهي الأصفر..
دخلتُ غرفةًَ أخرى.. ووقفت أمام مكتب معدني.. جلس خلفه رجلٌ جافٌ لم ينظر إلى وجهي.. مدّ لي ورقة.. غمس إبهامي بالحبر وأشار إلى موقع على الورقة، وقال بحياد:
- " ابصم... ابصم هون... هون لشوف".
قيدوني من جديد.
كنت أهبط الدرج خائفاً حين صرخ قائد الدورية:
- "عندك زيارة؟!!"
فهم أني لا أعرف..
تعثّرتُ أمام المدخل بالجموع.
وقفت لوهلةٍ أمتِّع نظري بمرأى الناس.. ربما يعانقوني.. يفجرون صوتي الحبيس.. يضموني في المسافة بين الحديد وبيني..
ـ" قدّامك ... قدّامك لشوف"
صعدت سرج الحديد، وعلى آخر درجةٍ التفتُّ.
الناس صامتون.. مستغربون.. لكنهم ينظرون ويراقبون...
دخلت الصندوق.. وأُرتج الباب خلفي.
اقتربت من نافذتي.
كان الجمع يقترب.. يتهامس..
ترتفع أيديهم بحركات لا أفهم منها شيئاً...
قطعتْ صرخة مجروحة صمت المراقبة, وعلا بكاء موجع مزَّق الخوف المسكون، شقَّ اسمي بأحرفه الطويلة غصَّات البكاء...
توجَّهت عيناي صوب الصرخة!!
كانت أمي تبكي، وتنادي، وتقترب..
انشق الجمع ليفتح لها طريقاً..
كشفت عن رأسها، وتناثر شعرها فوق وجهها وكتفيها.
اقتربت تحمل شالها وتلوِّح به بيدها الرقيقة صرختُ من دمي.. من أعماق دمي:
ـ أمي... أمي..!!
عصرتُ وجهي بشبك النافذة أريد أن أخرج منه..
دار محرك السفر، وفتلت السيارة نصف دوره، وغطست في الطريق الأسود الطويل.
دُرتُ حول نفسي.. تخثرت ساقاي.. سقطت..
ارتطم رأسي.. ثم غبتُ عن كل شيء.
أفقتُ وسط الجوقة..
أنا في الوسط، أتكوم بالقرب من ثيابي، أمسك رأسي..
أحاول معالجة الجرح، أحاول استرجاع تفاصيل تطير كفرخ طائر أمام عينيَّ.
ـ" قوم..البس..ودير وجهك عَ الحيط.. لشوف.."
وقفت ضائعاً.. متألماً.. محاولاً أن أعرف أين أنا!؟..
ماذا حدث؟!..
فردت ثيابي.. أفتش عن نفسي بين حواسي المخدرة.
وجدته..
وجدته.. شال أمي يرقد خليطاً من الدّم والشحم والدموع.. حملته.. شممته.. غطيت وجهي بخيوطه.. وركعتُ متهالكاً مخنوقاً بالغصات..
انفجرت..
ليس حلما.. لا..لا..لا.. ليس حلماً.. لم يكن حلماً..
وسط صراخ طويل طويل ..
" قوم.. قوم.. قوم من أرضك.. لشوف"....!!!!!!!



#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)       Taleb_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التهمة المعلّبة -من مذكرات معتقل سياسي علويّ-
- المعارضة القصيرة والباب العالي
- البعد الطائفي للنظام السوري والتسوية


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - عودة التفاصيل - اعتقال من مطار دمشق ثم محكمة أمن الدولة - إلى عماد علّوش..