|
لا نبيّ من نسل إسماعيل- ثالثاً
رياض الحبيّب
الحوار المتمدن-العدد: 2775 - 2009 / 9 / 20 - 02:34
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لا أزال مسترسلاً في الحديث عن الآية القرآنية السادسة التي قالها رسول الإسلام في سورة الصفّ والتي نصّها الكامل: وإِذ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إنّي رسُولُ اللَّهِ إليْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا برَسُول يَأتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ فلَمَّا جَاءَهُمْ بالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هذا سِحْرٌ مُبِين*
لأنّه لم ينته بعد. وفي هذا القسم من الموضوع سأسلّط ضوءً على غلط لغوي وقع فيه مؤلّف القرآن بقوله (وَمُبَشِّرًا برَسُول يَأتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ) فمعلوم أنّ التبشير يكون بأمر قد حصل في ماضٍ قريب أو بعيد وليس بأمر سوف يحصل مستقبلاً سواء أكان قريباً أم بعيداً! ومعلوم أنّ كلّ نبوءة صدرتْ من نبيّ في العهد القديم بمجيء المسيح المُخلّص لم ترقَ إلى درجة البشرى، إنّما بقيت في حقل النبوءات إلى أنْ تحقق مجيء السيد المسيح فانطلق تلاميذه يبشّرون العالم بمجيئه. وهنا أشهر نبوءة لنبيّ من الأنبياء الكبار- وهم إِشَعْيَاء وإرميا وحزقيال ودانيال- قد عاش في القرن الثامن قبل الميلاد: {وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَة: هَا العَذرَاءُ تَحْبَلُ وتلِدُ ابْناً وتدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ} - إِشَعْيَاء 14:7 [معنى عِمَّانُوئِيل: الله معنا] فهذه كانت نبوءة ولم تكن بشرى فكيف فرح بها إنسان قبلما تحققت على أرض الواقع؟!
فكان على مؤلّف القرآن أن يقول (مُخبراً عن رسول يأتي... أو مُنبئاً أنّ رسولاً- مثالاً لا حصراً) بدلاً من (مُبَشِّرًا) علماً أنّ الغلط المذكور ليس الأوّل من نوعه؛ فقد وردت آية قرآنية كاملة في سورة الإنشقاق: 24 (فبشِّرْهُمْ بعذاب أَليم) وهذه مذكورة أيضاً كجملة أخيرة فاصلة في سورة التوبة المرقمة 34 والصواب: فاٌنذرْهُمْ! وها أنّ علماء الإسلام قد اعترفوا بحقيقة تنصّ على أنّ البشارة هي: الإخبار عن المحبوب أي الخبر السّارّ، والنذارة هي: الإخبار بالمكروه أي الخبر السّيّء. إذاً الغلط المحمّدي الثاني هو الخلط ما بين البشارة والنذارة. وأمّا الغلط الثالث فهو أنّ مؤلّف القرآن قد تعامل بالتساوي مع الخبر المُفرح ومع الخبر المكروه، فكيف يستوي بالبشرى كلّ من المُفرح والمكروه أو السّارّ والسّيّء؟
وهنا بعض معاني البشرى في معجم “لسان العرب” لمؤلّفه ابن منظور: وأَتاني أَمْرٌ بَشِرْتُ به أَي سُرِرْتُ به. وبَشَرَني فلانٌ بوجه حَسَنٍ أَي لقيَني. وبُشْرَى بمعنى بِشارَةٍ، وبَشْراً مصدر بَشَرَهُ بَشْراً إِذا بَشَّرَهُ- فإن قال قائل أنّ اٌبن منظور يرى أنّ البشرى تصلح للمكروه من الأخبار أيضاً- إذ ذكر قولَ القرآن: وبشِّرهم بعذاب أليم- فليعلمْ أنّ ابن منظور اتخذ من القرآن مقاييس في قاموسه.
