أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمان حلاّوي - صراع الأضداد والفن















المزيد.....

صراع الأضداد والفن


جمان حلاّوي

الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 19:43
المحور: الادب والفن
    



الفن هو التمثل الواعي للمؤثرات المحيطية كرد فعل انتقائي استجابة لحاجات معينة أو علاقات حياتية .. فهو تعبير عن علاقة عميقة بين الإنسان والعالم لذا فهو منهج ووسيلة في عملية التوازن الحياتية للإنسان.
ومادام عدم التوازن حالة مستديمة وان الصيرورة مستجدة ومتغيرة فأن
الفن يبقى ضروريا" لكل المجتمعات وفي كل الظروف ليملأ فراغ الذات وفي إشباع حاجتها .
إذن فالتناقض الطبيعي في الوجود والتضاد المستمر للوصول إلى حالة من الاستقرار يدفع الوعي إلى تشكيل ما يتمثله العقل وحسب درجة تطوره الحضاري صورا" ومنحوتات أو أشعارا" وأساطير وملاحم أو رقص .
فالفن هو الانعكاس المدرك للمؤثر الخارجي يتم تمثـّله داخل الدماغ وإخراجه في هيأة صور وأشكال تلائم مستوى الوعي بما يوازن ذلك التناقض والتضاد الذي أضحى جزءا" منه .
وهنا إذ أعبر عن رأيي أكون على خلاف واضح مع ما طرح في كتاب الأستاذ يوسف حوراني " البنية الذهنية الحضارية في الشرق المتوسطي الآسيوي القديم " حين يقول : فالمجتمع والأرض حين حررا الإنسان من التوحش منحاه فرصة لممارسة تجربته الأخلاقية كما حولا قلقه الطبيعي الذي كان يملأه بالتشرد والصراع المتوتر إلى منافذ جديدة تتواءم مع استقراره فكانت من هذه المنافذ إطلالة الإنسان على التدين والفن ، وهما ملازمان للاستقرار الاجتماعي لتوكيد إنسانية الإنسان"....انتهى النص ،

فالإنسان حين انتقل من مرحلة الكهوف إلى مرحلة الزراعة لم يخلق ذلك الانتقال أسباب استقراره بل بالعكس بدأ يبحث عن أساليب جديدة لضمان وجوده وبقاءه وانسجامه مع قوى اكبر منه واعنف ، فالحالة الجديدة قد ولدت صراعا" من نوع جديد وبصورة أكثر وضوحا" وعنفا" ، تطور الصراع من مرحلة الإنسان مع الوحوش والطبيعة إلى الإنسان مع الإنسان ، فظهر الإقطاع والرقّ كتضاد حيوي استوجبته المرحلة تلك من الوعي !
ومن ثم البرجوازية الصناعية كتضاد ثوري مع الإقطاع السلفي ، وحتى يومنا هذا لم يزل الصراع محتدما" بين الامبريالية والشعوب الناهضة تحت مسميات جديدة مثل ( العولمة) وغيرها ..

وكان الفن الواجهة العريضة لهذا التضاد ومتنفسا" للوعي الإنساني تجاه المضاد الآخر، ولنأخذ الرقص على سبيل المثال فأن حركة الرقص في تحريك الجسد ضمن إيقاع معين هو ظاهريا" اندفاعا" جنسيا" نحو الآخر لكن الرقص مع ذلك يحمل داخله صراعا" متواصلا" هو التخلص من المحيط الضاغط وكأنه رفسات في وجه الجمود والتوقف الزمني، والركود. وكان أساس ظهور الرقص هو التجلي أمام غموض ظواهر الطبيعة ليحاكيها ويخلق دمجا" بين الراقص وهذا الغموض في حالة من التواصل بين النقيض ونقيضه ، فللرعد رقصة وللزلزال رقصة وللموت رقصة وللحرب مع العدو رقصة ، فالرقص هو تكملة توازنية تتحرك بتحرك المضاد وبعكس اتجاهه حتما" !

