أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الفرجاني - سقاية الحجيج الاعظم














المزيد.....

سقاية الحجيج الاعظم


محمد الفرجاني

الحوار المتمدن-العدد: 2778 - 2009 / 9 / 23 - 21:10
المحور: الادب والفن
    


ثم جاء النداء من الحجيج... وكثيرا ما تكون بدايات الاشياء حاسمة، حيث تنتهي الاشياء... انقلب كل شيء بعد النداء... كانت جدّتي في حجّ وطلب غفران... اي غفران وهي كانت في نظري ارقى وانظف من الفكرة ذاتها؟ ما رأيت منه شيئا يغضب اكثر الارباب تطرفا... هل كانت جدتي تلك تحتاج غفرانا؟ نكتة باردة! جدّة مثلها مثواها الجنة قبل غيرها وبدون مناظرة وملف، جدة شهيدة اذ كنتُ انا حفيدها وكانت تعيش معي تحت سقف واحد، هل تحتاج غسل ذنوب؟!... عرّجت الجدّة في رحلتها الاستغفارية على اثينا، لسبب الطيران الذي ما كان وقتها مباشرا، اذ ان الخطوط الجوية التونسية وقتها، بطائرتين "كارافال" فرنسية خردة وقتها، ما كانت تصل وقتها الى ابعد من الف كلمتر وغيره الخ... وتلك الطائرة الخردة كانت طبعا احدى انجازات الاستقلال وقتها، واهمّ شروط الاستقلال، بل ومن شروطه ان نبلع ونبلع الخردة ونتزود ونتزود بالخردة ونرضى ونرضى بكل الخردوات التي عندنا، ونرفع كل خردة رسمية الى مقام المكاسب، وكل خردة بشرية الى مقام الاسياد، و"سيد الاسياد" ان لزم الامر في كل الاغاني والاناشيد الخ... وبعثتْ الجدّة عن طريق احد الحجيج التوانسة المرافقين بطاقة بريدية من اثينا... وعلّـق الاهل، لسوء حظي او العكس، البطاقة البريدية في بهو البيت ومنذ رأيت صورة اثينا، وهي اول صورة لمدينة اخرى غير تونس، من علو تحليق طائر والجبال حولها، انفصلتُ عن المكان وتخلّصتُ من الجاذبية وهذه المرة عن جد ونهائيا، اذ كنت تخلّصتُ مرّة قبلها من الجاذبية، ولكنها كانت كذبة سربتها لاقراني وقتها، عن خيال، والاهم حتى افوز باهتمامهم وبالصدارة، تخلّصتُ فيما بعد من مرض الصدارة خلاف بقية الكبار الذين أراهم حولي، وبقيتْ معي الجاذبية واظنها الى الابد... ومنذ رأيتُ منظر اثينا بدأ كل شيء، او انتهى كل شيء... انتصبتُ امام البطاقة البريدية اياما لا اسمع ما يدور حولي... قمتُ بجولة رائقة في اثينا لمّا كان الكل نياما في صباح احد الايام وكان يوم الاحد، اذ اذكر ان الوالد كان بالبيت ايضا، جولة مفصّلة في كل احياء اثينا، ما استعملتُ فيها خردة الخطوط الجوية التونسية/ما اشتركتُ في محادثات الاستقلال يعني لا تلزمني الخردة/ ولا غير الخردة، استعملتُ ما كان وقتها عندي، يعني "لا مزية لاحد" في هذا، اذ لا اذكر ان احدهم اشترى لي او اهداني خيالا، يوم العيد مثلا... اخرج من شارع لادخل شارعا، اقفز من رصيف الى رصيف، اشرب الماء من حنفية في احدى ساحات اثينا، اطير والحمام فوق الدور واحط في الساحة الكبرى، اجلس على مقعد في ساحة واربط حذائي الذي فُكّ رباطه خلال العدو، اغسل وجهي في نافورة، اواصل الجولة والطيران، اقترب من الجبال المحيطة بالمدينة هناك من بعيد، ارفع البطاقة البريدية حتى ينعكس الضوء واتثبت من أعلى الصورة في بعض الجزئيات، ثم اعود الى وسط المدينة والجري في الشوارع تحت شمس اغريقية ما بردت بعدُ... اليوم احد، والدكاكين مغلقة واتخيّر عبر زجاج الفترينة لعبا لي واخرى لشقيقتي التي كانت تشخر وقتها في سنواتها الثلاث في احدى الغرف المجاورة وتجهل انني في طيران وسفر وتسوّق، وانني اشقى حتى اتخيّر لها من اللعب ما يرضي جشعها لما كانت هي تغط في نوم هنيء... ولما رأيتُ اثينا بعد سنين طويلة، طويلة فعلا، طفت فيها أبحث عن ذلك الصبي لاصطحبه واحدّثه عن الطيران باجنحة غير رسمية، وشمس آتيكا السبتمبرية تنهال علي وانا اريد ان احدثه عن الوفاء والديون وعن الشمس الاغريقية التي ما بردت بعدُ حتى من بعد ان تسمّم سقراط وعن حريق السمّ الطالع من اسفل الى اعلى في البدن مع مرور الثواني/السنين، وعن وصية سقراط التي تخترق الفضاء الى تلاميذه عن تسديد ثمن الديك الذي اكل حساءه منذ ايام... وطال بي السعي فإذا بالصبي خذلني، غاب، ذهب بغير رجعة، والارجح انه كذبني كعادته واعتبرني في ذلك احد اقرانه في صباه... وما لقيته مرّة اخرى... جلستُ كالعادة وحدي بالساحة الكبرى وشربتُ على نخبه كأس الغائب /بيرة/ في ذلك اليوم لمّا رفضتْ عدة فنادق ان تأوي عربيا بعد احدى "العمليات" التي تمت في آخر الدنيا والتي اثارت ضجّة في كل الدنيا، والتي ما كان ذلك الصبي يعرف عنها شيئا في دنياه، وما كانت زمن صباه منتشرة، وما فعلتْ "عمليتهم" شيئا له معنى عن جهل فاعلها المعنى، فعلت ضجّة وانتهى، ككل الاعمال الكبرى! وبقيتُ ابحثُ عن غرفة فندق وصفحتُ عن ذلك الصبي صبيانياته كما صفحتُ عن اليونانيين خزعبلاتهم وفنادقهم "الكومبلي" في وجهي، ركبتُ نعلي وقلت وقتها "فليكن!"... طواف خلفه طواف وسقاية بكؤوس تتبعها كؤوس تتبعها اخرى...



#محمد_الفرجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصفة قارئ


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الفرجاني - سقاية الحجيج الاعظم