قال الزجاج: معنى يَبْشُرُك يَسُرُّك ويُفْرِحُك. وبَشَرْتُ الرجلَ أَبْشُرُه إِذا أَفرحْته. وبَشِرَ يَبْشَرُ إِذا فرح. قال: ومعنى يَبْشُرُك ويُبَشِّرُك من البِشارة. قال: وأَصْل هذا كلّه أَن بَشَرَة الإِنسان تنبسط عند السرور؛ ومن هذا قولهم: فلان يلقاني بِبِشْرٍ أَي بوجه مُنْبَسِطٍ.
إبن الأَعرابي: يقال بَشَرْتُه وبَشَّرْتُه وأَبْشَرْتُه وبَشَرْتُ بكذا وكذا وبَشِرْت وأَبْشَرْتُ إِذا فَرِحْت به.
إبن سيده: أَبْشَرَ الرجلُ فَرِحَ؛ قال الشاعر: ثُمَّ أَبْشَرْتُ إِذْ رَأَيْتُ سَواماً *** وبُيُوتاً مَبثوثَة وجِلالا [العروض: بحر الخفيف]
وممّا ورد في تفسير معنى البشرى في معجم “مقاييس اللغة” فالتالي: ويقال بَشَّرْتُ فلاَناً أُبَشِّرُهُ تَبشيراً، وذلك يكون بالخَيْر، ورُبّما حُمِل عليه غيره من الشّرّ، وأظن ذلك جنساً من التَّبكيت. فأمّا إذا أُطلِقَ الكلامُ إطلاقاً فالبِشارة بالخير والنِّذارةُ بغَيرِه يقال أبْشَرَتِ الأرضُ إذا أخرَجَت نباتها. ويقال ما أحسنَ بَشَرَةَ الأرض.
--------------
وبالعودة إلى سورة الصفّ: الآية 6 أذكر مقتطفات ممّا ورد في مقالة الكاتب خليل الخالد من تساؤلات وممّا ورد في هامش مقالته من تعليقات- والتي أعيد كتابة رابطها في نهاية المقالة- قال الخالد: 1 لم يسمع بهذه (النبوءة) أحد من أتباع عيسى. تعقيب الحبيّب: لم يَسمَعْ بـ (بشرى الآية القرآنية) في سورة الصف: 6 أحَدٌ من تلاميذ السيد المسيح- بل من المستحيل أن يسمع- وإلّا لذكَرَها في كتاب العهد الجديد (الإنجيل) والذي قام بتدوينه اثنان من تلاميذه (مَتّى ويُوحَنّا) ومرقس {تلميذ بطرس} ولوقا {تلميذ بولس} وليوحنّا ثلاث رسائل وللوقا أيضاً سِفر أعمال الرسل، ولتمّ ذكرها في الأقل في رسالة واحدة من رسائل عدّة كتبها بولس وثلاثة آخرون من تلاميذ المسيح: بطرس ويهوذا ويعقوب.
2 ومن ثمّ كيف يكون عيسى مبشراً بني اسرائيل بمحمد؟ كيف يُبشر عيسى قوماً لا يؤمنون به أصلاً؟ تعقيب: فلو لم يكن (عيسى) مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيه مِنَ التوْرَاةِ لقام اليهود برجمه! وهُمْ قد صلبوه على رغم قيامه بصنع معجزات أمام عيون الملأ وأمامهم.
