سينوغرافيا عصر النهضة _ سلسلة أبحاث أكاديمية

مشعل الموسى

الحوار المتمدن-العدد: 845 - 2004 / 5 / 26 - 05:23
المحور: الادب والفن
    

لا نسعى هنا أن نقرّر كيف بدأ هذا العصر ، فسواء اعتبـرناه بدأ مع اكتشاف البارود ، أو مع إنشاء الجامعات ، أو بعد سقوط القسطنطينية الذي دفع العلماء والآداب القديمة إلى الاحتماء بأوربا الغربية ، أو اعتبـرناه بدأ نتيجة لاجتماع هـذه العوامل جميعـًا .

أتت المسرحيات والمناظر في عصر النهضة مختـلفة عن العصور الوسطى ومغايرة لها ، واقتضت النوعيات الجديدة الدرامية* في أوربا وإيطاليا بشكل خاص ، أن يكون تصميم الخشبـة مختـلف عن الخشبات التي كانت في العصـور الوسطى ، " كأن يكون مكان الممثـلين واحدًا ومحددًا ، يقدّمون فيه الفكر المسرحي ، وقد ساعـد فصل الصالة عن الخشبة على تحقيق الغاية المثـلى من الثقافة المسرحية" ، وقد تكون من العوامل التي ساعدت على تأصيل بأن هذا هو ممثـل ، ونحن جمهور نشاهـد ونسمع ، وأن تبقى الجماهير ثابتـة في أماكنها طوال العرض المسرحي ، بعكـس ما كانت عليه الجماهير في القرون الوسطـى ، فكان جمهور النهضة في الصالة مسمَّـرًا أمام خشبة واحدة وثابتة ، وقد كانت النتيجة لهذا التحديد للرؤية المسرحية وإيجاد العلاقة القوية بين الممثـل والمشاهـد ، واستقبل الأخيـر فقرات المسرحية واستوعب أحـداث الدراما وتطوّراتها على شكـل ذرات كحبـات أو قطـع الموزاييـك ( المنمنمـات ) محتفظــًا بها - أثناء العرض- في ذاكرة اللاشعور ، بل ومنفعلا ً ، " وتأثرًا المشاهد من جرّاء تكاتف الاستمرارية الفنية ، وهو ما ولـّد عنده شعورًا بالنقد الفني واعتلاء لحاسته الجمالية في نفس الوقت. " ، مما سبق نستنتج بأن تـلك الظروف وعملية خلق فضاء خاص وتشكيلاته وتلك السينوغرافيا ، قد عملت وبشكـل فعّـال على انتشار هذا النـّوع مـن المسارح فـي أرجاء المعمـورة الأوروبـية ، ولا بد وأن بدأت الخشبات تظهر أمور لم يعرفها المتفرِّج قبل ذلك ، وديكورات عملت على تغيـّر في فضاء الخشبة المسرحية ، كما ظهرت الستائر لتغطية المناظر تلك ، وأصبح فن الديكور المسرحي الجديد قائمـًا على علم المنظور كأساس للرّسومات المختلفة التي أصبحت موضع إعجاب الجماهير حينهـا .

وبدأ التنافـس بيـن حاشيات الأمراء الإيطاليين ، والتسابق بين المؤلفين يتخذ طابع الاهتمام بالمسرح ، فالمختصين في المناظر المسرحية بفضل خبرتهم الفنية بالنسبة للقرون الوسطى ، وبفضل روح النهضة ، أخذوا يقومون بأعمال عظيمة رائعة ، ولعل بـدأ الأمراء الإيطاليـون على تبني مسرح معين لكل منهـم ، بالتالي كان التسابـق بين المؤلفين الذي اتخذ طابع الاهتمام بالمسرح ونوعيـة النصوص المقـدّمة ، فكانت عملية التأليـف جارية على قدم وساق ، وهذا الأمر ينطبق على مصممـي المناظر التصويـرية والرسّامـون لمسـرح عصـر النهضـة أيضًـا .

* يذكـر ( الدكتور كمال عيد في كتابه سينوغـرافيا المسرح عبر العصور ، الدار الثقافية للنشر ، ط1 ، 1998 م ، القاهـرة ، ص 49 ) حـول تلك النوعيات الجديـدة الدراميـة :
1- بصرف النظـر عن - كوميديـا الفن- أو تيارات درامية أخرى ، فقد ولدت المسرحية الرعـوية كما يطلق عليهاPlay Pastoral ( قصة أورفيوس كانت أولى مسرحيات هذا النوع ) ويعتبر الإيطالي ( توركواتو تاسـو Torquatto Tasso 1544 / 1595 م ) واحد من المطورين لهذا النوع ، إلى جانـب - جيامباتستا جيوريني Giambattista Guarini 1533/1612 م - .
2- وفيما يختص بنوع التراجيديا فلم يكن لدى الإيطاليين تراجديات بالمعنى المعروف للفظة تراجيديا ، إلا أن التقـدم قد أتى بكتاب لـ - جيان جيورجيو تريسينو Gian Giorgio Trissino 1478 / 1550 م - ، ودرامته ( أقسام الشعــر ) .
3- نشأت الدرامات الرعـوية نشأة طبيعية من الأرض ، مستندة على العقـل ، استنـادًا إلى نظرية تقـول بأن الطبيـعة الأساسيـة للحقيـقـة كامنة فـي الوعـي والعقـل ، وكانـت كوميديــات - أروديتــاErudita - لهي خير دليل على دخول الكوميديا إلى عالم الأدب والفكـر ، بدلا ً من كوميديـا المهـرّج في عصـر القرون الوسطـى السابق .
* * * * *
( المصادر )

- فرانك م. هوايتنج ، المدخل إلى الفــنون المسرحية ، دار المعــــرفة للنشر ، القاهرة .
- د. كمال عيد ، سينوغـــرافيا المسرح عبر العصور ، الدار الثــقافية للنشر ، ط1 ، 1998 م ، القاهرة .
- د. لويز ملكية ، الديكــور المسرحي ، الهـيئة المصـرية العامة للكـــتاب ، القاهرة ، 1990 م ، ط 3 .



أعــد مادتـــهاأ. مشعل عبدالحميد الموسى
أستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية
الكــــــــــــويت
[email protected]

* * *

#مشعل_الموسى (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات