أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!















المزيد.....


شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2771 - 2009 / 9 / 16 - 14:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الأمم لا تتقدَّم؛ بل تتراجع، إذا ما استبدَّ بها أحد ميلين: الميل إلى تمجيد (والإفراط في تمجيد) الذات، والميل إلى جَلْد (والإفراط في جَلْد) الذات.

وكثيراً ما نرى في بعض الأمم الميلين معاً، تُمجِّد ذاتها تارةً، وتجلدها طوراً، منتقلةً، في استمرار، من هذا التطرُّف إلى ذاك، ومن ذاك إلى هذا.

دعونا نضرب صفحاً عن "التمجيد"، والإفراط فيه، فهو كمثل الصعود نحو الهاوية، لا يجنح له إلاَّ "الصفر" الذي لا لبوس يلبسه إلاَّ الغرور؛ ودعونا نُبْقي "النقد الذاتي"، أو "انتقاد الذات"، والذي لا ريب في احتياجنا إليه، دون جَلْد الذات، والإفراط في جلدها، فأوَّل شرط لـ "التقدُّم" هو أنْ نُدْرِك ونعي فينا أوجه الضعف والخلل والفساد والتخلُّف..؛ لأنَّ الأسوأ هو أن تَعْجَز أبصارنا وبصائرنا عن رؤية سوء حالنا، أو أن تأبى رؤيته.

وفي خير الكلام، في أمْرِنا المُرُّ، نحن العرب، أقول إنَّ شيئين (بسيطين؛ ولكنهما في منتهى الأهمية) لم نتعلَّمهما بعد: تَعَلُّم قول، وممارَسة، "لا"، فنحن "أُمَّة نَعَم"، في معناها السلبي، وتَعَلُّم "السؤال"، فنحن "أُمَّة جواب"، ترسانتنا من "الأجوبة الجاهزة المُطْلَقَة" لا تَنْضُب.

اسْألْ نفسكَ كم مرَّة كان ينبغي لكَ أن تقول "لا"؛ ولكنَّكَ لم تَقُلْها. لم تَقُلْها مع أنَّكَ كنتَ محتاجاً إلى قولها، وكانت لكَ مصلحة في قولها، وكنتَ ترى "الصواب" في قولها.

ثمَّ اسْألْ نفسك ما الأسباب التي حَمَلَتْكَ، وأكرهتكَ، على الإحجام والإمساك عن قولها، على أهمية وضرورة أن تقولها، لِتَكْتَشِف، وأنتَ تحاوِل الإجابة، أنَّ "التخلُّف"، في ما تلقَّيْتَ من تربية، في معناها الواسع، هو الذي منعكَ، وحال بينكَ وبين قولها.

لو كنتَ منشغلاً بعملٍ (ضروري) وأتاكَ "ضيف" على حين غرة، فهل تَجِد في نفسكَ من "الجرأة (التربوية)" ما يسمح لكَ بقول "لا"، على ضرورتها وأهميتها؟!

هل تستطيع أن تقول له، في أدبٍ وتهذيبٍ، إنَّني "مشغول" الآن، وأعتذر إليكَ عن عدم قدرتي على استقبالكَ واستضافتكَ؟!

وإذا كنتَ مِمَّن في أيديهم سلطة التشغيل والتوظيف، هل تستطيع أن تقول "لا" لهذا "الوجيه" الذي قَصَدَكَ طالباً توظيف شخصٍ ما، أنتَ على عِلْمٍ بأنَّه غير مستوفٍ لشروط تلك الوظيفة؟!

هل تجرؤ أن تقول له "لا" وهو الذي لم يُحدِّثكَ في الأمر الذي من أجله جاء إلاَّ بعدما أسمعكَ "قصائد" في مدحكَ والثناء عليكَ، أو أغْرَقكَ في عبارات التوسُّل والاسترحام والتذلُّل..؛ لقد أشعل في نفسكَ، وأجَّج، نار الشعور بالخجل، مُحْرِقاً فيكَ البقية الباقية من جرأة قول "لا".

كم مرَّة وجدتَ نفسكَ واقفاً حائراً متردِّدا بين خنوع "نعم" وتمرُّد "لا"، فلم تَجِدَ في نفسكَ من التربية القوية الجيِّدة ما يمنعكَ من تفضيل خنوع "نعم" على تمرُّد "لا"؟!

