|
عَتُودُ الدَّوْلَة (الأخيرة)
كمال الجزولي
الحوار المتمدن-العدد: 2779 - 2009 / 9 / 24 - 08:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
"النظريَّات الاجتماعيَّة لا تصلح للمناقشة هكذا، ومناقشة النظريَّة الماركسيَّة بهذا الأسلوب تطاول ما بعده تطاول، الحزب الشيوعي (السوداني) برئ من تهمة الإلحاد، وموقفه من الدّين واضح في دستوره، وفى تاريخه الطويل، وتاريخ أعضائه. إننا لا نقول هذا عن خوف، فنحن لم نتعلم الخوف في الماضي، ولسنا على استعداد لتعلمه اليوم"! محمد إبراهيم نقد أمام الجمعيَّة التأسيسيَّة في جلسة 15/11/1965م عند مناقشة حلّ الحزب
(89) نخلص، ممَّا تقدَّم، إلى نتيجة لا تخلو من مفارقة. فالتيَّار (السُّلطوي المنكفئ) عَمَدَ، منذ سنوات الاستقلال الباكرة، كما قد رأينا، إلى استغلال (الحساسيَّة) الاستثنائيَّة التي تكتسيها موضوعة (الدّين) في الذهنيَّة الشعبيَّة غير المتطوّرة، كي يمرّر من تحتها، تاريخياً، وبلا هوادة، ابتزازه لـ (عقلانيَّة) القوى الوطنيَّة، في جانبيها، التقليدي واليساري، على السَّواء، وتفسير أي موقف يستبطنها باعتباره يتحرَّك فقط في خلفية (الأهواء الذاتيَّة)، ومن ثمَّ تقديم (مرتكبيه) إلى تلك الذهنيَّة الشعبيَّة كمحض (هوائيين) متهومين في دينهم وأخلاقهم! ولعلنا نجد التلخيص الأوفى لذلك في الأسلوب المرعب، مثلاً، الذي انتهجه د. الترابي لدحض مآخذ الكثير من مثقفي الجَّماعة المستعربة المسلمة على إصدار قوانين تقيِّد، باسم الشَّريعة الإسلاميَّة، حريَّات غير المسلمين، وتؤذي الوحدة الوطنيَّة، باعتبار أن أصحابها "مناصري العلمانيَّة منافقون مارقون من بين صفوف المسلمين"، وما إلى ذلك ممَّا سلفت الإشارة إليه. لكن، برغم نجاح ذلك الابتزاز، ردحاً طويلاً من الزمن، في أسر (عقلانيَّة) القوى الوطنيَّة التقليديَّة في بلادنا، ودفعها، تحت سنابك تلك التهم والحساسيَّات، للتراجع، حتى عن (بداهاتها) القديمة، إلى حالة من العجز عن التصدّي لتحدّيات الفكر الإسلامي الشاخصة في أفق المستجدات التي لا تكفُّ الحياة عن طرحها على جميع الأصعدة، إلا أن الجهود الفقهوفكريَّة المرموقة للإمام الصادق المهدي وبعض نجباء الأنصار، من جهة، ولبعض رموز الجمهوريين ممَّن وجدوا في الكثير من تراث الأستاذ الشهيد محمود محمد طه باباً واسعاً لشجاعة الوعي وجرأة الاستنارة، من جهة أخرى، إضافة إلى إسهام بعض المحسوبين على حركة الإسلام السيَّاسي نفسها، في السودان والمنطقة، ممَّن أضحوا يوالون حركتهم، مؤخَّراً، بشواظ من النقد السديد، من جهة ثالثة؛ كلُّ ذلك وفر، مع الزمن، مجموعة روافع من شأنها أن تدفع، حثيثاً، باتجاه شكل مرغوب فيه من عصف الأدمغة داخل الجَّماعة المسلمة نفسها، لتحقيق المجابهة المستقيمة مع التيَّار (السُّلطوي) الذي ما ينفكُّ يفرز، يوماً بعد يوم، المزيد من جماعات التشدُّد والتكفير. أما بالنسبة للحزب الشيوعي تحديداً، كنموذج لقوى اليسار في هذا التيَّار (العقلاني)، فرغم أنه كان سبَّاقاً بـ (انتباهته) الباكرة إلى ضرورة منازلة التيَّار (السُّلطوي) من منظور أوسع لقضيَّة (الدّين والدَّولة)، إلا أن أداءه (العملي)، بعكس ما جرى في جبهة القوى التقليديَّة، تجمَّد عند تلك (الانتباهة)، لا يتعدَّاها قيد أنملة. لقد كرَّت مسبحة السنوات، بل والعقود المتطاولة، دون أن تتحرَّك الأمور بشأن ذلك (العصب الحسَّاس) الذي لمسته، بتفتح مدهش وجرأة نادرة، تلك الوثيقة العُمدة (الماركسيَّة وقضايا الثورة السودانيَّة)، وعمرها الآن يناهز ثلثي عمر الحزب، فظلَّ باقياً على حاله القديم، خافت الرنين، باهت الأثر، مطموراً تحت شواغل المدافعات السياسيَّة والفكريَّة اليوميَّة، فلا يكاد يحظى، من أشكال وصور التعبير عنه، إلا بأخفضها صوتاً، وبأكثرها تقلقلاً. هكذا، وفي ما عدا بضع مساهمات متفرّقة، في المستوى (الفكري)، لأفراد من داخل الحزب ومن خارجه، وبضع إفصاحات موسميَّة، ذات طابع (سياسي) في غالبها، باسم الحزب مؤسَّسيَّاً، ظلَّ نصيب هذه الجبهة في ذلك الجهد، وبرغم تلك البداية التحويليَّة الضاريَّة عام 1967م، أقلَّ بكثير، للأسف، بل لا يكاد يُذكر، بل قد ينحصر في محض تعبيرات مقتضبة، كتضمين فقرة، مثلاً، في برنامج الحزب الصادر عن مؤتمره الخامس (يناير 2009م)، بما لا يتجاوز، قيد أنملة، مضمون ذات الفقرة في برنامج المؤتمر الرابع (أكتوبر 1967م)، وذلك بالمقارنة مع ما كان ألزم نفسه به، قبل نيّف وأربعين عاماً، وما كان متوقعاً منه، منذ ذلك التاريخ البعيد، من بلورة للمنظور الموعود حول إشكالية (الدّين ـ الثورة)، ممَّا كان بشَّر به وقتها، لا كمحض ترسيم إجرائي لبرنامج حزبي جديد، وإنما كقوَّة دفع نوعيَّة تشكل، في مستوى الصّراع الفكري، إضافة مطلوبة بإلحاح، من الزاوية المنهجيَّة، باتجاه إثراء الحوار المرغوب فيه، ليس بين الشيوعيين فحسب، وإن يكن ذلك أمراً مقدَّماً لأغراض الحدّ الأدنى من وحدة الفكر والعمل الحزبيين، ولكن بين سائر (عقلانيي) الجَّماعة السودانيَّة المسلمة، الأمر الذي يمثل مطلباً ملحَّاً لتثوير رؤيتها لذاتها، وتقديرها الصائب لموقع دينها وثقافتها وأثرهما ضمن طبوغرافيا التساكن المأزوم في بلادنا، كمقدمة لازمة لإحسان خطابها تجاه (الآخر)، بما يستبطن جدوى الاستمرار في إجراء المراجعات اللازمة لاستكمال عناصر (الإشكاليَّة)، أو حتى إعادة صياغتها، بأعلى قدر من الحريَّة الفكريَّة. وهذا لا يكون بغير المثابرة (الفكريَّة) الدءوبة على تجويد المراكمة، والإرساء، والإقامة، والتركيب للهيكل النظري العام، رفضاً لمواريث (الابتزاز) الذي يمارسه التيَّار (السُّلطوي)، من جهة، ولخطة الاكتفاء البائس، من جهة أخرى، بمجرَّد الاصطفاف السَّلبي على جانبي ساحة الصراع بين هذا التيَّار وبين (المُساكنين) في الوطن من أهل (الأديان والثقافات الأخرى)، (تهويلاً)، حيناً، من (حساسيَّة) موضوعة الدّين، أو إبداءً، حيناً آخر، لمحض الامتعاض (السّياسي) من (المتاجرة بالدّين)، أو (تصدّياً)، في أفضل الأحوال، تحت ضغط الضمائر المثقلة، لا للإعلاء من شأن الفهم الذي "يضع الإسلام فى مكانه الصحيح من حركة الشَّعب"، بل لـ الدفاع (الدُّستوري) عن (حقوق) هؤلاء (المساكنين) التي يهدرها (المشروع الاسلاموي السلطوي)، فلكأن هذا المشروع ليس خاطئاً إلا بسبب وجود (المساكنين) من (غير المسلمين)، أو أنه يقع صحيحاً تماماً، بمفهوم المخالفة، لو افترضنا جدلاً غياب هؤلاء (المساكنين)! فلا يُلام الترابي، والأمر كذلك، حين يعبّر عن بَرَمِهِ بوجود هؤلاء (المُساكنين) الذين (يُعَقدون) مهمّة حركته، ويثيرون (المصاعب) أمامها، وهو ذات (البَرَم) الذي أفضى إلى خطة (التفكيك الوطني) الجاري تنفيذها حالياً، وذلك في معرض تقديره السالب (لقيمة) هذه (المُساكنة) المتعدّدة المتنوّعة في نسق البنية الهيكليَّة لعلاقات الثقافة والسّياسة في السودان بقوله: ".. كان (قدرنا)، (نحن) في السودان، أن (نبتلى) ببلد مركب معقد البناء يكاد يمثل كل الشعوب الأفريقية بلغاتها وسحناتها وأعراقها وأعرافها" (أقواس التشديد من عندنا، أنظر: م/الصياد، ع/مايو، بيروت 6/5/1988م، ص 30).
(90) لا بُدَّ، إذن، من فحص عوامل هذا التقصير (الفكري) من جهة معظم الإنتليجينسيا السودانية اليساريَّة، بما في ذلك إنتلجينسيا الحزب الشيوعي، في ما يتصل بمسألة (الدّين والدَّولة)، والمضي إلى أبعد من ذلك لمقاربة الإجابة الشافية بين جملة العوامل التي أثرت سلباً على تكوين الخصائص الأيديولوجيَّة، والقدرات القياديَّة، الفكريَّة والسياسيَّة، للطبقة الوسطى السودانيَّة التي تنحدر منها، بالأساس، غالب فئة الإنتلجينسيا، فوسمتها بالضَّعف الذاتي الذي ظلَّ يتمظهر، تاريخيَّاً، في شتى الصُّور، وأمثلته كثيرة، ليس هذا مجال إيرادها، فهي تشكل مبحثاً مستقلاً يجدر أن يرتفع بمعطياته ومطلوباته الرئيسة، من زاوية النظر النقديَّة، إلى مستوى الحوار المستنير باتجاه الكشف عن الذهنيَّة التي قعدت بقدرات (العقلانيين) الشيوعيين واليساريين السودانيين، المنتمين إلى الجَّماعة المستعربة المسلمة، والثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، وعن العوامل الباطنيَّة التي أثرت تاريخيَّاً على حركتهم إزاء هذه الإشكاليَّة، بما في ذلك ميراث القطع السالب، منذ كسر الدَّولة المهديَّة، مع نظام التعليم الدّيني، دون التزوُّد من نظام التعليم (الحديث!) بغير قشور فنياته، وأدواء (مركزويَّته) الغربيَّة (أنظر كتابنا: إنتلجينسيا نبات الظل، دار مدارك 2008م). لقد كبَّلت هذه الذهنيَّة، مع بعض الاستثناءات النادرة، طاقات من يستبطنون النهج (العقلاني) من يساريّي إنتلجبنسيا الجماعة المستعربة المسلمة في السودان، وشيوعييهم، بالأخص، ذوي الثقل الأساسي بين قيادات الحزب وقواعده، وروافدهم وسط الحركة الطلابيَّة، فحاصرتها في خانة "الرُّدود"، فقط، "على ما يُثار"، في حين كان يُنتظر منهم أن يشكلوا طاقة الدفع الأساسيَّة لتيَّار الاستنارة (العقلانيَّة)، وتلك، في غالبها، ردود (سياسيَّة) أو (حقوقيَّة) سبق أن حذر عبد الخالق من الرُّكون إليها، وتبنَّى المؤتمر الرابع تحذيره. لقد استحلب هذا الوضع ريق الشهيَّة لدى خصوم الحداثيين، اليساريين والشيوعيين بالذات، لدمغهم "بالتحايل للمروق عن الدين"، كما في ذمّ الترابي المار ذكره، حتى أن متخصّصاً في نقد مناهج اليسار والقوى الليبراليَّة السودانيَّة، المستعربة المسلمة بالأخص، اعتبر، من موقعه هو نفسه داخل التيَّار (العقلاني)، خطة هؤلاء في نصرة آراء لهم في الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة عن طريق الاحتجاج، مثلاًً، بحقوق (المساكنين) من غير المسلمين ضرباً من (الآفروعربيَّة) الكاسدة، وتقريعها، بالتالي، كخطة مكشوفة لا تفوت على فطنة الغلاة من نشطاء التيَّار (السُّلطوي) الذين يرون أصحابها محض مخاتلين "يدسُّون مشروعهم (العلماني) وراء تظلمات الجماعات الأفريقية غير المسلمة"، مع أن هذه الخطة لا تسعد حتى من تزعم الدفاع عن حقوقهم من غير المسلمين الذين "قد يرغبون في رؤية العرب المسلمين في السودان متمتعين بحقوقهم في الاعتقاد والرأي وأنواع الشغف الأخرى أولاً، قبل أن يصدّقوا مشروع الآفروعربيين الحضاري" (عبد الله على إبراهيم؛ الثقافة والديمقراطية ..، ص 25).