ويمثل الفن في نفس الوقت ذهنية الإنسان ضمن عصره فإنسان الكهوف كان ينحت المرأة في هيأة الأم ممتلئة الأثداء التي تصالب يديها دلالة الاحتضان في الفترة الامومية كطوطم حامي القابعين في الكهف عما يجول خارجه ، أو رسوم لحيوانات كاسرة وقد أصابتها سهام الصيادين رمز الصراع الأبدي بين الإنسان والطبيعة ، وحين نقارن هذه الرسوم والتي خطت منذ أقدم العصور بلوحة معاصرة لا نرى اختلافا" في مفردات الصراع تحديدا" كجدارية الحرية للفنان (جواد سليم ) وسط ساحة التحرير في بغداد مثلا" ؛ الصراع المحتدم بين الثورة والنهوض متمثلا" بالجندي وبين أعمدة السجن التي يواجهها وبدأ بتهشيمها لكنها بالتضاد كانت تقاومه وقد انحنت نهاياتها كالأفعى محاولة الالتفاف حوله . والجدارية ككل تحمل ذلك التوازن الواضح بين قوى الخير والإنسانية متمثلة بثورة 14 تموز التي حررت العراق من الملكية وحلف بغداد الاستعماري عام 1958 على يسار الجدارية ، و قوى الظلام والقمع والاستبداد على يمين اللوحة وبنفس كثافة المفردات وبوجود خط الزمن الخفي التي يتجه دوما" إلى يسار الجدارية .. هو إدراك ذهني لدى الفنان إن كثافة قوى الظلم والاستبداد توازن كثافة قوى الخير لكنها لا تحمل فاعليتها في الحركة والصراع فتتهشم تحت ثقل كثافة قوى الخير، وتسحق .
وهناك مثالا" آخر متمثلا" في لوحة ( جيرنيكا ) لبيكاسو التي رسمها باللونين الأسود والأبيض والمعروضة حاليا" في مقر هيئة الأمم المتحدة وهي تمثل مأساة قرية جيرنيكا التي قصفتها القوات النازية الألمانية المتحالفة مع جيوش فرانكو بقنابل الطائرات كأول حالة ضرب مدنيين هكذا في التاريخ المعاصر للقضاء على الجمهورية الفتية في اسبانيا ؛ هناك الحصان الهائج الذي يسحق بسنابكه التي لبست حذاء النازي طويل الرقبة جسد المقاتل الذي تكسر سيفه لكنه مازال ممسكا" به بقوة ، وقد نبتت قرب السيف وردة لم تزل طرية ، وقد جاءته قوى النور حاملة فانوس صارخة به .وهناك في الجانب الأيسر من اللوحة امرأة تحمل رضيعا" مقتولا وهي تصرخ بوجه الثور رمز اسبانيا الملكية المتحالفة مع النازي. نلاحظ توازن كثافات قوى التحرر مع قوى السحق والهياج . وجعل بيكاسو من قوى الدمار وسط اللوحة حاملة ثقل المنظور جامعة كثافة مكونات اللوحة حولها وكأنها دوامة إعصارية تلف أحرار اسبانيا المشمّرين في اللوحة هنا وهناك وسط الحرائق والصراخ ، وقد تكسر خط الزمن في اللوحة لأن الردة قد حصلت في اسبانيا بعد أن سحق الجيش الأممي الذي اجتمع لمساندة جمهورية اسبانيا الفتية على يد الدكتاتور فرانكو عام 1937.
بل وحتى اللوحات ما قبل الانطباعية المتمثلة بالعصر الرومانسي حيث ترسم اللوحات داخل الاستوديوهات ولأشخاص معنيين فلن يكون للوحة معنى بدون النور الذي يبزغ من فجوات الظلام كانعكاس الشمس الدخلة من نافذة ما على الوجوه في اللوحة ، أو بروز الأنف والأكتاف في المنحوتات لتعكس ذلك التضاد الطبيعي الموجود في كل شيء .
وظهر ذلك جليا" في الفترة الانطباعية والتعبيرية بالخروج إلى الطبيعة وتنفيذ الرسوم وسطها بكل عنفوان الشمس وبهجة الألوان كثورة ضد الرومانسية واستوديوهاتها المظلمة كما في رسوم مانيت ومونيت و رينوار وسيزان وبيسارو وغيرهم من المبدعين ..

ونؤكد هنا أن الفن مهما كان شكله ومضمونه فأنه يحمل نزعة إنسانية طبقا" لقدرة الفنان على استيعاب ذلك المجتمع لتضفي شمولية ضمن لامحدودية الوجود الإنساني ، حيث أن خصوصية الفن تحمل في أعماقها رواسب عمومية إنسانية تفرض وجودها رغم كل فردية لأن حتمية سير عملية الفن في أي عصر توضح نفسها كلازمة لتلاحم العلاقة بين الإنسان والجماعة ، فإنسانية الإنسان ليست فردية بل جماعية ، والفن هو المؤشر الذي يعبر عن إنسانية الجماعة ، لذا فأن الفن رغم استحواذ روح العصر عليه بأطره السحرية أو العقلانية أو الهامات حدسية اقتضتها الحاجة الآنية فأن وظيفته تبقى دائما" بتحريك الذات ( الأنا ) نحو الكل ( النحن ) إن كان بالإيحاء أو الإشارة المباشرة ، فأن ذلك يقود إلى دمج الإنسان مع غيره بإشباع حاجة كل فرد للخروج من اطر محدوديته إلى الحاجة الجماعية .
..................
فالفن هو خلاصة التجربة الإنسانية في الاكتشاف التخيلي لعملية خلق واقع مثير ما كان ليكون لولا قدرة الإنسان على الابتكار في تحويل الأشياء إلى تجريدات كناتج تغريبي لعقل الإنسان يكمن فهمها عن طريق المقارنات والاستدلالات المأخوذة من التجارب الإنسانية ، وان هذا التجريد هو رد فعل انتقائي لفعل خارجي واقع تمثـّله العقل فكان إبداعا" فنيا" ..
جمان حلاّوي /أميركا
Email / [email protected]




#جمان_حلاّوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحليل المادي للآيديولوجيا الدينية
- المفهوم الماركسي للدولة
- انتماءات لامنطقية
- الملامح الحقيقية للفكر الديني
- ثنيوية الذهنية والسلوك البشري
- ممارسة الطقوس .. عبادة , أم تراكم مازوخي ؟
- ماهيّة ما يسمى بالثقافة الأسلامية
- أيقونات الانحطاط
- ليس هناك مفهوم حياتي لديهم غير الكذب والدعارة
- حوار الأديان أم تعريتها وتقويضها
- أزمة المثقف العربي مع ما يسمى بالمقدس
- المرأة في النص الإلهي
- الدين الإلهي أم العلمانية هي النور المبين والحصن المتين ( رد ...
- العمّ الأكبر والمجتمع اللامنطقي
- الثقافة والصرح الثقافي ، وعاصمة الثقافة !
- دروس في العلمانية 3 : (التحليل المادي للفكر الديني )
- دروس في العلمانية 2 (الايدولوجيا الدينية والصراع الطبقي)
- دروس في العلمانية
- البصرة وغزّة
- الدين الإلهي أم العلمانية هي النور المبين والحصن المتين


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمان حلاّوي - صراع الأضداد والفن