هل أنتَ متخلِّف تربوياً، أي تلقَّيْتَ من التربية، في معناها الواسع، ما يؤهِّلكَ دائماً لأنْ تكون "جندياً" في حرب الأموات على الأحياء، والموت على الحياة؟

الإجابة سهلة جدَّاً، وفي متناولكَ، فأنتَ يكفي أن تحصي المرَّات التي امتنعتَ فيها عن قول "لا"، على أهمية وضرورة أن تقولها، حتى تتوصَّل إلى الجواب؛ وتَعَلُّم قول "لا" يعني أيضاً أن تتعلَّم "متى"، و"كيف"، تقولها.

وفي "السؤال"، نقف على وجهٍ آخر من أوجه التخلُّف الحضاري الذي نعاني، على افتراض أنَّنا نشعر، حقَّاً، بالمعاناة.

و"السؤال" سُلَّمٌ يمكن ويجب أن نصعده درجة درجة؛ والتدرُّج في صعوده يعني أن نسأل أوَّلاً، وبادئ ذي بدء، بـ "متى"، و"أين"، و"كيف"، وصولاً إلى الدرجة العليا من سُلَّم السؤال، وهي "لماذا"، التي منها، ومنها فحسب، يُوْلَد العِلْم والاكتشاف والفلسفة، فأين هو الاكتشاف العلمي الكبير الذي لم يستهله صاحبه بـ "لماذا"؟!

ملايين البشر، وفي كل الأزمنة والأمكنة، شاهدوا ما شاهده نيوتن.. لقد شاهدوا تفَّاحةً تسقط (بعد نضوجها) من غصنها إلى الأرض. وحده نيوتن هو الذي سأل، وأجاد السؤال. وكان يكفي أن يسأل أو يتساءل "لماذا التفاحة عندما تنفصل عن غصنها تتحرَّك إلى أسفل ولا تتحرَّك إلى أعلى؟" حتى تضيق المسافة، على اتِّساعها، بينه وبين اكتشاف قانون الجاذبية.

خُذْ كل بديهية، وقُمْ بقذفها بقذيفة "لماذا"، حتى تَجِدَ نفسكَ في مواجهة تحدٍّ معرفي وعلمي عظيم، يُلْزِمكَ البحث والتفكير والتأمل.

أليس من عداد البديهيات والمسلَّمات الآن أن تقول إنَّ الأرض هي التي تدور حول الشمس؟!

خُذْ تلك البديهية، وقُمْ بقذفها بقذيفة "لماذا"، على أن تجيد التصويب والتسديد، أي استعمال "لماذا".

عندئذٍ، يمكنكَ أن تسأل أو أن تتساءل "لماذا.. لماذا الأرض هي التي تدور حول الشمس وليست الشمس هي التي تدور حول الأرض؟".

ونحن، في صحافة الخبر، لا مناص لنا من "أسئلة الخبر الأوَّلية"، أي من "متى"، و"أين"، و"كيف".

لِنَفْتَرِض أنَّ "الخبر" هو "قرَّر الرئيس أوباما أن يُصْلِح حال العلاقة بين بلاده والعالم الإسلامي، فزار القاهرة، ليوجِّه منها خطابه التصالحي إلى العالم الإسلامي..".

وللانتقال من هذا "الحيِّز المعرفي الضيِّق"، أي "الخبر"، إلى "حيِّز معرفي أوسع"، يكفي أن نسأل أو نتساءل "لماذا.. لماذا الآن، وليس من قبل.. لماذا من القاهرة وليس من مكان آخر.. ولماذا على هذا النحو وليس على نحو آخر.. قرَّر أوباما الجنوح للصلح مع العالم الإسلامي؟".

"السؤال" عِلْم وفنٌّ وذكاء وخبرة..؛ يتحدَّانا أن نصبح له أهلاً؛ ولكنَّنا لم نَسْتَجِب لتحدِّيه إلاَّ بما يُظْهِر ويؤكِّد أنَّنا نأبى إلاَّ أن نظل "اُمَّة الأجوبة الجاهزة (المطلقة)"، فليس من جديد في عالم الفكر والمعرفة والعِلْم والاكتشاف.. إلاَّ وادَّعينا مِلْكيَّته، ولو على هيئة "بذور" و"أجنَّة" و"أصول"!