(91) هكذا، ولأن الحزب واصل، بلا طائل، استعصامه التاريخي بذهنيَّة (الاستعلاء) السَّلبي على (قبول) مبدأ اتهامه بالإلحاد خلال الفترة (1954م ـ 1965م)، ولم تقرع ناقوس الخطر لديه، بما يكفي، (الفتنة الأولى) التي سعى التيَّار (السُّلطوي) بين حركة الإسلام السّياسي لإشعال فتيلها بمنشور طنون المشبوه (أكتوبر 1954م)، وقعت (الفتنة الثانية) بحادثة معهد المعلمين عام 1965م، تحت ظروف قلق اليمين من تزايد نفوذ الحزب، دون أن يكون الأخير قد راكم، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تلك (الفتنة الأولى)، رصيداً من دروس كبيرة تؤهله، في هذا المجال، لمواجهة الهجمة الجديدة بهجمة مضادَّة من جنس المسألة الفكريَّة نفسها (الموقف من الدّين)، وليس من خارجها، بما يمكنه من أخذ زمام المبادأة، من داخل الفكر الإسلامي والثقافة الإسلاميَّة، لفضح زيف وهشاشة الركائز التي يتوكأ عليها اليمين في تلك المسألة بالباطل، ويعصمه من الانسياق وراء التدابير التي هدفت، في ما كان واضحاً، إلى جرِّه لخوض المعركة في ردهات القضاء، خارج ميدانها الأساسي، مما حاصر جهوده في محض الجدل حول نصوص الدستور، وفنيات التقاضي، والقوانين الإجرائيَّة. بالنتيجة، وبرغم الأداء الجيِّد، بكلّ معايير الفكر (الحقوقي)، وقواعد إدارة (النزاع القضائي)، فإن أقصى ما استطاع الحزب تحقيقه من نجاحات، في تلك المعركة، لم يتجاوز كسب النقاط القانونيَّة في قاعات المحاكم، كما لم يتجاوز، في المستوى السّياسي العام، تعبئة القوى النقابيَّة والمهنيَّة لفضح (زيف) و(خواء) الشعارات (الديمقراطيَّة) التي كانت تتمسح بها قوى اليمين. أما في المستويين الفكري والدَّعوي، في ما يتصل بالقضيَّة الأساسيَّة، (قضيَّة الدّين) نفسها، فقد أدَّى تقصير الحزب إلى بقاء (الغوغائيَّة) على حالها، سلاحاً يستخدمه أعداؤه ضده بسلاسة، دون أن يتعرَّضوا لاختبار حقيقي، بأيّ قدر، أو تخضع مناهجهم وتأويلاتهم ومقولاتهم الأساسيَّة لفحص مفاهيمي جاد في هذا الشأن. لقد أراح قصور التأهيل الفكري حول (مسألة الدّين)، لدى الحزب، خصومه من تحمُّل تبعات المعركة الغوغائيَّة التي عَمَدوا لتفجيرها ضدَّه، في الميدان الذي حدَّدوه، والتوقيت الذي فرضوه، وبالأسلحة التي اختاروها، والأجندة التي ارتأوها، فتوارت قضيَّة الإلحاد (المسألة الأساسيَّة) لحساب ما عُرف وقتها بـ (المشكلة الدستوريَّة)، والتي لا تعدو كونها، في الحساب الختامي، وبكلّ المقاييس، وعلى أهميَّة النجاحات التي حققها الحزب فيها، قانونيَّاً وسياسيَّاً، محض (مسألة ثانويَّة) في ميزان تلك المعركة. فقضيَّة (التعديلات الدستوريَّة)، وما أحاط بها وتبعها من جدل مدرسي حول حدود اختصاصات مؤسَّسات (النظام الديمقراطي)، ومفهوم (الفصل بين السُّلطات)، والمدى الذي تنبسط أو تنكمش فيه رقابة (القضاء المستقل) لتطال أداء (الجمعيَّة التأسيسيَّة) نفسها .. الخ، لم تشكل كلها سوى (اشتباك جانبي) على رصيف (الميدان الأساسي) الذي كان ينبغي أن تصفى فيه وحده وليس في غيره، حسابات الربح والخسارة في تلك المعركة .. (الموقف من الدين).
(92) وللمزيد من الدّقة، فإن انتباهة الحزب القديمة، وإشارات رموزه المختلفين إلى علوّ مكانة الدّين لديهم، وخطورتها في السّياسة السودانيَّة، تقتضى القول بأن أقدام الحزب لم تنسحب إلى ذلك (الاشتباك الجانبي) نتيجة لـ (غفلة) ما، وإن أمكن إسناد الأمر برمته إلى ضرب من سوء التدبير. فالظرف الذاتي للحزب، المتمثل في عدم تأهُّله، فكرياً، بالقدر الكافي لخوض المعركة في (ميدانها الأساسي)، كما أشرنا، ممَّا يترجَّح كتفسير لقبوله بخوضها في (هامشها) الإجرائي القضائي، علاوة على ركونه لاعتبار (موقفه) من الدّين من الأمور الناجزة بذاتها، والتي يمكن للجماهير استقراؤها بنفسها، تلقائياً، من محض عشرتها معه، الأمر الذي جرى نقده، لاحقاً، في المؤتمر الرابع، كما قد رأينا، هو الذي دفع به، في ما يبدو، للنأي بنفسه عن