|
هل انفرط عقد أدب المقاومة؟
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 11:22
المحور:
الادب والفن
كتابنا وشعراؤنا يغازلون الأمراء والسلاطين العرب يبدو ان ما اصطلح على تسميته بـ "أدب المقاومة" الذي تشكل وتكوّن بعد النكبة في ثقافتنا العربية الفلسطينية المعاصرة في هذا الجزء من أرض الوطن الكبير، وحمل الطابع السياسي والاجتماعي التعبوي المحرّض على الفعل المقاوم والثورة والمواجهة والدعوة للتغيير ، والتصدي للقهر والظلم والجور والغبن والاجحاف والاضطهاد القومي والطبقي ، ولمحاولات تبديد وتشويه هويتنا الوطنية والقومية ، ولامس جوهر العلاقة بين الحياة والموت وتميز ببعده الاجتماعي وولائه للطبقة العاملة الكادحة التي تعلق على أكتافها بنادق مصيرها ومستقبلها.. الأدب الذي حظي باهتمام الأوساط الشعبية والنخب الأكاديمية والفكرية المثقفة وأعطاه الروائي الشهيد غسان كنفاني شهادة المرور الى العالم العربي وأعاد تشكيل نسيجه، يبدو أن هذا الأدب انفرط عقده منذ زمن ، بعد تراجعه رويداً رويداً على مدار السنوات الفائتة ، بالرغم من تفجر الطاقات الأبداعية وتفتح المواهب الواعدة وكثرة الأقلام الأدبية التي تكتب وتنتج وتنشر كتاباتها في الصحف المطبوعة وعلى الشبكة العنكبوتية .
وفي الحقيقة والواقع ، أن أدب المقاومة أخذ بالنكوص والتقهقر الى حد انفراط عقده ، عقب الهزيمة وانحسار المد القومي الناصري الجارف والماركسي الثوري ومع بدء تدفق أموال النفط من دولأرات خضراء ودنانير وريالات وبالونات ملونّة ، فراح شعراؤنا وكتابنا يغازلون ويتملقون الأمراء والسلاطين والحكام العرب ويكتبون نصوصهم الأدبية وقصائدهم الشعرية في غرف وصالونات وصالات الفنادق ، بينما كانوا يسطرونها ويخطونها بدمائهم وعرقهم وألمهم في السجون والمعتقلات والزنازين، وفي الخنادق وميادين المعارك الكفاحية والنضالية ، وأيضاً منذ أن أصبح أصحاب القلم والكلمة على وفاق وتراض مع المؤسسة الاسرائيلية التي نجحت في خصيهم وتخنيثهم واحتوائهم واعتبارهم مبدعين كبار في نظرها ، فأقامت دائرة ثقافية لتخدمهم ، ومنحتهم جوائز التفرغ والابداع ، وطبعت كتبهم السطحية الهزيلة والركيكة التافهة التي تشوه الوعي والذوق الأدبي ، وقامت بالترويج لهم ولكتبهم!
زد على ذلك ابتعاد الكتاب والمبدعين عن اليسار واهتزاز قناعاتهم الفكرية بعيد انهيار وسقوط النظام الاشتراكي العالمي ، وخيانتهم للمواقف والأفكار التي أمنوا بها عقوداً طويلة وتخليهم عنها، وانخراط نفر منهم في أحزاب يسارية صهيونية !! وكذلك وفاة البعض ، ممن ساهموا في ارساء ونمو أدب المقاومة ، وغيابهم عن الدنيا والحياة، عدا عن توقف البعض عن الكتابة والنشر، ومنهم من أصبح من رؤؤس الأموال وينعم بالسيارات الفارهة والفيلات الفاخرة والسفر الى الخارج والتجول في أنحاء المعمورة. يضاف الى ذلك اتفاقات " اوسلو" التي دفعت بالكثيرين تبديل مواقفهم ومواقعهم ، أو جرفهم الى قطار اليأس والاحباط ، فأين هي النصوص الأدبية التي تواكب الحدث السياسي اليومي وتعبر عن الهم الجماهيري الفلسطيني وقضايا الناس والطبقات العمالية الكادحة ؟! وأين الابداعات الحقيقية التي تلتحم مع قضايا الشعوب العربية وتؤصل الأنتماء وتعبر عن الموقف السياسي والفكري الواضح، وتكرّس ظاهرة التفاؤل التاريخي المرتبط بالانسان والتراث والقضية كقضية واحدة؟وأين النتاجات ذات الدلالات العميقة التي تختزل وتتجاوز المرحلة وترسم الطريق نحو المستقبل الباسم الجميل ؟!1
ان ما نقرأه اليوم من نصوص يكشف هشاشة أدبنا وغرقه المتعاظم في الرومانسية والحنين الى الماضي والنحيب والتوجع والصراخ والندب والرثاء لحال الأمة ، ودليل واضح على البؤس الثقافي الذي نعيشه ونعانيه.