ثمَّ أين هو السؤال الآني الكبير الذي لا جواب عنه في ترسانة معارفنا وأجوبتنا القديمة، والتي لا مكان فيها إلاَّ للحقائق المُطْلَقة؟!

إنَّنا حتى الآن لم نفهم كل جديد مهم من المعارف والعلوم والاكتشافات إلاَّ على أنَّه دليل جديد على أنَّنا كُنَّا السبَّاقين في حيازته، أو على الأقل، في حيازة ما أدَّى إليه وأوصل، وكأنَّ "جديدهم" هو "قديمنا"؛ و"قديمنا" هو "جديدهم"!

إنَّنا لا نشعر بالجهل، ولا نعيه، ولا ندركه؛ فكيف لنا بعد ذلك، وبسبب ذلك، أن نمخر عباب العلم والمعرفة؟!

لقد حان لنا أن نطلِّق "الأجوبة الجاهزة (المُطْلَقَة)" ثلاثاً، وأن نتوفَّر على استيفاء شروط تحوُّلنا إلى "أُمَّة سؤال"، يملأ عقولنا "الشكَّ الديكارتي"، ويملأ نفوسنا ذلك "الجهل الرفيع" الذي شعر به ذلك العلاَّمة في زمانه، وعبَّر عنه قائلاً "كل ما أعرفه أنِّي لا أعرف شيئاً"، فإدِّعاء معرفةٍ لا ينال من قوَّتها وحيويتها اختلاف الزمان والمكان إنَّما هو خير دليل على أنَّها معرفة لا تصلح لأيِّ زمان، ولا لأيِّ مكان، فـ "التعيين" هو "العِلْم"؛ و"العِلْم" هو "التعيين"!





#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الصنمية الاقتصادية- لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية!
- أيلول 2009 يتربَّص بالفلسطينيين شرَّاً!
- حكومة الذهبي -خصخصت- حتى -تخصخصت-!
- -ثقافة قضائية- مستمدَّدة من -الأمِّية الديمقراطية-!
- تسع سنوات من حرب -بن بوش بن لادن-!
- -ظاهرة-.. في مؤسَّساتنا!
- خيار -الدولة الواحدة-!
- ليبرمان يقود من الحبشة -حرب المياه- ضدَّ مصر!
- اعْرَف حقوقكَ!
- ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!
- -دولة الأمر الواقع-.. معنى ومبنى!
- عشاء في -السفارة في العمارة-!
- المقرحي أُفْرِج عنه.. و-الحقيقة- ظلَّت سجينة!
- -الأوتوقراطية التجارية-.. في رمضان!
- جمهوريات -العائلة المقدَّسة-!
- نساؤنا في عهدهن -السيداوي-!
- رمضان على الأبواب.. فَلْتُشْعِلوا نار الغلاء!
- فلسطين لن تكون -إمارة رفح- ولا -إمارة أندورا-!
- الأمير الشهيد الشيخ عبد اللطيف موسى!
- إنَّه قانون شهريار وسايكس وبيكو!


المزيد.....




- ويتكوف: وفد أمريكي سيتوجه إلى السعودية لإجراء محادثات مع وفد ...
- إيطاليا.. الجليد والنار يلتقيان في مشهد نادر لثوران بركان إت ...
- كيف يبدو مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
- روبيو ونتنياهو يحملان إيران عدم الاستقرار في المنطقة، ويؤكدا ...
- فيديو: مناوشات مع مؤيدين لإسرائيل أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين ...
- رئيس دولة الإمارات يستقبل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ال ...
- سوريا.. هجوم على دورية تابعة لوزارة الداخلية في اللاذقية يسف ...
- سيناتور أمريكي يوجه اتهاما خطيرا لـ USAID بتمويل -داعش- والق ...
- السعودية.. القبض على 3 وافدات لممارستهن الدعارة بأحد فنادق ا ...
- الخارجية الروسية تعلق على كلمات كالاس حول ضحايا النزاع الأوك ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!