النزال (الفكري)، و(التورُّط) في تلك (المبارزة على الرصيف) التي تولى كبر التخطيط لها خصومه بين قوى اليمين. فعلى الرغم من أن أداء بعض قيادات الحزب، أثناء تلك الأزمة، كان يشي بالرغبة في الاقتراب من بعض وجوه (المسألة الأساسيَّة)، إلا أن (قيد) الالتزام بجماعيَّة الأداء السياسي، والذي اتجه، وقتها، إلى تحقيق مصلحة الحزب، بالأساس، في (الهامش) الإجرائي القضائي للمعركة، حال دون ترجمة تلك الرغبة إلى أكثر من مجرد (الملامسة الطفيفة). ومن أمثلة ذلك خطاب نائب الخريجين، آنذاك، محمد إبراهيم نقد، في جلسة الجمعيَّة التأسيسيَّة بتاريخ 15/11/1965م، والذي سلفت الإشارة إليه، حيث (شرع) فى دحض اتهام الحزب بالإلحاد، معقباً على متحدثين من مختلف قبائل اليمين خاضوا، أجمعهم، في خطاب غوغائي ينضح بالجهل والتسطح، عن الحزب وفكره (راجع: مضابط الجمعيَّة التأسيسيَّة ـ ضمن القدال؛ معالم ..، ص 154 ـ 159)، وفاتحاً بذلك باباً واسعاً للولوج إلى لبّ (المسألة الأساسيَّة). لكن كان محيّراً حقاً، بالنظر إلى تخصُّص الرَّجل في علم الفلسفة، وقدراته الفكريَّة المشهودة، وطاقته على الخطابة المبينة، أن يكتفي بعبارات عامَّة في هذا الشأن، قائلاً: "إن النظريَّات الاجتماعيَّة لا تصلح للمناقشة هكذا في البرلمانات، ولذلك فإن مناقشة النظريَّة الماركسيَّة بهذا الأسلوب تطاول ما بعده تطاول" (نفسه، ص 157). لقد كبَّلت الخطة الحزبية المعتمدة، في تقديرنا، الأستاذ نقد بقيود الأداء الجماعي، فكريَّاً وسياسيَّاً، فغلب (الجانب الإجرائي)، فيما يبدو من قوله هذا، مكتفياً، في معرض نفيه لتهمة الإلحاد عن الشيوعيين السودانيين، باستشهاد مقتضب بدستور الحزب، وإحالة تقليديَّة إلى تاريخه الطويل، وتاريخ أعضائه، و".. إننا لا نقول هذا عن خوف، فنحن لم نتعلم الخوف في الماضي، ولسنا على استعداد لتعلمه اليوم!" (نفسه).
(93) بالمقابل، وللمفارقة، فإن أعجل قراءة لتلك الوقائع سرعان ما تكشف عن أن قوى اليمين، بقيادة ممثلي التيَّار (السُّلطوي)، لم تلجأ، أصلاً، لتلك الخطة إلا بسبب وجلها هي نفسها من خوض معركة فكريَّة رصينة، بأسلحة تتسم بقوَّة الحُجَج ومضاء المفاهيم. فما أسهل التآمر بالاستناد إلى ترتيبات إجرائيَّة محضة، تحشد لها أصوات الأغلبيَّة الميكانيكيَّة من منسوبي تلك القوى داخل الجمعيَّة، وتستثمر فيها مشاعر الشارع المنفعل بالتحريض الغوغائي، مقارنة مع أدنى جهد مطلوب لفهم قضيَّة الشيوعيين السودانيين تاريخياً، بعد التماسها في ما صدر ويصدر عنهم، وليس في أي مصدر آخر، من أدب ومواقف وأنشطة فكريَّة وسياسيَّة، يستهدفون تحقيق العدالة الاجتماعيَّة، وتحرير الناس من أسر الحاجة، فتتوطن علاقاتهم ومعاملاتهم، التي هي أصل الدّين، وفق الحديث الشريف، في رحاب الكفاية، ووزن ذلك، أجمعه، بميزان رسالة الإسلام الحقيقيَّة، ومبادئه، وقيمه، وتعاليمه، ومقاصده الكليَّة، القائمة، بالأساس، في الإعلاء من شأن العقل، والعدل، والحريَّة، والكرامة الإنسانيَّة، وإفشاء حكم القسط، والوجدان السليم، واستبشاع الظلم، والفقر، واكتناز المال، حيث العدل أقرب للتقوى "أعدلوا هو أقرب للتقوى"، والإنفاق باب رئيس فيها على قدم المساواة مع الإيمان بالغيب والصلاة "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون". وبالحقّ، فقد كان من شأن طرح الأمور بهذا المستوى، أمام الرأي العام المسلم، حشر منطق التيَّار (السُّلطوي) في جحر ضب خرب، بدلاً من (الرطانة)، لذلك الرأي العام، بمصطلحات ومفاهيم وفنيَّات القانون الدُّستوري حسب الفقه الأنجلوسكسوني! إن أبلغ دليل على استسهال خصوم الحزب طريق التآمر (الإجرائي)، واختيارهم (هامش) المعركة، منذ البداية، ميداناً لخوضها، بدلاً من ميدانها (الأساسي)، إنصراف د. الترابي، زعيم جبهة الميثاق الإسلامي (أحد أطوار حركته السياسيَّة آنذاك)، والمعنيَّة أكثر من غيرها، بالصّراع مع الحزب، عن مقتضيات النزال الفكري المطلوبة لإلزام