لقد أثبتت الحياة وتجاربها ان المبدع لا يمكن أن يكون مبدعاً حقيقياً واصيلاً اذا كان على وفاق وتصالح مع المؤسسة والسلطة الحاكمة ، وكلما ابتعد عن اليسار وقوى الثورة والتغيير كلما بهتت جذوة ابداعه ، ثم فأن الالتزام الفكري والعقائدي والثوري ضرورة للابداع الحقيقي ، والابداع ضروري للتعبير عن الالتزام بالفكر الثوري ، فكلاهما يشكلان شرطاً أساسياً لأدب ثوري مقاوم وناجح يمكن ان يقدمه الكاتب بضمير مرتاح وثقة عالية بالنفس ، وبئس كل مبدع يشترى ويباع بالمال والدولار وجائزة تفرغ وطباعة كتاب ، وان ثقافتنا الفلسطينية الحقيقية في غنى عنه وليست بحاجة اليه ولأمثاله.
خلاصة القول، اننا بحاجة الى تجديد انطلاقتنا الثقافية واعادة الاعتبار لأدب المقاومة وللكلمة الحرة النظيفة الشريفة النقية ، وتخليص حياتنا الادبية والثقافية من التافهين والهامشيين والفهلويين وفقهاء الأدب ومرتزقته، كما ان ثقافتنا وأدبنا بحاجة الى الابداع الحقيقي الملتزم قلباً وقالباً، المندمج بقضايا الناس والجماهير والمتفاعل مع الحدث السياسي اليومي ، والى مبدعين شرفاء وأنقياء من أصحاب التجارب الأبداعية والكتابة الجريئة المقتحمة المغايرة لـ "ثقافة القطيع " وللتيار السائد ، الذين يرفضون التدجين وعمليات التلميع الاعلامي وصناعة النجوم والتوظيف في سوق النخاسة السياسية والأيدولوجية وأشكال التهريج والوجاهة الثقافية ، والجوائز والنياشين المقدمة من قبل المؤسسة ودائرة الثقافة العربية ووزارة الثقافة . *(كاتب من فلسطين)
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مسألة - الحجاب- ..!!
-
في ذكرى رحيله نواف عبد حسن كاتب الوعي الكنعاني والفلسطيني
-
في المشهد السياسي العربي
-
وقفة تأملية في الواقع العربي الراهن وحركة التحرر الوطني العر
...
-
مشاريع النهضة والعقلنة والتحديث ومعوقاتها
-
الجانب الاجتماعي في أدب المرأة العربية
-
حركة التنوير العربية بين الواقع والحلم
-
لاجل عقلنة وعلمنة التراث
-
في اغتراب وانكفاءالمرأة العربية
-
صادق جلال العظم .. اشراقة للعقل النقدي والفكر العربي
-
مع وجدانيات الشاعرة امال عواد رضوان
-
في المشروع الثقافي الفلسطيني
-
أزمة الحركة الماركسية العربية والمستقبل
-
الفكر العربي المعاصر ومشروع حضاري نهضوي وتنموي حداثي عربي
-
لماذا يغتالون طه حسين بعد موته؟!
-
الثورة الجزائرية في القصيدة الفلسطينية
-
في ذهنية التكفير والتحريم واغتيال العقل..!!
-
في ثقافة العقل العربي
-
الاسلام والديمقراطية
-
نحو تأصيل العقلانية والتنوير في الخطاب العربي المعاصر
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|