والجدير ذكره تالياً هو تعليقات بعض الإخوة على المقالة ومنها: 1 {علماً لو قلنا أنّ التحريف حصل بعد مجيء محمد سيكون ذلك مهزلة لأن نُسَخ الأنجيل كانت منتشرة في زمن محمد فكيف يتسنى جمعها من العالم لتحريفها؟} - مصلح المعمار تعقيب: لم يحصل التحريف بعد محمّد ولا كان ممكناً حصوله قبل محمد؛ فمن جهة العقيدة الإيمانية، إنّ كلام الله غير قابل للتحريف ولا التغيير ولا التبديل ولا التعديل. أمّا من جهة محمّد فقد كان نفسه يؤمن بأنّ في التوراة والإنجيل كلامَ الله، كما في ورد في سورة المائدة- مثالاً
2 {ان التركيز على ذكر اسم أحمد في الآية لهو دليل دامغ على كذب وجودها في اقوال عيسى وانما حشرت حشراً كي تقنع المستمع لها انه فعلاً سيأتي نبي اسمه احمد, وذلك كمن يؤكد براءته من جرم ارتكبه بالحلف بأغلظ الايمان لاقناع المستمع انه برئ. هل كان من الضروري ذكر اسم احمد أم صفاته ورسالته ومكان ظهوره؟ وهل كان هذا ال أحمد نبياً لبني اسرائيل أم لبني العربان؟} - صباح ابراهيم تعقيب: قال السيّد المسيح في الإنجيل بتدوين متى 16:7 {مِنْ ثِمَارِهِمْ تعْرِفونَهُمْ} وقد باتت ثمار محمد معروفة ومن المستحيل أنْ يأتمن الله على رسالته شخصاً لم ترقَ أخلاقه إلى مستوى البشر السويّ.
3 {أخي الكاتب المبدع الذي يلذّ لي ويطيب ان أقرأه... عظيم انت في حججك وفي تفنيدك للأكاذيب، فيسوع الفادي والشفيع الوحيد وعد تلاميذه ووعدنا بالّروح القدس وفعلا حلّ عليهم في يوم الخمسين وما زال يعزّينا ويرشدنا ويدافع عنّا. أخي خليل دمت مبدعاً يملأ العين والحواس} - زهير دعيم تعقيب: واضح أنّ الروح القدس هو الذي وعد به السيد المسيح وقد سمّاه بــ {المُعزّي} في موضع آخر- وسيأتي ذكره في القسم الرابع من المقالة- أي لم يُبشّر السيّد المسيح بأي إنسان، لأنّه المخلّص الوحيد {مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ!} - مرقس 16:16
وقد كان لي أيضاً تعليق هناك، هذا نصّه: من قوله (وإذ قال موسى لقومه...) معلوم أنّ قوم موسى هم اليهود وكلّ نبيّ لبني إسرائيل قد جاء من نسل اليهود فالسؤال الذي يجب على أتباع محمّد التركيز عليه: كيف خاطب عيسى قومَهُ مبشراً برسول من بعده اسمه أحمد وأنّ أحمد هذا ليس يهوديّاً، أي ليس من بني إسرائيل؟
والتساؤل الأخير هو بيت القصيد في المقالة كلّها، وفي التوراة والإنجيل تفنيد لما ادّعى مؤلّف القرآن في سورة الصف: 6 يأتي قريباً- مع محبّتي
______________
* هنا رابط مقالة الكاتب خليل الخالد في عدد الحوار المتمدن المُرقَّم 2743 بتاريخ 2009 / 8 / 19 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=181706
#رياض_الحبيّب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قالتْ إنّي أعشقُ كُفري
-
لا نبيّ من نسل إسماعيل- ثانياً
-
لا نبيّ من نسل إسماعيل- أوّلاً
-
والقمر إذا خسَف
-
رحمة ابن الإنسان وجرائم رجم الزانية والزاني- 3 من 3
-
رحمة ابن الإنسان وجرائم رجم الزانية والزاني- 2 من 3
-
شكراً أختنا العلمانيّة د. وفاء سلطان
-
من وحي حوار مع د. وفاء سلطان
-
كذِبتَ فلا تقلْ كذِبَ الرّصافي
-
رحمة ابن الإنسان وجرائم رجم الزانية والزاني وجلدهما في الحدي
...
-
ردّاً على فقيه ولو على مضض
-
غلطة القرآن من جهة مريم بنت عمران
-
تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة الحادي
...
-
من أوراق العراق- سادساً
-
هكذا يُشهِرُ فقيهٌ إفلاسَه
-
تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة العاشر
...
-
تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة التاسع
...
-
تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة 8
-
المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب- سادساً
-
من سيرة الرصافي وردود الفعل على كتاب الشخصية المحمدية
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|