الشيوعيين (السودانيين) الحُجَّة بإثبات إلحادهم، إن كان في ذلك شىء من الحقيقة، للانشغال بفنيّات القانون، وفقه إجراءاته، عبر كرَّاسة ناحلة من القطع الصغير، أصدرها، آنذاك، من (المطبعة الحكوميَّة)، وسعى فيها، بجدّ واجتهاد، لنفى أيَّة قيمة لقضاء المحكمة العليا الصادر في 22/12/1966م ببطلان مجمل (الإجراءات) التي اتخذتها الجمعيَّة التأسيسيَّة بتعديل الدستور في 22/11/1965م، مما أدَّى إلى حلّ الحزب، وطرد نوَّابه من البرلمان، باقتراح من د. الترابي نفسه، وفق مضابط جلسة 16/12/1966م، وكذلك لإثبات قيُّوميَّة قرارات الجمعيَّة التأسيسيَّة على أحكام القضاء، حتى لو قفزت تلك القرارات من فوق الدستور، أو صدرت بالمصادمة للحريَّات العامَّة والحقوق الأساسيَّة (الترابي؛ أضواء على المشكلة الدستوريَّة، بحث قانوني مبسَّط حول مشروعيَّة حلِّ الحزب الشيوعي، المطبعة الحكوميَّة، يناير 1967م). أما في ما يتعلق بـ (المسألة الأساسيَّة) وثيقة الصلة بالفكر الإسلامي، فلم تصدر عن زعيم الاسلاميين، للغرابة، مساهمة يؤبَّه لها! وحتى أداءه داخل البرلمان، في جلسة 15/11/1965م، والتي يفترض أنها خصصت لكيل الاتهامات بكفر الشيوعيين (السودانيين)، فقد غلب عليه طابع الخطاب السياسي التعبوي، وسط نوَّاب تمَّت تهيئتهم تماماً لهذا الأمر. وفي ما عدا ذلك، انصرف بكليَّاته لتأسيس (المرجعيَّة الدستوريَّة) التي تبيح (خرق الدستور!)، والاعتداء على الحريَّات، وإهدار الرقابة القضائيَّة، بدلاً من الدخول في جدل، قد لا تحمد عقباه في ما لو تأهَّل له خطاب الشيوعيين الموجَّه إلى جماهير المؤمنين، حول توافق أو عدم توافق مشروعهم الاشتراكي مع تعاليم الإسلام. إنصراف الترابي عن اللباب إلى القشور هو ما حدا بالأستاذ محمود محمد طه، رغم خلافه الفكري، هو نفسه، مع الماركسيَّة، لإصدار كتاب، بالمقابل، يفند فيه آراء الرَّجل، تحت عنوان (زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان الثقافة الغربيَّة والإسلام ـ أضواء على المشكلة الدستوريَّة). وكم كان مريراً وصفه لكتاب الترابي بأنه "لا قيمة له ولا خطر، لأنه متهافت، ولأنه سطحي، ولأنه ينضح بالغرض، ويتسم بقلة الذكاء الفطري" (ضمن القدَّال، ص 161).
(94) بعكس تجربة (الفتنة الأولى) وفرت تجربة (الفتنة الثانية) للحزب ذخيرة من الدروس الكبيرة التي سلفت الإشارة إليها، والتي لخصها عبد الخالق في تقريره للمؤتمر الرابع، حيث جرى اعتمادها ضمن الموجِّهات الملزمة لأداء الحزب، وأهمُّها، كما أوردنا، ألا يكتفي بـ "الردود على ما يثار"، بل أن يحقق نقلة نوعيَّة "بالإمساك بقضيَّة الدّين، في المستوى الفلسفي، لوضعها في مكانها اللائق من حركة الشعب". لكن، برغم مرارة تلك التجربة، وعظمة دروسها، واصل الحزب، في مرحلة ما بعد المؤتمر، نفس الأداء السابق، بالاكتفاء بـ (الترفع) على (التهمة) ومروجيها، دون جدوى، طالما أنه لم يقرن ذلك بالتحرُّك، بالجديَّة اللازمة، للنهوض بما كان ألزم نفسه به في مؤتمره الرابع. فما هي، يا ترى، أسباب ذلك القصور التاريخي؟! نقول، دون أن ندَّعى امتلاك الإجابة النهائيَّة، إن إشارة بعضنا، أحياناً، إلى (الجمود الستاليني)، قد تصحُّ كتفسير عام. على أننا نخشى أن تتحول، بدورها، إلى (أيقونة) أخرى ناجزة بنفسها، الأمر الذي يدفعنا إلى ترجيح نجاعة الدعوة للبدء فوراً في تقصِّى الأسباب الأخرى، الخاصَّة جداً، ليس بالحزب وحده، وإنما بمجمل البُعد اليساري من تيار الحداثة (العقلانيَّة) في بلادنا، بأقلّ قدر من (المكابرة)، وبأعلى قدر من (الشفافية)، علَّ جهداً كهذا يرفد حركتنا الفكريَّة والسّياسيَّة بعناصر إثرائها واستنارتها وتجديدها. وإذ ندعو لذلك، لا نعتبر ما سقنا من تفسيرات باطنيَّة طيَّ كتابنا سالف الذكر (إنتلجينسيا نبات الظل) سوى محض محاولة للضرب بسهم متواضع في هذا التقصِّي، راجين أن تكون فاتحة شهيَّة، فحسب، لعصف أدمغة مطلوب، بإلحاح، في هذا الاتجاه.
(95) الشاهد أن لغة البيانات الحزبيَّة، والتصريحات السّياسيَّة، والتعميمات الصحفيَّة، وإن أثبتت جدواها في باب النزال السّياسي، إلا أنها ليست بذات جدوى في معركة هي، بطبيعتها، أدخل ما تكون في باب الصّراع الفكري. كما وأن أساليب التضامن، والتعاضد، والتكتل، لا تغني في ميدان تدافع الأفكار، على ما لها من أهميَّة في غير ذلك من الميادين. ولئن كان منطق التدافع الفقهوفكري قد رفع إلى منصَّة أعلى غالب القوى التقليديَّة التي يشكل ممثلو الجَّماعة المستعربة المسلمة في بلادنا ثقلاً معتبراً بين صفوفها، قيادة وقاعدة، بما مكنها، إلى حدّ بعيد، من تجاوز مصائد الابتزاز القديمة التي درج التيَّار (السُّلطوي) على نصبها لها، تاريخيَّاً، بين شعاري (الوصل) و(الفصل) المفتعلين، والخروج بأشكال متفاوتة من تدقيق الوعي بالمطلوبات (المدنيَّة) الحقيقية للوحدة الوطنيَّة والسَّلام والاستقرار والدّيموقراطيَّة، فإنه لم يعُد مبرَّراً ولا مقبولاً، بأيّ منطق، أن تتخلف القوى اليساريَّة، وفي مقدّمتها الحزب الشيوعي، عن الإسهام البصير في هذه المستويات الجسورة التي بلغها تطوُّر (التدافع) في هذا الشأن. ولا نملُّ من تكرار رأينا بأن من أهمّ أشراط السَّداد في هذا الإسهام شرطين: أوَّلهما التركيز، في مجابهة تيَّارات (التشدُّد والتكفير)، لا على الحجاج (السّياسي) أو (الحقوقي)، فحسب، بل على الجانب (الفكري) بالأساس. وثانيهما الحرص على النأي بخطاباتنا عن المفاهيم والمصطلحات التي لا تفيد في توصيف أو تفسير الجوانب الدينيَّة الرُّوحيَّة من أزمتنا، بل تزيد نارها ضراماً، وإن جاز لنا، بطبيعة الحال، أن نستخدم من هذه المفاهيم والمصطلحات كلَّ ما ثبتت جدواه في تعميق رؤيتنا لقضايانا الدنيويَّة، ودرايتنا بها، في كلّ حقول الاقتصاد، والاجتماع، والسّياسة، وما إلى ذلك. وليس المقصود، يقيناً، أن نصبح جزيرة معزولة في هذه القرية الكونيَّة. ذلك أن الكثير من الفلسفات والمناهج والمفاهيم والمصطلحات التي تنتمي إلى شتى تيَّارات الفكر العالمي تكتسي طابعاً إنسانيَّاً وكونيَّاً شاملاً، وتتفاوت، فقط، من حيث طاقتها على تقديم مختلف الإجابات والتفسيرات لقضايانا (الدنيويَّة) شديدة التشعُّب والتعقيد. فالشيوعيون السودانيون ما انتخبوا الماركسيَّة اللينينيَّة، مثلاًً، من بين كلّ هذه التيّارات، انتظاراً لأن تقدّم لهم تفسيرات (دينيَّة) لمختلف الظاهرات (الغيبيَّة) من حولهم، بل ولم تكن بهم، أصلاً، حاجة لها في هذا المستوى؛ فلا هي (دين) ولا هم جماعة (دينيَّة)، وإنما كلُّ ما أهمّهم منها، ليس فقط منهجها السديد في تقديم شتى (التفسيرات) للظاهرات الاجتماعيَّة (الدُّنيويَّة) وثيقة الصّلة باستغلال الإنسان للإنسان، وإضاءة المفاهيم التي تفضح ميكانيزمات هذا الاستغلال، بل، وإلى ذلك، جدارتها كمرشد في النضال والعمل الثوري من أجل (تغيير) هذا الواقع (الدُّنيوي) الظالم بواقع (دنيوي) أكثر عدلاً. لذا، فإن ما نقصده، على وجه الدّقة، درءاً لأيّ التباس، أو سوء تفاهم غير مرغوب فيه، هو، ببساطة، أننا، لدى استقبالنا لمختلف تيَّارات الفكر العالمي، ماركسيَّة أو غير ماركسيَّة، ينبغي ألا نفعل ذلك وكأننا صقع خلاء من أيَّة عناصر ثقافيَّة إنسانيَّة مؤهلة للتفاعل مع هذا الوافد. (فالثقافة) التي لا تعي ذاتها، تفتقر، قطعاً، إلى المقوّم الأساسي لإحسان تفاعلها مع غيرها. ولقد هبَّت علينا بعض المفاهيم والمصطلحات، مثل (العلمانيَّة/فصل الدين عن الدَّولة) .. الخ، من المناخات الفكريَّة لعصر الحداثة الأوربي، بتاريخانيَّته الخاصَّة، وأشراطه المائزة، "فتلقيناها بمختلف خطاباتنا، دون أن يكون في (ثقافتنا) مهدٌ ملائم لها، ودون أن تعانى مجتمعاتنا المخاض المباشر لإنتاجها" (بشير أبرير؛ "الخطاب اللساني العربي بين التراث والحداثة"، م/الرافد، ع/47، يوليو 2001م، ص 85)، وحتى دون أن نستوثق، تماماً، ممَّا إذا كانت تصلح فعلاً لتوصيف حالتنا المحدَّدة، أو تعبّر، بدقة، عن مطلوباتنا الحقيقيَّة؛ فما لبثت أن شكلت لدينا مصدر اختلاف، إلى حدّ التصادم الدَّموي، ليس، فقط، بيننا، كجماعة مستعربة مسلمة، وبين مساكنينا من الأغيار (الدّينيين)، وإنما في داخل جماعتنا نحن أنفسنا. على أنه ينبغي التفريق الدقيق بين ما نرمى إليه هنا، وبين المساعي المجَّانيَّة التي قد نصادفها، أحياناً، في إطار الفكر العربي الإسلامي المعاصر، لإيجاد مفاهيم بديلة للمفاهيم الغربيَّة، والتي "تشكل حالة خاصّة .. تفتقر إلى التسويق المعرفي من جهة، وتهدر السياق التاريخي الذي أنتج تلك المفاهيم من جهة أخرى. فمفاهيم مثل المجتمع (الأهلي)، بدلاً من المجتمع (المدني)، و(الجَّماعة) عوضاً عن (المجتمع)، وتصوُّر (المؤمن) مقابل (المواطن)، وما يسميه البعض بـ (حقوق الإنسان في الإسلام) في مواجهة (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) .. تقوم بعمليَّة معاوضة وهميَّة تهدف إلى تعزيز نزعة الاستغناء عن الآخر، واعتباره عدوَّاً وغازياً هكذا بالجُّملة، ممَّا يعنى التخلي الطوعي عن منجزات العلم والثقافة الحديثين، ومواجهة التحدّي الغربي بالمزيد من التراجع والانحسار على المستوى الحضاري، وبالمزيد من وهم القوَّة والحماس على المستوى الواقعي، (و) تفتقر (هذه) الرؤية للغرب بالمطلق، مثل الرؤية المقابلة التي تدعو إلى التبني شبه التام لكلّ ما هو غربي، إلى القدرة على تحليل ونقد الآخر" (د. كريم أبو حلاوة؛ "إعادة الاعتبار لمفهوم المجتمع المدني"، م/عالم الفكر، ع/3، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يناير/مارس 1999م، ص 12). من ثمَّ وجب علينا النأي عن كلا (التطرُّفين)، والتوجُّه نحو "التملك النقدي للأدوات المعرفيَّة، والمنهجيَّات الحديثة التي تمكننا من فهم ذواتنا وفهم الآخر" (نفسه، ص 13). عليه، إن كنا نروم التماس مخرج مرموق من هذه الأزمة، حقاً وفعلاً، فإن أهمَّ ما يتوجب علينا إيلاؤه عنايتنا الكبرى هو أن نكفَّ عن تصوُّر حياتنا إما محض (انكسار) بإزاء (مركزويَّة) غربيَّة تطالبنا بالتسليم بوجود طريق واحد للتطور، أو هي (انغلاق) على (خصوصيَّة) تدفعنا إلى توهُّم الإسلام عزلة سرمديَّة دونها .. الإلحاد! ..................................... ..................................... والآن ، هل نستطيع أن نبصر بصيصاً من الضوء فى نهاية النفق؟! هل ثمة أمل في كلمة سواء تنظم اختلافنا (الدُّنيوي) بشأن (عتود الدّولة) بمنأى عن (تكفيرنا السّياسي) لبعضنا البعض؟! (إنتهى)
#كمال_الجزولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (13) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (12) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ
...
-
عتود الدولة (11) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ التَّدَ
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (10) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (9) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ا
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (8) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ا
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (7) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ا
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (6) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ا
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (5) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ا
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (4) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ا
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (3) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ا
...
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (2)
-
عَتُودُ الدَّوْلَة (1) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ا
...
-
مَاركْسْ .. بِالبَلَدِي!
-
شَعْرَةُ مُعَاوِيَة!
-
بُوكُو حَرَامْ!
-
رَبيعُ طَهْرانَ .. السَّاخِن!
-
مَنْ يَنْقَعُ غُلَّةَ الصَّادِي؟!
-
عُلبَةُ الأَقلامِ الخَشَبِيَّةِ المُلوَّنة!
-
المُتَهَادِي كَمَا القَمَر!
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|